«فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

كتاب فن القراءة
القراءة هي الموضوع الأثير، لا بل هي الهمّ الأساس، لدى الكاتب والعضو في "نادي القلم الدولي" (PEN)، ألبرتو مانغويل، إذ هو تناول هذا الموضوع، من جوانب متباينة، وقاربه من زوايا نظره المختلفة، والخاصّة، في كُتُب عدّة له، صدرت تباعاً وبالعربية عن (دار الساقي في بيروت)، ومنها "تاريخ القراءة"؛ و"يوميات القراءة"؛ و"المكتبة في الليل".

وفي هذا النطاق، صدر لمانغويل، حديثاً، وعن الدار نفسها، وفي طبعة أولى عام 2016، كتابه الجديد الذي يحمل عنوان: “فنُّ القراءة”، والذي ترجمه إلى العربية جولان حاجي. ويتكوّن هذا الكتاب من ثمانية أقسام، تلي المقدِّمة، وأجواء “فنّ القراءة” فيه تتماوج تصادياً حميماً، مع الأجواء “الروحيّة” لكتاب “مغامرات أليس في بلاد العجائب وعبر المرآة”.

اقرأ أيضاً: أنا ابنُ هاجَرَ…

والقسم الأوّل هو بعنوان: “مَنْ أنا؟”، ومن عناوينه الفرعيّة: “قارئ في غابة المرآة”؛ و”بخصوص أن يكون المرء يهوديّاً”. والقسم الثاني هو بعنوان: “درس الأستاذ”، ومن عناوينه الفرعية: “بورخيس عاشقاً”. والقسم الثالث عنوانه: “مذكّرات”، ومن عناوينه الفرعية: “موت تشي غيفارا”. والقسم الرابع هو بعنوان: “لعِب بالكلمات”؛ ومن عناوينه الفرعية: “مديح الكلمات”؛ و”أيّة أغنية غنّت عرائس البحر”. والقسم الخامس عنوانه: “القارئُ المثالي”، ومن عناوينه: “ملاحظات نحو تعريف القارئ المثالي”، و”كيف تعلَّم بينوكيو القراءة”، و”كومبيوتر القدّيس أوغسطين”.

والقسم السادس، هو بعنوان: “الكُتُب كتجارة”. ومن عناوينه الفرعية: “الشريك السّريّ”. والقسم السَّابع هو بعنوان: “الجريمة والعقاب”. ومن عناوينه الفرعية: “الفنّ والكُفْر”. والقسم الثّامن عنوانه: “المكتبة الخارقة”، ومن عناوينه الفرعيّة: “ملاحظات نحو تعريف المكتبة المثالثة”، و”مكتبة اليهوديّ التّائه” و”نهاية القراءة”.

كتاب فن القراءة

ويقول الكاتب في المقدِّمة: موضوع هذا الكتاب، شأنه شأنُ كافة كتبي الأخرى تقريباً، هو القراءة – تلك الفعالية الأكثر إنسانيّة بين الفعاليات الخلاّقة. أؤمن بأننا في الصميم حيوانات قارئة وبأن فن القراءة، في أوسع معانيه، يميّز نوعَنا الإنساني. نأتي إلى العالم قاصدين العثور على قصة تُروى في كلّ شيء: في المنظر الطبيعي، في السماوات، في وجوهِ الآخرين، وبالطّبع في الصور والكلمات التي يبدعها نوعُنا. نحن نقرأ حيواتنا وحيواتِ الآخرين، نقرأ المجتمعات التي نعيش فيها وتلك الواقعة وراء حدودنا، نقرأ الصور والبيانات، نقرأ ما ينطوي عليه غلافاً كتاب.

والقراءة الأخيرة هي الجوهرية. بالنسبة إليّ، الكلمات على الصفحة تمنح العالم تماسكاً منطقياً. تخبرنا الكلمات عما نحسبه نحن، كمجتمع، ماهية العالم.

