علمانيتنا

هاني فحص

الميثاق اللبناني مكتوب سنة 1941 في منزل يوسف السودا. وقد شارك فيه زعماء لبنانيون من طوائف متعددة. وأعاد القائدان الزعيمان الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح تثبيته في العالم 1943 واتخاذه أساساً لعمارة الاستقلال.

اقرأ أيضاً: العروبة

كان دقيقاً وعميقاً برؤيته للتعدد وصيغته للوحدة. وكان يفترض أن تكون هناك كتلة تاريخية لبنانية متعددة ومتفقة على المشاركة في إدامة إنجاز الوطن والدولة من خلال التسويات التاريخية، لتضع الطوائف على طريق التطوّر تحت سقف الدولة. ومن خلال دورة إنتاج اقتصادي وثقافي واجتماعي وعمرانيّ مشتركة، لتصبح الدولة دولة مواطنين. لا تستغلّ الدين ولا الطائفة، ولا يستغلها الدين ولا الطائفة ضد المواطن والطائفة والمتديّن والدين دائماً وقطعاً.

العلمانية هي الحل
كل التعبيرات عن الخصوصيات مقبولة في هذا المجال، ولا يجوز قمعها. إلاّ إذا تحوّلت إلى أداة قمع أو إلى عزل الآخر ودفعه إلى الانعزال. إن التمايز الطبيعي جميل وحيويّ. أمّا إذا زاد عن الحدّ لأهداف سياسية، فإنه يؤدي إلى القضاء على العموميات الوطنية، ويضيّق المشترك الوطني، ويحوّل الإشكال إلى مضامين مقدّسة وهي غير مقدّسة. وهذا لا يهدّد الآخر الديني وحده، بل يهدّد الآخر في الدين أو المذهب نفسه، بالإضافة إلى أنه يحوّل الجماعة الدينية إلى حالة من النمطية العقيمة، ويجرّد الهوية من مكوّناتها الحيوية، خصوصاً من علاقة الآخر الذي هو مصدر حيوية وشرط للذات.
أما العلمانية، فهي تحدٍّ للإسلام وللمسيحية شكلاً، وتحدٍّ للطائفية أو للطائفة واقعاً ومضموناً. والعلمانيّة السلبية التي يرفضها اللبنانيّ هي العلمانية التي تتحوّل إلى دين في مقابل الدّين، انطلاقاً من علمها على إلغاء الدّين. بينما العلمانية التي يمكن أن يقبلها هي علمانيّتنا التي نصنعها بوعينا الخاصّ لتكويننا ولعلاقة الدين بهذا التكوين، من دون إدارة الظهر لتجارب الآخرين. ليست هناك علمانية واحدة في الدنيا. وعليه، يمكن أن تكون لنا علمانيّتنا التي هي الحلّ للدين والدّنيا معاً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
التحالف العالمي للنقل eCab و«ألو تاكسي» يطلقان خدمة تاكسي فرنسية – لبنانية
التالي
فضيحة «القمح المسرطن»: إسأل عن الفساد المالي!