الشعب السوري واحد.. أول مسلمات الثورة وثوابتها أم أبرز هواجسها ومطالبها ؟؟!

بما أن الاستبداد الذي تعاني منه كل مكونات الشعب السوري على حد سواء هو الدافع والسبب الرئيسي لاندلاع الثورة, فلماذا كان شعار (الشعب السوري واحد) هو أول شعار يطلقه الثوار في وجه النظام السوري ؟؟؟

ألم يكن النظام أصلاً لا يميز في احتقاره لكل السوريين, بين فئة أو طائفة أو عرق ؟ ثم ألم يكن ما يجمع كل السوريين بدون استثناء أو تمييز, هو القمع والإجبار على إظهار الولاء المطلق للنظام الحاكم, حيث كان التصنيف الوحيد المعتمد من قبل النظام يرتكز على مدى ولاء أي فرد في الدولة له ؟ ألم يكن الكثير من نزلاء سجون الفروع الأمنية للنظام, هم من الطائفة العلوية حتى ما قبل اندلاع الثورة عام 2011 وفق إحصائيات أقرب للدقة ؟ ألم يرتكب النظام مجازر بحق السوريين الكورد عام 2004 و 2006 , وبحق العرب السنة على وجه الخصوص عام 1982 ؟ وغيرها من الأسئلة التي تجعلنا نراجع تقييمنا لشعار ( الشعب السوري واحد ) في بدايات الثورة السورية, على أنه دليل وتأكيد من الشعب السوري على هوية وطنية سورية متجذرة في وعي السوريين .

إقرأ أيضًا: ويسألونك عن الفيدرالية؟

من ناحية أخرى فإن هذا الشعار الذي طرحته الثورة السورية كأول شعاراتها, يبادر إلى أذهاننا تساؤلات من قبيل أنه, لماذا لم يساند السوريون بعضهم البعض في بقية المحافظات السورية, عندما ارتكب النظام مذبحة حماه وحلب عام 1982 ؟ هل لأنها كانت ثورة إخوان كما نبرر لأنفسنا ؟ أم لذلك الإدعاء الذي يرجع السبب لغياب وسائل الإعلام في ذلك الوقت, ما جعل الشعب السوري في بقية المحافظات غائباُ عما كان يقوم به النظام في سوريا في ذلك الحين ؟ أم أن الشعب السوري لم يكن واحداُ حينها ؟؟

لماذا لم يقم السوريون – أخلاقياً على الأقل – في الوقوف إلى جانب السوريين الاكراد الذين تعرضوا لمذابح رهيبة على يد النظام بين عامي 2004 و 2006 في محافظات الشمال الشرقي من سوريا ؟ ألم نكن نعي حينها أن الشعب السوري واحد أيضاً ؟ أم لتصديق أغلب البقية من مكونات الشعب السوري لرواية النظام, التي تقول أن النظام كان يتصدى لمحاولات انفصال كردية هناك ؟

ثم هل تسنى بالفعل للكيان السوري الوقت أو الظرف, لبلورة هوية وطنية سورية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وإعلان الدولة السورية وحتى الآن ؟

ثم عندما نحاول أن نجري مقارنة بسيطة مع ما حدث في ثورات الربيع العربي, في تونس, وليبيا, ومصر, واليمن, و التي كانت الملهم الأكبر لثورة الشعب السوري, حيث حاول السوريون في ثورتهم تقليدها في كثير من جوانبها وشعاراتها, وحتى في نهجها.

نجد أن تلك الثورات لم تطرح أبداً شعارات كمثل أن الشعب التونسي واحد أو الشعب المصري واحد أو ما إلى ذلك, هل لأنهم كانوا يشعرون أن هذا الشعار لا ينطبق على واقع مجتمعاتهم ؟ أم لأنهم يدركون في أعماقهم وفي وعيهم الجماعي أنها بداهة حاصلة في مجتمعاتهم وأن ليس من مبرر لطرح مثل هكذا شعار ؟

لقد أظهرت لنا أكثر من خمس سنوات من عمر الثورة السورية, حجم التفسخ المرعب الذي يعاني منه المجتمع السوري بكل مكوناته وطبقاته على الإطلاق, حيث كان الرعب هو العامل الوحيد الذي يجمع كل تلك المكونات فيما بينها ومع بعضها البعض .

