إعلان دستوري انتقالي لـ «الجمهورية السورية»… وواشنطن تدرس «مسودة روسية» للدستور

تأكد أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري تسلم من الجانب الروسي خلال زيارته إلى موسكو الأسبوع الماضي مسودة دستور جديد يحدد مستقبل النظام السياسي وضوابط المرحلة الانتقالية في سورية، في وقت تداول خبراء قانونيون مستقلون ومعارضون «إعلاناً دستورياً موقتاً» يشكل مرجعية للهيئة الانتقالية خلال فترة التحول السياسي في «الجمهورية السورية».

وأكدت مصادر متطابقة لـ «الحياة» أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سلم كيري خلال لقائه نهاية الشهر الماضي، مسودة دستور مبنية على وثيقة صاغها خبراء قانونيون مقربون من النظام السوري، ويدرسها الجانب الأميركي حالياً، الأمر الذي فسر إعلان كيري من العاصمة الروسية ضرورة صوغ دستور سوري جديد قبل آب (أغسطس) المقبل. ويعتقد بأن «المسودة الروسية» تختلف جزئياً عن الوثيقة التي تحدث عنها معارضون مقبولون من النظام، كانت طائرة روسية نقلتهم من دمشق إلى القاعدة العسكرية في اللاذقية غرب البلاد، وتختلف عن التعديلات التي أعدها خبراء قانونيون موالون للنظام على الدستور الحالي للعام ٢٠١٢.

والتعديلات، التي أعدت في دمشق كي يطرحها الوفد الحكومي برئاسة بشار الجعفري في مفاوضات جنيف في «الوقت المناسب»، نصت على ثلاثة أمور: إزالة شرط أن يكون الإسلام دين رئيس الجمهورية وفق المادة الثامنة من الدستور الحالي، إضافة إلى الحفاظ على سبع سنوات مدة كل ولاية للرئيس الذي تحق له ولايتان بدءاً من الانتخابات المقبلة، وانتخاب الرئيس من البرلمان وليس في شكل مباشر كما جرى في العام ٢٠١٤.

لكن الرئيس بشار الأسد، أشار في مقابلة مع وسائل إعلام روسية قبل يومين إلى ضرورة انتخاب الرئيس في شكل مباشر بمشاركة اللاجئين خارج البلاد شرط أن تكون صناديق الاقتراع «تحت سلطة الدولة» واستعداده لانتخابات رئاسية مبكرة في حال توافرت «الإرادة الشعبية» لذلك.

وكانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الأسد عن انتخابات رئاسية مبكرة. وعكس هذا تغييراً كبيراً في موقفه لأنه جاء بعد إعلان وزير الخارجية وليد المعلم في ١١ الشهر الماضي أن الرئيس «خط أحمر» ورفض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ويمكن تفسير التغيير والحديث عن حل سياسي استجابة لـ «نصائح» موسكو خصوصاً بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين سحب قسم من قواته بالتزامن مع بدء المفاوضات في جنيف في ١٥ الشهر الماضي.

لكن الأسد تمسك بضرورة عدم حصول فراغ دستوري حلال «الانتقال السياسي». وأبدى الاستعداد لتشكيل حكومة من موالين ومعارضة ومستقلين، قائلاً: «المنطق أن يكون هناك تمثيل للقوى المستقلة وللقوى المعارضة وللقوى الموالية للدولة».

وكان القرار ٢٢٥٤ نصّ على ثلاث خطوات للانتقال السياسي، هي تشكيل حكم شامل وغير طائفي وصوغ دستور جديد وانتخابات جديدة بإدارة وإشراف الأمم المتحدة ومشاركة المخوّلين من سوريي الشتات في غضون ١٨ شهراً.

وقال مسؤول غربي رفيع لـ «الحياة»، إنه لابد من التوزاي في مفاوضات جنيف بين بحث تشكيل الحكم الجديد وصوغ الدستور لأنه لايمكن بحث أحدهما من دون الآخر لضرورة تحديد الإطار الدستوري والقانوني للحكم المشترك خلال المرحلة الانتقالية، بحيث يتم الاتفاق على المبادئ الدستورية خلال الاتفاق على تشكيل الحكم مع ترك مسألة صوغ الدستور إلى آب أو حتى إلى نهاية العام.

اقرأ أيضًا: لا حل دون الأسد.. ولا تسوية بوجوده

ويأمل المبعوث الدولي سيتفان دي ميستورا، الذي عبّر في جلسات مغلقة مع مسؤولين غربيين عن الامتعاض الشديد من سلوك الجعفري خلال الجولة التفاوضية الماضية و «تهرّبه من بحث جوهر القضايا»، بأن يحمل وفدا الحكومة و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة (تجتمع في الرياض الاثنين) إجابات عن ٢٩ سؤالاً تتعلق بالانتقال السياسي إلى الجولة المقبلة التي تبدأ في ١١ الشهر الجاري وينضم إليها الوفد الحكومي بعد انتخابات البرلمان في ١٣ منه.

ورفض الأسد تشكيل هيئة انتقالية لأن ذلك «غير دستوري وغير منطقي»، وقال «إن الانتقال السياسي هو الانتقال من دستور إلى آخر، لأن الدستور يعبّر عن شكل النظام السياسي»، مشيرًا إلى أن هذا الانتقال لا بد أن يكون تحت الدستور الحالي، حتى يصوّت الشعب على دستور جديد في موعد قد يصل إلى آب.

