قصة امرأتين سورية ولبنانية: «قمع يورث فقر ودعارة‎»

فقر
لبنانيّة كانت أم سورية، فالظلم واحد، والمجتمع واحد، والرجل- بما يمثّل من ذكورية مُفرطة- واحد. فالمجتمعين اللبناني والسوري استعبدا المرأة لدرجة باتت عدوى الإستعباد المقنّع واحدة. هنا قصتان مفجعتان لصبيتين لبنانية وسورية تتشابهان بالظلم والخواء التربوي.

بعد ان وصلت العوائل السورية المهجرة بفعل الحرب الى لبنان في العام 2011 أخذت تظهر عادات المجتمع السوري الريفي بشكل فاضح، التي كنا نشهدها في مجتمعنا على الشاشات كعادات متخلفة منقرضة، إلا أن التواصل اليومي مع اللاجئين أظهرالحقيقة كاملة.

التقيت بها في مكتب إحدى الزميلات الصحافيات لتروي لي حكايتها طالبة مني ان انشرها، لكني لم أكن لأتصوّر أن تكون مشكلتها مع ملايين الأشخاص، وليس مع شخص زوجها فقط أو طليقها فيما بعد.

حكايتها التي لا تشبه الواقع فهي اقرب منها للخيال، لدرجة انه يصعب تصديقها لفرط تعقيدها.

(ج. ش) ابنة 17عاما، زوّجوها لإبن 43 عام. لماذا؟ اولا لأن عائلتها مكونة من ست فتيات في البيت لأب وأم سوريين. الأب تزوّج من امرأة ثانيّة فأنجبت له صبيين، وتخلى عن الوالدة واقعا دون تطليقها. ورغب في تزويج البنات كيفما كان ليرتاح من مصروفهن.

زوجها الكهل ظهر انه مدمن كوكايين، وهددها ان فضحته بعد اكتشاف سره.

طلّقها وارجعها مرات عدة، كان يضربها ويضرب ابنهما في زواج استمر عشر سنوات.لكنها ترّحمت عليه فيما بعد، نظرا لما عانته مع زوجها الثاني أو خطيبها بالأحرى كما تقول.

إقرأ أيضاً: هل ساعدت الحرب السورية في شدّ العصب الكنسيّ المسيحيّ؟

لماذا؟ رغم أنها لم تكن ترغب بالزواج من جديد، الا انها أُجبرت مرة جديدة بعد تعنيف جسديّ ولفظيّ واجتماعيّ تعرضت له من مجتمعها، وهي التي بحثت عن الإستقلالية الماديّة لتربيّ ابنها بسلام، لكن وبسبب العادات السورية التقليدية التي تمنع المرأة سواء العازبة أو المطلقة من السكن وحدها، اضطرّت لان تبقى في بيت طليقها لسنوات مُخبئّة أمر طلاقها منه رغم كل المآسي، وعندما عرف أبوها أجبرها على الزواج برجل كذب عليها أيضا وغشّها، وأخبرها انه مُطلّق، لكنه كان متزوجا ولديه أولاد من زواجين سابقين. الزوج الجديد أذاقها المرّ من “أكواعها” كما يُقال.

 

وكل مرة كانت تهرب منه فيها كان يُعيدها بسبب تهديداته بعدم اعطائها بطاقة هويتها- التي سرقها منها- ويهددها بابنها وبأبيها الظالم- الذي كان يطردها حينما كانت تقصد منزله هاربة من عنف زوجها.
الوالد هددها أن تطّلّقت مرة جديدة أنه سيطلّق والدتها. وكان أن وقع الطلاق بينها وبين زوجها الثاني، فكان نصيب والدتها الطلاق أيضا التي حملّتها كل المسؤولية رغم ان الأب متزوج بثانيّة ايضا. ولم تكن أخواتها بأرحم وأشفق عليها رغم أنهن من بنات جنسها. فكن يرفضن استقبالها هي وابنها، ويعاملنها معاملة الغرباء، لا بل أكثر.

