تقسيم سورية ليس حلاً

مرّ على انزلاق سورية إلى حرب شعواء 5 سنوات. وأياً كان مآل المفاوضات على الانتقال السياسي، من العسير تصور أن البلد سيعود إلى حدود ما قبل الحرب في دولة موحدة. فالمفاوضون بدأوا يبحثون في خيار التقسيم. ولمح وزير الخارجية جون كيري الشهر الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، إلى أن التقسيم قد يكون هو الخطة “ب”، إذا أخفقت المفاوضات السياسية وأجهض وقف النار. واقترح الروس حلاً فيديرالياً، وأشار ديبلوماسي في الأمم المتحدة إلى رواج فكرة “مركز (قرار) رخو وصلاحيات واسعة للمناطق” في أوساط القوى الغربية البارزة. لكن هذا الحل ليس الأمثل. فهو يقضي بالإذعان لوحشية بشار الأسد وتجاهل اعتراضات المعارضة، ويترتب عليه مزيد من عمليات النزوح الداخلية بحسب التوزع المذهبي، وربما النزول عن أراض لـ”داعش”. وقد لا يطوي التقسيم أو الفيديرالية الرخوة الأطر، الحرب الأهلية والكارثة الإنسانية. فهو يترك دويلة الأسد على حالها في وجه “داعش”- وهذا سيواصل الحشد لمواجهتها- وتبرز دويلة يديرها السنّة قد يسعى العلويون إلى تقويضها.

إقرأ أيضًا: ما معنى وشم «سوريا» على عنق من قالت «بشار الأسد ما بيأذي نملة»
والتقسيم الناجم عن حرب سيء السمعة: ففي كوريا وألمانيا ترتب على التقسيم فصل شرائح واسعة من السكان بالقوة. وفي الهند، أدى التقسيم إلى قطيعة سكانية ضخمة وعداوة مزمنة. وتقسيم فيتنام في 1954 كان هشاً ولم تكتب له الحياة. وفي حالات استثنائية، قد ينجم عن التقسيم استقرار طويل الأمد في مجتمعات صغيرة ومعزولة. ففي قبرص التي قسمت قبل 40 عاماً، تسير دوريات قوات الأمم المتحدة على جهتي الخط الأخضر الفاصل بين قبرص اليونانية وقبرص التركية في انتظار توحيد شطري الجزيرة. وأرسى التقسيم الاستقرار في شمال إيرلندا. وساهم اتفاق تقاسم السلطة في بلفاست في تذليل التوترات. وتقسيم البوسنة في اتفاقات دايتون أنهى حرباً رهيبة بين الصرب والبوسنيين المسلمين، والكروات. لكن نجاح نماذج التقسيم هذه يعود الفضل فيه إلى الدور الأوروبي في نزع فتيل الاضطراب ورعاية السلام. فهذه الاتفاقات رعاها إطار يسمو على الدول، الاتحاد الأوروبي. وهذا الإطار قوض مكانة السيادة الوطنية الاسمية، وكان ضامن غياب استفزاز خارجي. ويُفتَقَر إلى مثل هذا الإطار في سورية. فالحرب الأهلية السورية تدور في جوار إقليمي شائك. وجامعة الدول العربية غير قادرة على أداء دور مماثل لدور الاتحاد الأوروبي. وثمة دول إقليمية بارزة تتواجه هناك في حرب بالوكالة. والنزاع في سورية أكثر دموية مما كان عليه النزاع في قبرص أو إيرلندا.

لن تدور عجلة التقسيم في سورية وتكتب له الحياة ما لم تتدخل دول للاتفاق على هدنة تجمد النزاع وتعزل “داعش”، وتوسل القوة بتفويض أممي لحفظها (الهدنة)، وتيسير التقسيم، وثني اللاعبين الإقليميين عن التدخل الجيو- استراتيجي. وهذا يقتضي نشر قوة سلام متعددة الجنسية، تشمل قوات أمريكية و”أطلسية” وقوات من جامعة الدول العربية وأخرى روسية. ومثل هذه القوات قد ترعى عملية نقل سكان لا يشعرون بالأمان حيث هم. وإرساء مثل هذا التدبير غير يسير، إذ يفترض تعاون القوى المتباينة واتفاقها على التزامات كل منها وعلى سبل التمويل، وجبه الخسائر المفترضة. وأغلب الظن أن الولايات المتحدة وغيرها من دول “الأطلسي” وروسيا وتركيا، لن تنشر قوات لحفظ التقسيم في سورية إذا ترتب عليه تعاون مع “داعش”- ويتعذر “احتواء” دويلة داعشية من غير التعامل معها- وغيرها من القوى “الجهادية”.
والتحدي الشائك والبارز في هذا الاحتمال هو عسر المفاوضات بين النظام والمعارضة المعتدلة على السيطرة على المدن (إلى من تعود السيطرة على أي مدينة؟)، ويرجح أن يصر النظام على الاحتفاظ بدمشق. ويترتب على احتفاظه بهذه المدينة نقل عدد كبير من السنّة (من العاصمة إلى خارجها). وتركيا لن تقبل بكيان يهيمن عليه الأكراد، وستسعى إلى إطاحته وإلا انفرط عقد الإجماع “الأطلسي” على التقسيم. وهذه معضلة عسيرة. فالأكراد قاتلوا بضراوة. وتقسيم سورية، إذا كان دائماً، يخالف اتفاق لوزان 1923، لذا، يجب إسباغ المشروعية عليه عبر اتفاق جديد. وينفخ تقسيم سورية في النزعات الانفصالية في الشرق الأوسط ويؤجج الاضطراب.

إقرأ أيضًا: «غلّة» بوتين من سوريا… 12 مليار دولار!

ويقول دعاة التقسيم أو فيديرالية رخوة أو مرنة أنه الخيار اليتيم المتاح، وأن إرساء وحدة سورية تحت راية تشارك السلطة يقتضي ديبلوماسية سحر أو ساحرة. لكن الديبلوماسية لم تكن يوماً من العلوم البحتة، شأن اقتراح التقسيم. وهذا، كذلك، أقرب إلى السحر منه إلى العلم. احتمال سورية موحدة يعصى على الخيال، لكنه غير محال، ويجب السعي إليه.

(نيويورك تايمز)

السابق
«دي مستورا» يعتبر الحل السياسي في سورية ضرورياً لإنهاء الإرهاب
التالي
الجديد للـmtv: لن ننزل لمستواكِ!