لعلّ..

محمد العبدالله

لعلّ بعض الرفاق في هذا الاجتماع للمكتب السياسي لحركتنا التي هي حركة السنسول العربيّ، اجتماع استدعته ظروف استثنائية يمرّ بها الوطن وتمرّ بها الأمّة ويمرّ بها العالم، وهو لا يمرّ مرور الكرام بيسرٍ وسهولة، بل يتخبّط فيها ولا يستطيع المرور، ذلك أنّ إشارات المرور جميعها معطّلة، ولا يعرف أي طرفٍ متى وكيف يمرّ أو لا يمرّ، وجميع الطرقات موحلة وواقعة على مفارق متعدّدة، فيعتريه شيء من المرارة إضافة إلى فناجين القهوة المرّة التي مرمرت حلقُه منذ الساعات الأولى لهذا الصباح المرير.

اقرأ أيضاً: في ذكرى محمد العبد الله

لعل بعضكم أو جميعكم أيها الرفاق، يسأل أو يطرح السؤال على نفسه أو مجموعة الأسئلة التي يمكن أن تنضوي وتتلاحم وتتفاعل إلى سؤال مركزي واحد: ما العمل؟ في ضوء ما يحصل وما لم يحصل بعد، والأرجح في عتمة ما يحصل وما لم يحصل بعد، أو في التباس ما يحصل وما لم يحصل بعد. أنتم أعضاء المكتب السياسي اللذيذ لحركتنا اللذيذة التي هي حركة السنسول العربي، تعرفون أن الرفيق “لينين” هو الذي طرح هذا السؤال في مؤلّفه الشهير: ما العمل؟ وكان قصد الرفيق لينين من طرح هذا السؤال التاريخي في تلك المرحلة التاريخيّة، بل اللحظة التاريخيّة، والفرق قائم كما تعرفون بين المرحلة وبين اللحظة، إذ أنّ المرحلة ذات امتداد زمني يحتمل بعض التأجيل والتسويف والمماطلة والانتظار، انتظار نضج الظروف الموضوعيّة وتوافر العوامل الذاتيّة… لكي، وأنتم تعرفون بأنّ هذه “اللكيّ” أداة نصب تنصب الفعل المضارع فتفتح آخره بعد أن يكون مضموماً، وأنتم تحارون بين الفتح والضمّ أيهما أفضل؟ والفتح يهبّ منه النسيم العليل والهواء والعواصف، فيساعد على التنفس منعاً للاختناق، وأما الضمّ فتهب منه العاطفة والحنان والاطمئنان.

الشاعر محمد العبد الله
الشاعر محمد العبد الله

إذن الحيرة واقعة بينهما، الفتح والضمّ، إذ أنت ونحن بحاجة إلى كلا الأمرين: التنفس والحنان معاً. ولا بأس من الاتصال بهذه “اللكي” ومساءلتها لماذا حسمتْ أمرها بالنصب، وأولاً لماذا دخلت على الفعل المضارع، وما ذنبْ الفعل المضارع لكي تدخل عليه بهذا الشكل، ومن أذن لها بمثل هذا الدخول الذي أدى إلى حصول هذا الارتباك وهذا الإرباك؟ فالنصب رغم فوائده النحوية واللغوية، وأحياناً أضراره، أجل أضراره! لأن هذه “اللكي” حين تدخل على ذلك الفعل المضارع وهو قاعدٌ في منزلة أو منزل الأفعال الخمسة، فإنها تنصبه بحذف النون من آخره. وهذه النون كما تعرفون، هي أيضاً مصدر أمني واطمئنان وعاطفة وذات نكهة جنسية خاصة لدرجة تسميتها بنون النسوة أو الإناث، في مكان آخر، حيث يجتمع النسوة. فماذا فعل الفعل المضارع وأي ذنبٍ ارتكبه، عندما التجأ في الأفعال الخمسة إلى نون الحنان والعاطفة والاطمئنان والسكس؟
فالغاية، عند الرفيق لينين، من انتظار نضج الظروف الموضوعيّة والعوامل الذاتية، هي هذه “اللكي”… فهي تؤشر إلى الهدف المرجوّ، وهذا الهدف المرجوّ لا يحتمل المزاح في التوقيت.
فالآن يعني الآن (اللحظة) كما قال الرفيق لينين، وهو ليس الأمس ولا غداً، تقريباً كلحظة القذف الجنسيّ أو الأورغاسم. وأنتم تعرفون وفي جدليات تقليب موضوعنا على جميع وجوهه، نحن أعضاء المكتب السياسيّ العتيد لحركتنا العتيدة التي هي حركة السنسول العربيّ، تعرفون بأنّ النصب ليس اختصاصاً حصرياً “للكيّ” وأخواتها من ادوات النصب، فالنصب له أدوات أخرى وعدّة أخرى أيضاً.
وتعرفون بكلّ تأكيد، هذه المرّة أيضاً، بأنّ النّصب يكاد يكون شبه اختصاص لدينا، نحن اللبنانيين، خصوصاً في مستواه السياسيّ، وأيضاً في مستويات أخرى. وتعرفون أنّ رجال الجمارك والأمن العام، عندما يسألون اللبناني المسافر أو المهاجر أو المقيم: ما مهنتك؟ فيجيب: لبناني.
ذلك أنّ اللبنانية ليست مجرّد جنسية أو هويّة، بل هي مهنة أيضاً. ومؤدى هذه المهنة هو النصب أو الشطارة أو الذكاء أو الفهلوة، أو الوحدة الوطنية أو العيش المشترك الخ… الخ… فما العمل؟

اقرأ أيضاً: استعارات لم يطأها أحد

في مثل هذه الظروف الحساسة والمعقّدة التي نمرّ بها، اقترح الرفيق لينين خطّة لن نخوض بها الآن، وقد شارف اجتماعنا، نحن أعضاء المكتب السياسي الجميل لحركتنا الجميلة، حركة السنسول العربيّ، شارف على نهايته، فلعلّنا في اجتماع قادم نتابع البحث في هذا الأمر، إذ أنّ جدول الأعمال لهذا الاجتماع كان محصوراً بـ”لعلّ” ولعلّنا لم نكملْ، بعدُ، هذه النقطة أيضاً. فما العمل؟
لعلّ الرفيق وضاح ينتبه إلى طنجرة الكوسى وورق العنب المحشوين مع الكستلاتة الخروف، على النّار، ولعلّ الرفيق شبّو لم ينس شراء سطل اللبن المعزى… لعلّنا نستأنف الجلسة بعد الغداء والقيلولة.

(من مجلة شؤون جنوبية)

السابق
الطقس غائم مع إنخفاض بالحرارة وأمطار غزيرة ليلا مترافقة مع رياح ناشطة
التالي
قصة امرأتين سورية ولبنانية: «قمع يورث فقر ودعارة‎»