ورقي أم الكتروني لا فرق… فرجعيتنا باقية وتتقدم‏

السفير
قامت الدنيا ولم تقعد في لبنان استعطافا على وسيلة إعلاميّة ورقيّة تتجه نحو الإندثار. نعم الأمر يستحق الحزن ولكن..

من فضل الصحافة الإلكترونية علينا، اولا انها لعبت دورا مهما في التغيير وإثارة المجتمعات الراكدة بثبات. ومن فضل الصحافة الإلكترونية ايضا انها أخرجتنا من عالم اللغة الخشبيّة المفرطة في تمجيد القومية والعروبة و.. ومن حسنات الصحافة الإلكترونية انها خلصتنا من بعض تجار القضية “القومجيين” الذين باعوا القدس عشرات المرات في مؤتمرات دعم لا تنتهي.
جميل ان تبقى السفير الورقيّة، والنهار الورقيّة، ولكن فقط كجماليّة تماثل جمالية إحياء حفلات الزجل اللبناني، هذا الزجل الذي يتغنّى بالعيش المشترك المفقود منذ اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة.

فالصحافة الورقية انتهت، ليس لأنها فقط تعتمد المطولات، بل لانها تعتمد عبارات أدبيّة مفجعة، لا قدرة لنا على قراءتها.

النص الأدبيّ ليس مكانه الصحافة السياسية اليومية.
ولا بد من لفت النظر الى ان الموقع الإلكتروني لأيّ صحيفة لا يعني انها تحولت الى صحافة إلكترونية. بل ان النص الأدبيّ الذي يهرب منه القارئ على الورق سيجده هو نفسه على الشاشات فلا يعود إليه مجددا.

اقرأ أيضاً: «السفير» قُتلت…عن اركان الجريمة والمرتكبين!

لذا، علينا ان نعي الفرق بين الموقع الإلكتروني للجريدة، وبين الصحافة الإلكترونية التي لها إسلوبها وتقنياتها، يعرفها المختصون طبعا.

وانا لا آسف على ما مضى وزال من صحف او دور نشر او مطارح ثقافيّة في لبنان، فالحياة الثقافيّة تتحول بوجوهها المتنوعة، وتتقلب، وتنتقل من حال الى حال.

أما الغريب فهو فلسفة النعيّ التي تصيب المثقفين والمهتمين، فالعادة القاتلة هي تكرار النق والنعيّ وكأن الثقافة قد ماتت.

فالمؤسسة الإعلامية وان كانت ملك الجمهور معنويّا الا انها بنظر صاحبها – وخاصة في لبنان – ملكا خاصا، من هنا يتعامل معها صاحبها على انها معمل او مصنع او تجارة. اما الجمهور فيرى صورتها التثقيفية التوعوية الإعلامية المُبهرة دوما. فالنص يقع على القارئ وقعا قاتلا بالمعنيين المتعاكسين لكلمة القتل.

جريدة السفير

فالآلة هنا مهمة، لكن العامل لا يرى فيها سوى مصدرا لدخله. وكانت هذه الالة الوسيلة هي الموضة التي درجت في سبعينيات القرن منذ انطلاقة فتح وظهور معمر القذافي مع استمرارية مناقضة في ظل الثورة الإسلامية في إيران.. وهلم جرا.
لكن الآلة صارت عتيقة، وتحتاج الى تفعيل وصيانة وتبديل قطع الغيار. فلا تحزنوا، بل ان التحديّ الكبير هو في دعم الموقع الإلكتروني الجديد الذي سينطلق كبديل – ان كان هناك من نية للاستمرار في الرسالة الإعلامية الجديدة.

فهل ستنطلق السفير بحلة وسياسة جديدتين؟ هل ان الوداع هو للأخت العجوز التي رحلت مع رحيل آخر عامود من أعمدة القومية العربية، وخلخلة آخر نظام من أنظمة العروبة البالية.

العروبة تآكلت، فرحلت منظرّتها الأخيرة.
ليس جديدا رحيل هذا الصرح الإعلامي بل ضرورة من الضرورات، والا عليها ان تغيّر جلدها الذي حار بين الإسلاموية المبغوضة، والإسلاموية الحائرة والمجهولة التوصيف حتى الان، وبين العروبة البالية والضائعة بين رُكب الأتراك والفرس.

فليس عيبا ان نخرج يوما الى المكتبات فلا نجد النهار ولا السفير، بل ان هذا دليل واقعي وحقيقي على اننا خرجنا من مجاهل التاريخ ولكن الله أعلم الى أين.. ربما نوهم أنفسنا اننا صرنا كائنات إلكترونية حداثوية لا تفارقنا التقانة أينما كان كما هو حال اليابانيين مثلا. فلا نحتاج لقراءة كتاب، بل اننا نعتمد الكتاب الإلكتروني الذي يسير بتميّز في ألمانيا مثلا..

اقرأ أيضاً: «السفير» تهرب من «حزب الله»

فمن يطلع على رثائنا لرحيل جريدة يعتقد اننا نطالع الصحف يوميّا.. اننا أصلا لا نقرأها حتى على “النت” الا لنطلع على ما فيها من صور لفضائح وصور إباحية.. والا ما معنى الشكوى من ضآلة مبيعات معارض الكتب؟ ولعل في صعود مبيعات الكتاب الديني ما يؤكد نظريتنا في ان رجعيتنا هي من تتقدم فحسب..

السابق
فاتن يونس من الداخلية تؤكّد: الانتخابات في موعدها.. جاهزون لوجستياً وإدارياً
التالي
إستهداف عبد المنعم يوسف: شهادة…صديق!