بصمة ابداعية خالدة في ثقافتنا..في رحيل محمد العبدالله

لم أعد أذكر بدقّة، تاريخ الأمسية التي التقيت فيها محمد العبد الله، للمرّة الأولى، وكان ذلك اللقاء، في منزله في منطقة "معوّض" (في الضاحية الجنوبية لبيروت) من سنين طوالٍ خلت، دردشنا مطوَّلاً، وقتها، وفي نهاية ذلك اللقاء، أهداني نسخة من كتابه "حبيبتي الدولة"، "رح هديك هلكتاب لتتسلّى" قال.

لفتني – حقّاً – في قوله هذا، هذه الإشارة، الصادرة، تلقائياً عن سرعة بديهة، استشففت من خلالها، مدى المرارة اللاذعة، التي تكمن في خلفياتها، والتي تفيض بها نفوس مبدعينا المشهودين، في الحديث عن واقعنا الذي “يؤسطر” تكرار “رتابته” الماجنة”.
إلى حدّ الذهول الذي أوقع العرب جميعهم، ولا يزال – في “حيص بيص”، وهذا ما يشهد عليهم به تاريخهم الطويل. هذا، ولأن محمد العبد الله، (الذي رحل عن 70 عاماً، بعد صراع مع المرض) تشهد له، وبإجلال، كل عطاءاته الإبداعية، على أنه لم يكن “يقترف” الكتابة ليتسلى، ذلك، لأنه وككل مبدع حقيقيّ (حُرّ)، لم يكن يريد للقارئ أن يتسلى.. ذلك أن محمد العبد الله – وهو الذي كان يقف في القلب من ناصية الكتابة – لم يكن من متسوّلين “مشلوحين” (وما اكثرهم) على قارعة طريقها. فمحمد العبد الله هو الذي أقدرته موهبته الإبداعية الفذّة، على إطلاق اوجاعه وهمومه (الفردية والعامة)، شعراً ونثراً، وبإجادة بالغة وباللهجتين: الفصحى والمحكيّة، على مستوى متوازن، فتمكّن من أن يُحلِّق عالياً في سماء “وادي عبقر”، بجناحين من عذابٍ (إبداعيّ)، مضنٍ، باذخ الإنارة، “فتّاك” الإبهار، ذلك لأن من هنا فإن بصمته الإبداعيّة الخاصّة والمشعّة، ستظل بتألقها، واحدة من العلامات الفارقة، والتاريخية، لخولدها في مسيرتنا الثقافية، مصدراً من مصادر فخرنا واعتزازنا، لا يُشقُّ له غبار.

محمد العبدالله

إقرأ أيضًا: أيام الشاعر علي بدر الدين النجفيّة

ولد محمد العبد الله عام 1946 في بلدة الخيام الجنوبية. حصل على إجازة في الفلسفة من الجامعة العربية ببيروت 1973، وعلى شهادة الكفاءة في الأدب العربي من كلية التربية – الجامعة اللبنانية، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي 1975، وعلى شهادة السوربون الثالثة 1977. عمل في مجال الصحافة في العديد من المطبوعات وهي: السفير، النهار العربي والدولي، الموقف العربي، المستقبل، كما قدم بعض الأعمال الإذاعية. وأصدر مجلة (اليوم االسابع) الثقافية التي توقفت. حلّ ضيفا على صفحات مجلة “شؤون جنوبية” فميزها بسخرية من خبر الحياة فعجنته وطحنته…

إقرأ أيضًا: الشاعر الكبير محمد العبدالله نازلٌ بالتجربة إلى الجحيم ومصعِّدٌ بها إلى ذرى البهاء الشعري

وللتذكير، أصدر محمد العبدالله الكتب الآتية: “رسائل الوحشة” (شعر)، دار الفارابي، 1978، “بعد ظهر نبيذ أحمر… بعد ظهر خطأ كبير” (شعر وقصص)، الدار العالمية، 1981، “جموع تكسير” (شعر)، دار المطبوعات الشرقية، 1983، “حبيبتي الدولة” (تغريبة روائية)، الدار العالمية، 1987، “تانغو” 1987، “بعد قليل من الحب بعد الحب بقليل” (شعر)، دار الجديد، 1994، البيجاما المقلمة” (قصص)، دار عالم الفكر، 1996، “كيفما اتفق” (نصوص)، دار المسار، 1998، “قمر الثلج على النارنج” (شعر)، دار الفارابي، 1998، “لحم السعادة” (نصوص)، دار الفارابي، 2000، “حال الحور” (شعر)، دار الفارابي، 2008، “الله معك سيدنا يليها دخلك يا حكيم” (مسرحيتان)، دار الفارابي، 2009، “ألف ومئة وأحد وعشر يوماً في بيروت” (سيناريو سينما)، دار الفارابي، 2010، “قصائد بيروت” (شعر)، دار الحرف العربي، 2010، “بلا هوادة” (شعر)، دار الحرف العربي، 2010، و”أعمال الكتابة”، دار الفارابي، 2015.

السابق
«الشرق الأوسط» ويديعوت: يهود اليمن وصلوا الأردن في طريقهم إلى إسرائيل..والحوثيون طرف مساعد
التالي
مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية ليوم الأربعاء 23-3-2016