عندما ثار السوريون على رعبهم في دولة الرعب, التي كانوا يعيشون فيها كان شعارهم الأول ( الشعب السوري واحد ) ,لكن يبدو أن انحياز النخب الثقافية والسياسية و الإجتماعية, التي أعلنت تأييدها للثورة السورية جعلها تظن أن هذا الشعار يعبر عن هوية وطنية سورية متجذرة وعميقة في وعي السوريين جميعا, على اختلاف منابتهم الفكرية والدينية والإجتماعية والعرقية.

لكن ما كشفته لنا السنوات الخمس الماضية من خلال الكثير من سلوكيات بعض الجماعات الدينية والعرقية والمذهبية وحتى السياسية في التكتل لصياغة “هويات” سورية مختلفة على مقاس كل منهم على حدة, لا يشي بذلك مطلقاً .

كلنا يعلم أن الثورات تنطلق من أكثر المشكلات إلحاحاً في المجتمع حيث تعبر الجماهير الثائرة أو المتمردة عن تلك المشكلات من خلال وعي جماعي فطري غير مبني على أطر مسبقة .

لذلك فإن شعار (الشعب السوري واحد) الذي أطلقته الثورة كأول شعاراتها ,لم يكن إلا صرخة يقين مستقر في وعي السوريين أن الشعب السوري ليس واحداً ولم يملك يوماً هوية وطنية جامعة ,وكيف يمكن له أن يمتلك تلك الهوية الوطنية في ظل حكم الديكتاتور ,حيث نعي جميعا أن هذا النوع من الديكتاتوريات لا تنتج إلا هويات عرقية ,دينية , مناطقية , أقلوية يرتكز على خوفها العميق من الانكشاف والانفتاح على بعضها البعض في تثبيت أركان حكمه .

وبالتالي فإن هذا الشعار لم يكن ذلك البديهي الراسخ ,بقدر ما كان تلك الحاجة الملحة والمطلب الأساسي – كمطلب الحرية والديمقراطية وغيرها – الذي أدرك الثوار في أعماقهم أنه لا غنى لهم عنه إن أرادوا وحدة ترابهم بعد نيلهم حريتهم , إذاً هو لم يكن يدل على هوية وطنية سورية أصيلة وجامعة بقدر ما كان يدل على أزمة هوية سورية متجذرة أطلقها الثوار في أولى شعاراتهم ليكون محل تفاهم عريض بين كل شرائح وأطياف الشعب السوري.

إقرأ أيضًا: التقسيم في سوريا عدوى يخشاها الجميع!‏

لقد طرق الثوار ناقوس أكثر المشاكل السورية إلحاحاً وعمقاً بصورة رمزية من خلال شعار (الشعب السوري واحد ) وها هو اليوم بعد مضي أكثر من خمس سنوات على تجاهل ذلك الإنذار يتم طرق نفس الناقوس ولكن بصورة أكثر مباشرة وتجرد من خلال إعلان فيدرالية من قبل حزب العمال الكوردستاني وحلفائه بالشمال السوري ,الذي يمكن أن تكون من حسناته أنه وضع مسألة الهوية السورية برمتها كأولوية على طاولة البحث والنقاش بكل تجرد وجرأة بعد أن كنا جميعاً كسوريين نحاول أن نأجل الخوض في حلحلة هذه الإشكالية والاستجابة لهذا المطلب إلى ما بعد إسقاط النظام, الذي كنا نظن كل يوم أنه سيسقط في اليوم الذي يليه بحيث يمكن بعدها تمييع هذا الموضوع الذي طرحته الثورة كأحد أكبر هواجسها و أبرز إشكالياتها, والاكتفاء بتلك المقولة الفضفاضة التي لم نبحث حتى اليوم حول آلياتها وكيفياتها وأسسها وسبل تحقيق المواطنة فيها (الدولة المدنية الديمقراطية التعددية لكل أبناء الشعب السوري ).

(تيار الغد السوري)

السابق
ويسألونك عن الفيدرالية؟
التالي
اعترافات صلاح عبد السلام في استجوابه الأول