كوبا بعد إيران: أوباما لم ينتصر.. بل خصوم «أميركا» انهزموا

ربما يحق لأوباما ان يعتّد امام شعبه انه حقق انجازين مهمين لاميركا وللنظام العالمي الذي تتربع على عرشه، الأول اعادة الجمهورية الاسلامية الايرانية الى الحظيرة الدولية، والثاني دخوله الى كوبا رئيساً اميركياً مرحباً به من الشعب قبل الحكومة، بل فاتحا لهذه الدولة، كأول رئيس اميركي يزور هذا البلد منذ ما قبل الثورة الكوبية اي قبل نحو تسعين عاما.

اهمية انجاز الرئيس الاميركي، تكمن في أنّ النموذج الاميركي، مهما قيل في وصفه سلباً او ايجاباً، فرض نفسه بقوة على مخيلة الشعوب وتحول الى حقيقة لم ينجح لا دعاة الايديولوجيا الاشتراكية ومتبنيها في كوبا من مواجهته، ولا دعاة الايديولوجيا الدينية بنموذجها الايراني من التصدي له بوجهه الثقافي والاقتصادي وبنموذج العولمة الذي انخرط به وسعى الى تثبيت قواعده على مستوى العالم.

إقرأ أيضًا: أنانية أوباما بين كوبا وسوريا
قوة النموذج الرأسمالي ليس في كونه النموذج الأفضل او المثالي لادارة شؤون الدول ونظمها الاقتصادية ولا للعلاقة بين المجتمعات والدول، بل بدا انه المرتجى لدى الكثيرين بسبب ان النماذج المقابلة شديدة البؤس.
رافق الايديولوجيات، التي اتسمت بالشمولية كما النموذج الكوبي، ظواهر تدعو الى كثير من التأمل والمزيد من التساؤل حول ما آلت اليه من نتائج على المستوى الانساني، وعلى مستوى الجاذبية الحضارية لها. في كوبا نجحت الايديولوجيا في جعل الشعب الكوبي من الشعوب الاكثر فقرا في محيطه الاقليمي، فيما نشأت طبقة من الحكام ومن حماة النظام استمرت بقوة الايديولوجيا والعداء للنموذج الرأسمالي، الى ان بدا ان الحلم الاميركي يستلب خيال الشعب الكوبي واحلامه. لكأن النموذج الايديولوجي، المتحكم باسم الاشتراكية، هو الطريق المثالي لسيطرة النموذج الاميركي.
ليست ايران في هذا الجانب الثقافي تختلف عن كوبا. فالشعب الايراني هو الذي اجبر اصحاب الايديولوجيا الدينية، الحاكمة للنظام الايراني، على طيّ شعار “الموت لاميركا”، وهو الذي صفق فرحا وابتهج بإعادة فتح قنوات العلاقة مع الغرب الرأسمالي وعلى رأسه الشركات الاميركية.

اوباما في كوبا
الحرب الناعمة الاميركية، كما يسميها حراس الايديولوجيا في ايران اليوم، جنودها هم ملايين من الشعب الايراني، الذين ادركوا ان تلك الشعارات التي ملأت شوارع المدن تفقد معناها. فالشعب الايراني لمس ان الخيار الايديولوجي الذي قام على ادّعاء تقديم نموذج لادارة الشأن العام يقوم على رفض الرأسمالية والاشتراكية وتقديم نموذج جاذب وبديل اسمه التجربة الاسلامية في السياسة والاقتصاد… كانت نتيجته ان الايرانيين ازدادوا تعلقا وتطلعا الى النموذج الغربي والاميركي تحديدا. هذا بغض النظر عن “الانجاز النووي” الذي تدعيه ايران. لكن ذلك ليس هو الهدف الذي قامت من اجله الثورة الاسلامية، بل هي عجزت عن ان تحقق لشعبها اهداف الثورة.
الردة الشعبية على النموذج الايديولوجي المسيطر في ايران هي ما تجعل واشنطن غير آبهة بالشعارات الايديولوجية، لأنها تدرك ان هذه الشعارات هي من يدفع الايرانيين للتعلق بخيار الانفتاح على النموذج الرأسمالي، من دون ان يعني ذلك ان الايرانيين في موقع ضعيف، بل الضعف هو في الايديولوجيا وشعاراتها، وهي تتهاوى لصالح سياسة الانفتاح، ولخيار الانخراط في العولمة.

إقرأ أيضًا: بين كوبا واميركا عداء عقائدي أنهته زيارة أوباما
سقوط الايديولوجيا وانهيارها امام النموذج الرأسمالي يستند الى وقائع منطقية، ومادية. والجاذبية الاميركية والغربية للشعبين الايراني والكوبي هي من انجازات الايديولوجيا الاسلامية بنموذجها الايراني والايديولوجيا الاشتراكية بنموذجها الكوبي. بدا ان هاتين الايديولوجيتين وسيلة اوباما لنقل اميركا من رتبة “الشيطان الاكبر” الى رتبة “الحلم”. ليس النموذج الاميركي كما هو في اذهان الايرانيين والكوبيين، لكن بؤس التجربتين الايرانية والكوبية كان كفيلا بأن يكسب أوباما دون استخدام السلاح.

السابق
كيف تتجرئين يا نسرين؟
التالي
الإرهاب تكتيكٌ وليس فريقًا‏