خطوة الانسحاب الروسي أربكت حلفاء النظام والمفاوضات بالنسبة إلى الأسد أخطر من الحرب

روزانا بو منصف

رسمت مواقف أساسية أميركية وبريطانية علامات استفهام كبيرة حول صحة الانسحاب الجزئي للقوات الجوية الروسية من سوريا، والذي اعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين، إذ إن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند شبه هذا الانسحاب في كلمة في البرلمان البريطاني بأنه على غرار الرجل الذي أوقف ضرب زوجته، مما أثار انتقادا روسيا انطلاقا من ان هاموند كان قال انه اذا كان الانسحاب الروسي حقيقيا فقد يكون له تأثير ايجابي بالنسبة الى التسوية السياسية. في حين أن وزارة الدفاع الاميركية كانت علقت على الانسحاب الروسي بأنها لم تر خفضا ملموسا للقدرة القتالية الروسية وفق ما اعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الكولونيل ستيف وارن، معتبرا أن الرؤية العسكرية للنيات الروسية تبقى غامضة.

اقرأ أيضاً: بشار والانسحاب الروسي

لكن رغم هذا التشكيك في حصول خفض نوعي للسلاح الروسي، فإن الإعلان وحده أحدث مفاعيل كما لو ان الانسحاب حصل فعلا وعلى نحو مكتمل، استنادا الى أن له أبعادا سياسية مهمة وليست فقط ميدانية. فكما أن التدخل ساهم في رفع معنويات فريق أو أفرقاء في المنطقة على وقع تدخل أثبت انه من اجل انقاذ النظام السوري من الانهيار واستهدف مواقع المعارضة المعتدلة ولم يستهدف تنظيم “الدولة الاسلامية”، بل إن القوات الروسية غادرت من دون أن تحقق هذا الهدف الذي تذرعت به، فإن الاعلان عن الانسحاب والسعي الى تنفيذه ترك انطباعات معاكسة للانطباعات حين حصل التدخل، في ظل ارتباك واضح للحلفاء كما للخصوم. لكن بدا واضحا ان الدعم العسكري للنظام لن يستكمل من أجل استعادة النظام سيطرته على كل الاراضي السورية، مما يتركه وحيدا مع حلفائه الايرانيين او الميليشيات الداعمة، إذا أراد ذلك. هذا العنصر قد يكون من العناصر القليلة التي يمكن التيقن من أبعادها، في حين ان ابعادا اخرى تظل خافية على رغم كل التكهنات والتحليلات في هذا الاطار، والتي تشبه التكهنات عن التدخل الروسي في الاساس. ويستدل من هذا على محاولة رصد مغزى اعلان بوتين الذي انصرف في اليومين الماضيين الى جانب كبار المسؤولين الى نفي الاستنتاجات التي أدى اليها الانسحاب، علما أن الرئيس الاسرائيلي زار روسيا من اجل ان تكون اسرائيل على بينة مما يجري، فتستطيع ان تحدد موقعها ومصالحها او ما هو متوقع بالنسبة الى سوريا. ويذكّر هذا المقام برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قفز الى موسكو غداة بدء التدخل الروسي في سوريا في ايلول الماضي. كما يزور وزير الخارجية الاميركي موسكو الاسبوع المقبل في اطار البحث في الخطوة الروسية ومفاعيلها.

الانسحاب الروسي من سوريا

الإعلان الروسي كان بمثابة الصدمة بالنسبة الى القوى الحليفة للنظام السوري، على رغم أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف اعتبر الانسحاب خطوة جيدة، وفسره بأنه قد يعني وقفا للاقتتال. لكن إذا كان لبنان مؤشراً، فإن هذا الانسحاب أضعف معنويات حلفاء النظام بعدما كانت قد ارتفعت كثيرا إثر التدخل الروسي، خصوصا لجهة التعويل عليه في كسر توازنات سياسية معينة في لبنان عمم الانطباع في شأنها في خلال الاشهر الاخيرة. ومع أن الاعلان الديبلوماسي لا يعبّر عن المواقف الحقيقية، فإذا صح الترحيب الايراني به، فإنه قد يكون التقى ديبلوماسيا مع خصوم النظام من الدول العربية في التعليق إيجابا على الانسحاب لجهة احتمال انعكاسه ايجابا على مفاوضات التسوية السياسية القائمة في جنيف، علما أن مراقبين كثرا يتطلعون الى مواقف قيادة الحرس الثوري وليس الديبلوماسية الايرانية على رغم الكسب الذي حققه المعتدلون في الانتخابات الايرانية اخيرا. ومع ان ما بات يتطلع اليه مراقبون كثر في الموضوع السوري هو مدى التوافق الأميركي – الروسي وكيف سيتقدم، خصوصا بعد اتفاق وقف الاعمال العدائية واطلاق مفاوضات جنيف، بحيث ان هذا التوافق بين واشنطن وموسكو هو ما سيقرر الخطوات المقبلة والنظام النهائي بالنسبة الى سوريا وليس الدول الاقليمية التي ستؤخذ مصالحها في الاعتبار، وقد تحصل على اثمان، وكذلك بالنسبة الى الافرقاء المحليين في سوريا، فإن ما لمسه أكثر من مراقب هو أن ارتباكا كبيرا لم يصب النظام فحسب، بل أصاب حلفاءه أيضا انطلاقا من تغير الحسابات وتبدلها على وقع المعطى الروسي الذي قضى بالانسحاب من سوريا والخيارات التي يرتبها على النظام، متى كان الانسحاب يترجم وقفا عملانيا للقتال في سوريا، وربما لم يعن سوى وقف انهيار النظام، لأن احدا لا يريد ان ينهار الجيش والمؤسسات الامنية، في حين انه قد يكون أرجأ الانهيار ليس الا. والواقع أن مصدر الخوف ايضا هو ان الستاتيكو المتمثل في المفاوضات القائمة يبدو أخطر بكثير على بشار الاسد من الحرب إذ كان يتلطى فيها وراء شعار محاربة الارهاب، وان عمد مندوبه في المفاوضات الى وصف خصمه بالارهابي، رافضا التفاوض معه على نحو مباشر، لكنه نزق يعبر عن مأزق وليس عن موقف قوي، انطلاقا من تضييق الهامش أمام النظام، كما أن اقرار الدول الغربية بفريقي المفاوضات ساهم في تغيير اطار اللعبة السياسية. ولذلك فإن ترحيب المعارضة السورية بالانسحاب الروسي قد يكون مبررا ومفهوما لان ترجمته ان الرئاسة السورية لن تعود كما كانت في اي حال. وثمة استحقاق بات يتمثل في التفاوض على نظام الحكم والدستور الجديد.

(النهار)

السابق
موريتانيا.. حزب الله إرهابي!
التالي
الراعي يذكّر باتفاق «الأقطاب الأربعة»: المرشحان من «8 آذار» تفضّلوا إلى المجلس