فارس يواكيم: الكتاب يحتضر ونحن نشهد «التخريف العربي»!

في شبابه استهوته أفكار متباينة، ما بين الماركسية، والقومية السورية، والناصرية. اليوم هو حرّ دون أي التزام سياسي. حيث وجد أن ما استهواه في الماضي عبارة عن أحلام مثالية تتحطم على أرض الواقع. تماما كما حدث مع "الربيع العربي". انه الكاتب والإعلامي فارس يواكيم.

عرفك الجمهور من خلال الكتابة للراحل شوشو، ومع غيابه غبت بالنسبة للمشاهد اللبناني.. كونك لم تطلّ عليه مباشرة، فهل ظلمك الإعلام اللبناني جرّاء ذلك؟

غبتُ عن المشهد الثقافي اللبناني بسبب الحرب وهجرتي. لكن حين كانت لي أعمال مسرحية مثل “كرامبول” (إخراج روجيه عساف وبطولة فائق حميصي وخضر علاء الدين) سنة 1992 و”الشلمصطي” (إخراج نقولا دانيال وبطولة منير كسرواني وخالد السيد) سنة 2003 تعامل معها الإعلام اللبناني بالتغطية الكاملة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الكتب التي عكفت على إصدارها في السنوات الأخيرة، تأليفا أو ترجمة، فلقد كتب عنها العديد من المقالات. لكن يحز في نفسي أحيانا أن بعض الصحافيين ليس عندهم أرشيف ولا تختزن ذاكرتهم معلومات. وحين يكتبون عن موضوع ينقلون بسرعة من الانترنت وليس من مصادر موثوقة، وما يكون قد ورد خطأ في الانترنت يتكرر في ما تكتبه الصحف. لا وقت للتدقيق ولا رغبة في البحث.

من الطبيعي أن يكون نقلا عن.. شوشو توفي سنة 1975..

ومن سنة الوفاة إلى يومنا هذا 41 سنة. سأفترض أن من يكتب عن شوشو حضر آخر مسرحية له. وأفترض أنه بدأ العمل في الصحافة وكان في العشرين. هذا يعني أنه اليوم عمره 61. ونحن نتكلم عن آخر مسرحية فما بالك بمن يكتب عن المرحلة كلها؟ يعني كل من عمره أقل من 65 لم يرَ شوشو على المسرح. وأن ما يُكتب عن هذا المسرح هو من باب النقل.

إقرأ أيضًا: هل تنجو الصحافة الورقية اللبنانية من الهلاك؟

إذاً هل توافق زياد الرحباني إعادة إنتاجه أعماله؟ وهل أنت مع إعادة إنتاج مسرحيّات شوشو؟ ومن ترشح لذلك؟

طبعا أوافق. زياد الرحباني قدم العديد من المسرحيات الجيدة التي لم يتسن للجيل المعاصر مشاهدتها. شوشو مرحلة أقدم. ولم يكن تصوير الفيديو ممكنا. لو أتيحت الفرصة لإعادة تسجيل مسرحيات شوشو فأرشح لها أحمد الزين ومنير كسرواني وكميل سلامة ورفيق علي أحمد وفائق حميصي. لا أرشح خضر علاء الدين رغم محبتي له، لأنه سيصبح أسير المحاكاة رغما عنه.

اشتغلت في ميادين عديدة، فأنت إذاعيّ، وكاتب مسرحيّ، وكاتب أغاني، ومثقف. من أين تستمد أفكارك وموادك الأوليّة؟

من القراءات ومن الناس. والباقي مسألة إلهام، وهو ضروري في الأعمال الإبداعية. في المسرح تنوع إنتاجي بين الاقتباس عن نص أجنبي مع لبننته، وبين الإعداد والتأليف التام. أنا كثير الاتصال بالناس من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية. أستمع جيدا إلى كلامهم. يفيدني في كتابة الحوار سواء من حيث الفكرة أو من حيث التعبير.

القراءات من أي لغة؟ وأي ثقافة أثرّت بك؟

أقرأ بأربع لغات: العربية، الفرنسية، الألمانية، الإنكليزية. وأفهم الإيطالية. فثقافات عديدة أثرت بي. كالثقافة الدينية المسيحية والإسلامية. انتهيت حاليا من تأليف كتاب “الإسلام في شعر المسيحيين”, والثقافة العربية بطبيعة الحال، وهي ثقافة لغة بالأساس، وأنا من عشاق هذه اللغة. والثقافة الأوروبية خصوصا من عصر النهضة وما تلاه. وعن هذه اكتسبت العقلانية.

