السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة التطرّف تواجه بـ«الإصلاح الديني»

عمليات إنتحارية في بلجيكا وقبلها في فرنسا، تنظيم داعش الارهابي يجتاح ثلث العراق وقسم من سوريا، ويجند في هذين البلدين مئات الانتحاريين المستعدين للموت في سبيل نصرة الدين ومقاتلة الكفار على حدّ زعمهم، القاعدة وداعش يتصارعان في ليبيا واليمن، ونحن نسأل بدورنا لماذا أصبحت بلادنا فجأة مرتعا للجهاد الاسلامي، وكيف يكافح هذا التطرّف من داخل البيت الاسلامي؟

يجيب العلامة والمفكر الاسلامي السيّد محمد حسن الأمين على هذا السؤال مقدّما: “لا شك أن ظاهرة الاهتمام بالدين وبالإسلام بصورة خاصة، تبدو في عصرنا الراهن من المسائل الأكثر انتشاراً، المحاطة بقدر كبير من الاهتمام على مستويين محوريين أحدهما يشكّل ظاهرة انجذاب كلّي إلى الدين وإلى مسائله ومفاهيمه، وظاهرة بالمقابل إنكار وابتعاد عن الدين سواء من حيث الجوهر الديني أو من حيث المؤسسات الناطقة بإسم الدين.

ويتابع: “أشير إلى هذا الأمر لألفت أن ظاهرة النهوض الإسلامي الراهن كانت بسبب مبادىء الإحيائيين من جهة والإحساس بخطورة الاستهداف الذي يمثله السلوك الغربي تجاه المسلمين، خاصة وأن هناك أمراً ثالثاً يدخل كعنصر أساسي في وسم الظاهرة الإسلامية الراهنة بطابع العنف والجذرية، وهو ذكريات الاستعمار الذي عاناه المسلمون في القرون المتأخرة والذي ولّد ما أسمّيه بتشدّد الفكر الإسلامي تجاه الغرب عموماً، فظهرت ومنذ الثمانينات حركات إسلامية متشددة وأخذت تنمو قائمة على حصر العلاقة بالغرب عموماً بالموقف السلبي، واتخاذ موقف الصراع مع الغرب واكتشاف الأساليب التي تمكن هذه الحركات أن تتجاوز استحالة مواجهة الغرب بالتكنولوجية العسكرية التي يتفوق فيها الغرب تفوقاً كاملاً، وهذا ما يفسر قيام العمليات العسكرية ذات الطابع الانتحاري أحياناً على أساس أن الغرب لا يستطيع أن يواجه مثل هذه العمليات”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الاسلام ذمّ «الشعراء» المضلّلين فقط

لكن السؤال الآن الذي يطرح نفسه، ما هو موقفنا نحن المسلمين الذين يؤمنون بأن الإسلام بشكل هوية الشعوب المنتمية إليه، الإجابة هي “أن أزمة هذه الشعوب ليس مصدرها الأساسي العدوان الغربي على المسلمين بقدر ما أن المشكلة تكمن في العجز عن تمثل الإسلام كتصور حضاري لدى قاعدة كبيرة من المؤمنين، بما جعلها تكون أكثر انقياداً لأيديولوجية التطرف والتصلّب في علاقتهم بالعقيدة الإسلامية وتجعلّهم من النخب ذات الوعي المميّز والحضاري من المسلمين والذين يتضمنّون رموزاً عديدة من رموز الفكر الإسلامي التنويري تجعل من هؤلاء خارج إدارة التأثير الفاعل بموازاة السلوك المتطرف الذي تواجهه الحركات الاسلامية المتطرفة”.

السيد محمد حسن الأمين

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الامين في ذكرى الثورة في ايران (1): يتذكّر الامام الخميني

وبالنسبة للإصلاح، يرى السيّد الأمين “أنه إذا حاول الباحث أن يتساءل أين هي الحركات الإسلامية الإصلاحية في هذه المرحلة فنحن لا نجد التأثير المناسب للفكر الإصلاحي في توجيه السلوك السياسي للمسلمين، وللإجابة به عن هذا السؤال كما نرى أن إنتاج وعي إسلامي يتناسب مع أهداف التجدد الحضاري ما يزال متعثّراً، وقد زاده تعقيداً بروز ظاهرة الخلاف المذهبي الذي بدأ يذرّ بقرنه على إيقاع حركات العنف التي تنمو شيئاً فشيئاً، وهذا ما يدعوني إلى اعتبار هذه المرحلة التاريخية من مسيرة الإسلام هي من أشد المراحل خصوبة بالتحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية وهي من أخطر المراحل على الإسلام عقيدة وعلى المستوى الاجتماعي والنمو الحضاري لحركة الإسلام وهي من العوامل القاسية التي تعترض رؤيتنا للنقلة النوعية في الاجتماع الإسلامي على النحو الذي يتناسب مع ما تحققه الحضارات العالمية من إنجازات، فقد أصبح الجزء الأكبر من اهتمام النخبة الواعية أن توجه اهتمامها إلى ما هو دون دائرة الأزمة الجوهرية التي تتمثل في تخلّف المسلمين عما يفترضه عصرهم الراهن، صار الاهتمام الآن في مواجهة الصراع بين المذاهب الإسلامية نفسها، وصار الحلم الذي يراودنا كيف نتصدى لهذا الصراع الإسلامي – الإسلامي، كما هو قائم الآن في مواقع متعدّدة في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرهم من البلدان الإسلامية”.

إقرأ أيضاً: السيّد محمد حسن الأمين: المذاهب المنغلقة تعني انحسار الإبداع لحساب الاتّباع

ولكن بارقة أمل يراها السيّد الأمين يمكن أن تحدث نقلة نوعية في الوعي الإسلامي ويختم بها رغم “ان النقلة النوعية لن تحصل بصورة سريعة، بل سيكون الوصول إلى نهاياتها والدخول في وعي إلإسلامي جديد أمراً طويل الأمد وربما سيكون في عهدة أجيال جديدة تتحرّر من بؤس الوعي الراهن وتمتلك القدرة على فهم الإسلام بوصفه منهجاً لتكريس حرية الكائن الإنساني وبناء الحضارة الإسلامية المتعالية عن التشدّد الدين والمذهبي وأن يتحرّر هذا الوعي من عقدة ما أسميه “بالحنين إلى عصر الخلافة”، أو “الدعوة إلى الدولة الدينية”، ولذلك تجدني أتقصد دائماً أن أبلور مفهوماً للإسلام يختلف عن المفهوم المغروس في الوعي السائد الذي يرى أن الإسلام هو دين ودولة بالضرورة، في حين أن الإسلام هو دين فحسب، وهذا لا ينقص من قيمته بل يزيدها، لأن تحديث الركائز الأخلاقية والإجتماعية التي يحوزها الإسلام القائمة على عدم الإكراه، أي الحريّة، من شأنها إذا ما غرست في وعي الأجيال الصاعدة أن تحدث المناعة المرجوّة ضدّ الأفكار الدينيّة السلفيّة أوالأصولية المتطرّفة”.

السابق
في ذكرى محمد العبد الله
التالي
وهم استعادة الشيعة العرب