“ما نحسبه الماهية”: هاهنا يقع التحدّي. باقتران الكلمات مع التجربة والتجربة مع الكلمات نغربل، نحن القراء، قصصاً تتصادى مع تجربة معينة أو تُهيّئنا لها، أو تخبرنا عن تجارب لن تكون تجاربنا أبداً – كما نعرف جميعاً جيداً – إلا على الصفحة المتأجّجة. وبالمحصلة، فإن ما نحسبه ماهية الكتاب يعيد تشكيل نفسه في كل قراءة. بمرور الأعوام، تغيرت تجربتي وأذواقي وانحيازاتي: فبمرور الأيام ما انفكّت ذاكرتي تعيد ترتيب المجلدات على الرفوف وفهرستها أو استبعادها من مكتبتي؛ كلماتي وعلامي، ما خلا بضع نقاط علاّم دائمة، لا تثبت على حال إطلاقاً. مقولة هيراقليط عن الزمن تنطبق بالدرجة نفسها على قراءاتي خير انطباق: “أنت لا تخوض الكتاب نفسه مرتين أبداً”.

ما يبقى ثابتاً هو متعة القراءة، متعةُ الإمساك بكتاب بين يديّ والشعور المفاجئ بذاك الإحساس الفريد من الدهشة، المعرفة، البرودة أو الدفء، إحساس يستثيره من دون أي سبب ملموس شريط معيّن من الكلمات. مراجعة الكتب، وترجمة الكتب، وتحرير كتب المختارات هي أنشطة وفّرت لي بعضاً من الذرائع تجاه هذه المتعة الآثمة (وكأن المتعة تحتاج إلى ذريعة!) لا بل أتاحت لي أحياناً كسبَ العيش. “إنه عالم جميل، وليتني أعرف كيف أجني فيه 200 باوند سنوياً”، كتب الشاعر إدوارد توماس إلى صديقه غوردون بوتوملي. مراجعة الكتب والترجمة والتحرير سمحت لي أحياناً بجني المائتي باوند تلك.

اجترح هنري جيمس هذه العبارة: “الشكل في السجّادة” للثيمة المتواترة التي تتخلّل عمل الكاتب مثل توقيع سرّي. أظن أن بمستطاعي تبيُّن ذاك الشكل المراوِغ في الكثير من القطع التي كتبتُها (كمراجعات أو مذكرات أو مقدمات)؛ إنه ذو صلة بالكيفية التي يتعلّق فيها هذا الفنُّ الذي أحبّه حباً جمّاً، أي حرفة القراءة، بالمكان الذي أقرأ فيه، بـ”العالم الجميل” لدى توماس. أؤمن بوجود أخلاقيات للقراءة، مسؤولية في كيفية قراءتنا، التزام سياسي وشخصي معاً في فعل تقليب الصفحات وتتبّع السطور. وأؤمن بأنّ الكتاب، بعيداً عن مآرب المؤلف وبعيداً عن آمال القارئ، قد يجعلنا أحياناً أفضل وأكثر حكمة.

فكتاب “فنّ القراءة” يتضمن: تسعة وثلاثون تأملاً في بهجة القراءة، يأخذنا عبرها ألبرتو مانغويل في رحلة أدبية استثنائية ترفدها مرويّات هوميروس ودانتي، وموضوعات تمتد من بينوكيو إلى أليس، ومن بورخيس إلى تشي غيفارا.

اقرأ أيضاً: تأمّلات حنَّة أرندتْ «في العنف»… تاريخياً

يبيّن مانغويل كيف تضفي الكلمات التناغم على العالم وتمنحنا “أمكنة آمنة قليلة، حقيقيةً كلاورق ومنعشة كالحبر، فتهبنا مأوى ومائدة في عبورنا خلل الغابة المظلمة والمجهولة الإسم”.

السابق
بالفيديو: نعم سوف يجمعني «ديو» مع فضل شاكر!
التالي
صور.. تفجير العاصمة التركية