أنت مقيم في المهجر (ألمانيا هي المحطة الأخيرة) فكيف يمكنك أن تكون مواكبا لتفاصيل الحياة اليومية في بلادنا؟ هل يكفي “نقلا عن” وسائل الإعلام مثلا أم يتطلب الأمر معايشة؟

يمكن أن أعتبر نفسي من “كتاب المهجر”على وزن “شعراء المهجر”. ما زالت اللغة العربية لغتي في الكتابة. مع أني كتبت بعض المقالات بالفرنسية والألمانية. أتاحت الثورة التكنولوجية في الإعلام للمرء أن يكون مطلّعا على ما يجري في أي مجتمع، ساعة بساعة، بالصورة والصوت. ثم أني كثير التردد على بيروت وأزور عدة مدن عربية بصفة دورية. لكن من الطبيعي بالنسبة إلى الكتابة المسرحية أن مخالطة الناس وسماع أحاديثهم هي المنجم الذي يقتلع منه الكاتب زاده اللغوي. أما إقامتي وعملي في عدد من الدول العربية فأتاح لي أن أجيد اللهجات العربية المختلفة، إضافة إلى فهم أفضل لطرق التلقي والانفعال.

أعمالك البارزة عرفناها، لكن ما هي أعمالك المجهولة في نظرك؟

كتابة السيناريو السينمائي. (كتبت 7 أفلام روائية). كتابة المسرح الغنائي(كتبت 3 مسرحيات من بطولة صباح). الكتابة للأطفال. الصحافي (الناقد والمحرر السياسي). والمترجم. هذه نشاطات مارستها وأعتز بمساهماتي فيها، لكن الأضواء تركزت على سواها.

كصحافي، كيف تنظر إلى أزمة الصحف الورقية واضطرار بعضها إلى التوقف؟

أزمة الصحف الورقية بدأت مع انتشار التلفزيون. الخبر ينقل مباشرة وبالصورة والصوت. نشره في الصحيفة في اليوم التالي لن يجد قارئا. خبر قديم. مذاك كان على الصحف الورقية أن تغيّر جلدها. أن تتخصص في ما وراء الخبر. ثم جاءت الثورة التكنولوجية المعاصرة وأصبح الخبر يصل “دليفري” إلى حيث المتلقي. شخصيا ما زال عندي ارتباط عاطفي بالصحف الورقية وبالكتاب، الذي يحتضر هو الآخر على مهل. الناس ليس عندها وقت للقراءة. لم أعد أر شابا بيده كتاب، لكن أنواعا مختلفة من التلفونات هي الطاغية. فنحن نشهد الموت البطيء للثقافة، وانتشار ثقافة “هات من الآخر”.

كثرت التصريحات السياسية المنسوبة إلى فنانين وأدباء مشهورين، فهل أنت مع انغماس الأدباء والفنانين في السياسة؟

بل أراه واجبا. لكن السياسة في مفهومها الأعمق وليس من باب التحزّب الطائفي أو المذهبي أو حتى الحزبي الضيق الأفق. ومن حق كل أديب أو فنان، وطبعا أديبة وفنانة، أن يدليّ برأيه. المشكلة أن التعامل مع الآراء أصبح حادا، ومشابها لحدة الحياة. كل من لا ينتسب إلى رأيي الشخصي فهو عدو. نحتاج إلى بلوغ مرحلة الرقيّ المتمثلّة بقبول الآخر المختلف.

أنت متفائل أم متشائم بشأن الربيع العربي؟

وجدته قد أصبح في مرحلة “الخريف العربي”. وأرجو ألا يتحول إلى “التخريف العربي”. ليته يعود إلى حرارة الصيف وجمال الربيع. لكن للأسف أحلام الشعوب شيء والمخططات الدولية والإقليمية شيء آخر. وبكل مرارة أشعر بأننا حطب يتدفأ به الكبار.

إقرأ أيضًا: وداعا للصحافة الورقية اللبنانية!‏

من هو فارس يواكيم؟

كاتب لبناني مقيم في ألمانيا. اشتهر في بيروت بكتابة المسرحيات خصوصا تلك التي قدمها الكوميدي الراحل شوشو، وأبرزها “آخ يا بلدنا”، وبالمسرحيات الغنائية ومنها ثلاث من بطولة صباح أبرزها “الفنون جنون”. وكان من الرواد في كتابة مسرحيات الأطفال لشوشو، وهو مؤلف أول مسلسل تلفزيوني عربي للأطفال (“الشاطر حسن” تلفزيون الكويت 1973). وهو من أبرز كتاب مسلسل الأطفال الشهير “افتح يا سمسم”. درس الإخرج السينمائي في المعهد العالي للسينما بالقاهرة لكنه احترف الكتابة الدرامية (السيناريو والحوار). اشتغل في الصحافة ناقدا فنيا ثم كاتبا سياسيا. أقام وعمل في عدد من الدول العربية وبعد سنوات في باريس استقر به المقام في ألمانيا. كان مدير القسم العربي في إذاعة “دويتشه فيله”. حاليا متقاعد ومتفرغ لتأليف الكتب ومن أبرز ما نشر: “حكايات الأغاني” (منشورات رياض الريس) و”ظلال الأرز في وادي النيل” (الفارابي).

السابق
التقسيم في سوريا عدوى يخشاها الجميع!‏
التالي
نقل ماهر الأسد من الفرقة الرابعة إلى رئاسة الأركان