لكن رئيس «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية» المحامي أنور البني، أكد ضرورة عدم صوغ دستور خلال المرحلة الانتقالية. وقال: «الدستور ملك لكل السوريين، ولاعتماده في حاجة لاستفتاء شعبي، ولا يمكن في الظروف الراهنة إجراء أي استفتاء».

وبالنسبة إلى البني، الذي أمضى سنوات في السجن ويعيش في ألمانيا حالياً، فإن البديل من الدستور الحالي للعام ٢٠١٢ هو «إعلان دستوري موقت يحدّد صلاحيات الهيئة الانتقالية أو الحكومة الانتقالية وتسترشد به».

وتتضمن مسودة «إعلان دستوري»، صاغها البني، مبادئ عامة بينها تعليق القوانين والمحكام الاستثنائية بما في ذلك القانون ٤٩ للعام ١٩٨٠ الذي يعاقب بالإعدام منتمي «الإخوان المسلمين» وقانون تشكيل «محكمة الإرهاب» ومواد في القانون ١٤ للعام ١٩٦٩ الذي نصّ على «حماية عناصر الأمن من المحاكمة» والمرسوم 55 لعام 2011 الخاص بتعديل قانون الأصول الجزائية بتمديد التوقيف الأمني وتفويض الأجهزة الأمنية بمهمات الضابطة العدلية.

كما نصّت المسودة على مبادئ عامة لـ «الجمهورية السورية»، تتعلق بالسيادة والتنوع والديموقراطية وحرية التعبير، إلى أن تصل إلى مهمات «الحكومة الموقتة» وهي إدارة «الدولة خلال الفترة الانتقالية يكون مجموع أعضائها بالكامل من مضاعفات الرقم ثلاثة ويراعى في تشكيلها التنوّع السياسي والقومي والديني والطائفي للشعب السوري» على أن تملك «كامل الصلاحيات التنفيذية لإدارة شؤون الدولة خلال الفترة الانتقالية وتتخذ قراراتها بغالبية الثلثين».

 

«هيكلة الجيش وتأهيل الأمن»

وإذ نصّ القرار ٢٢٥٤ على أن مدة المرحلة الانتقالية بعد تشكيل «الحكم الجديد» هي ١٨ شهراً، فإن اقتراح البني، نصّ على أن تكون «مدة الحكومة الموقتة سنتان» وتعمل على تنفيذ مهمات بينها «إعادة الإعمار وإعادة هيكلة السلطة القضائية والإدارات والمؤسسات والعمل على ضبط الأمن وقبول المساعدات غير المشروطة من الجهات الدولية»، إضافة إلى «تشكيل الجمعية الوطنية لوضع دستور جديد للبلاد وإجراء الاستفتاء عليه مع تأمين مناخ آمن ونزيه وحيادي للمشاركة ووضع قانون جديد للانتخاب والإشراف على إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية». واقترح عدم ترشح أعضاء الحكومة الموقتة للانتخابات النيابية والرئاسية في دورتيهما الأولى.

كما اقترح تشكيل «جمعية وطنية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد مؤلفة من١٢٠ عضواً يتم انتخاب نصفهم مباشرة من الشعب وفق نظام المحافظة دائرة انتخابية واحدة. ويتم تعيين النصف الثاني من أصحاب الخبرة القانونية والاقتصادية والرموز الاجتماعية وفي شكل يراعي وجود كامل مكوّنات المجتمع». وزاد: «تتخذ الجمعية الوطنية قراراتها في شأن الدستور ومواده بغالبية ثلاثة أرباع أعضائها، ويجب أن تنجز الجمعية مهمتها خلال فترة أقصاها سنة من تاريخ بدء عملها».

وتقوم الحكومة عند إنجاز مشروع الدستور من الجمعية الوطنية بعرضه على الاستفتاء العام، و «يجب أن يحصل على غالبية أعداد المواطنين المسجلين بالاستفتاء أو ثلثي عدد المصوتين فعلياً، ويحقّ للسوريين خارج البلاد المشاركة بالاستفتاء وتؤمّن الحكومة هذه المشاركة»، وفق المسودة.

كما اقترح البني «هيئة العدالة الانتقالية»، إضافة إلى إخضاع «الجيش وقوى الأمن لأوامر الحكومة وسلطتها الموقتة وإعادة هيكلة الجيش ليكون جيشاً حرَفياً متفرغاًَ يدافع عن حدود البلاد. وإعادة تأهيل قوى الأمن الداخلي وأجهزة الأمن لتكون أجهزة تحمي أمن البلاد وسلامة حياة المواطنين في المجتمع وتحال جميع القيادات والعناصر العسكرية والمدنية المتورّطة بجرائم قتل المدنيين بالمشاركة أو بإعطاء الأوامر أو التحريض على هيئة العدالة الانتقالية لمحاكمتهم»، إضافة إلى «إعادة بسط الأمن والقانون وسحب السلاح غير الشرعي».

وتنتهي المرحلة الانتقالية لدى تشكيل الحكومة المنتخبة بعد إشراف الحكومة الموقتة على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في جو حيادي ورقابة أهلية ودولية بموجب الدستور الجديد.

(الحياة)

السابق
حوار طهران – الرياض ومضيق خامنئي
التالي
السبب الفعلي لإقفال «العربية» في بيروت