إقرأ أيضاً: ما هي أوجه الشبه بين الإسلاميين واسرائيل؟

بعد عذابات وإهانات وقمع وضرب وتعنيف وفقر حال وعدم وجود من يأويها هي وابنها الصغير -الذي لطالما شاهدها تُضرب- اكتشف الجميع مظلوميتها! لكن متى؟ عندما اندلعت الحرب في سورية !
حيث اضطر والدها لأن يطلّق زوجته الثانية، ويقصد بيروت ليقطن عند ابنته الفقيرة المُحتاجة التي صارت بسبب عملها ونشاطها في مجال الديكور والدهان من الميسورات، وهي التي سكنت منزلا يشبه الحظائر، كما قالت، في بئر حسن.
سكت الأب عن حرية ابنته، بعد ان احتاج لمنزلها ومالها. وسكتت والدتها عن تحررها بسبب الإنفاق على الأسرة بعد ظلم 15 سنة
وكان للمحاكم الشرعيّة دورها البارز في عدم اثبات طلاقاتها في عدة مرات نظرا لعدم موافقة الزوج على الطلاق بحجة تعرّضه للتهديد بالسلاح.

هذه السورّية دفعت ثمنا غاليّا من طموحها وفرحها، اللذين حولتهما فيما بعد الى فن وهندسة وتزيين، وكل ما له علاقة بالفرح.
وذلك بسبب عار “الحرمة” والخوف من المجتمع والناس و”الجرصة”، اضافة الى العادات التي تقول بضرورة تزويج الكبيرة قبل الصغيرة.

الحالة الثانيّة هي لفتاة لبنانية بسيطة، تزوجت بسوريّ وانجبت منه صبيين وطلقها مدعيا انهما ليسا ولديه وفض تسجيلهما في الدوائر الرسمية، كما رفض الإعتراف بأبوّته لهما. فكانت صديقتنا اللبنانية هذه تعيش مراهتقتها وهي أم ولدين صغيرين، اذ تزوجت بعمر15 سنة، وتطلّقت بعمر18 ثم فجعت بعد ذلك باحد ابنائها وكان ابن سنتين اثر تعرضه واياها لحادث دراجة نارية يقودها احد اصدقائها الذي تعرفت عليه بعد طلاقها واهتم بها، وهنا يظهر ان هذه المطلقة المراهقة اصبحت تعتاش على من يحن عليها من “الشباب” لقاء مصاحبتهم ومعاشرتهم، بعد ان تخلى عنها الجميع بمن فيهم اهلها.

إقرأ أيضاً: العلويون اللبنانيون: جزء من لبنان ام من سوريا؟(2/2)

هربت هذه الأم المراهقة خوفا من سجنها، ورغم ان الأهل على قيد الحياة وموجودون إلا أنهم غائبون، مُغّيبون لأنفسهم ولدورهم، بل لا شك انهم بُلهاء لا يفقهون شيئا، سوى ان الحياة طعام وشراب ونوم.

المرأة السورية الأولى كانت واعيّة ومُدركة لظلم المجتمع لها، ولتقليديته العمياء، اما الثانية فليست الا طفلة تدفع ثمن ما يشبه الدعارة المبطنة من خلال تزويجها بشخص لا يمكن ان يكون زوجا، وهو الهارب من سورية وبالكاد يستطيع اعالة نفسه. الانكى من كل ذلك أن هذا الاب اللامسؤول أخذ يطالب بدية ابنه من السائق القاتل. وهو الذي تبرّأ من أبوّته له.

الظلم الأبويّ واحد، والظلم الإجتماعي واحد، اذ لا فرق بين سورّية ولبنانيّة في مجتمع عربي متخلف لا يرى في المرأة سوى آلة للانجاب يجب قمعها لأنها تسبب العار.

السابق
لعلّ..
التالي
ملكة جمال لبنان: العلاقة مع الله رسمية واليافطة ضرورية!‏