«تيار الغد السوري»…مؤامرة؟

ما إن أطلق القيادي السوري أحمد الجربا "تيار الغد السوري" في احتفال خطابي أقيم في القاهرة، حتى أطلق معارضون يجمعهم الولاء لكل من تركيا وقطر، حملة مركزة على "المولود السياسي".

حملة لا يشك عاقل بأن وراءها كلمة سر واضحة:” ادفنوا التيار في مهده”.
وانطلقت الحملة التي ركزت على معطى واحد أساسي: التيار مؤامرة روسية هدفها تعويم بشار الأسد بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة.

إقرأ أيضاً: الجربا يطلق تيار الغد السوري من القاهرة
ومع توالي الأيام وانضمام مجموعات جديدة من الفئة نفسها للحملة، جرى توسيع دائرة خلفيات الهجوم المفبركة، ومنها زعم الدعوة إلى فدرالية سورية، ومحاولة ربط إسرائيل بالتيار من خلال تشويه حضور القيادي الفلسطيني المعروف محمد دحلان للحفل الإفتتاحي كما مشاركة ممثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الحفل.
ولم يبخل الخيال في إضفاء لمساته التخريبية على “تيار الغد السوري” إذ ذهب هذا الخيال إلى حد اعتباره “إنقلابا على السعودية” من الجربا و”تيار المستقبل”.
ولغرض تعزيز هذا الخيال جرى استعمال صور لبعض الحضور ومنها تلك الصورة التي جمعت النائب عقاب صقر والقيادي محمد دحلان.
وبناء عليه، لا بد من السؤال عن صدقية كل ما تتضمنته الحملة على “تيار الغد السوري”.
في اعتقاد من تابعوا مجريات تأسيس هذا التيار، فإن الحملة مبنية على ما يسمّونه “جملة أكاذيب”. دليلهم على ذلك أن من يفترض بهم أن يتحدثوا كمحللين أغفلوا مقوّمات التحليل، وأبرزها على الإطلاق:
–         إن وجود ممثل لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على المقاعد كما على المنبر، يتنافى مطلقا مع أي كلام جرى ذكره عن تأييد “التيار” لبشار الأسد. وكان ملاحظا أن من “حلّل” لربط “التيار” بالأسد أغفل أي ذكر لممثل جعجع، ول يذكره إلا هؤلاء الذين زعموا “التوجهات الفدرالية”.
–         إن حضور ممثلين عن كل المقومات المذهبية والعرقية في سوريا، يعني أن التيار يهدف الى جمع شمل ما فرقه التطرفان القاتلان لسوريا: “النظام وزبانيته وداعش وأخواتها”( والتوصيف للجربا في كلمته).
–         إغفال ما قاله الجربا في كلمته بشكل كامل والإتكال على كلام غير صحيح أورده موقع روسي، ونسبه زورا وخطأ إلى الجربا، وفيه إشادة بالدور الروسي في سوريا.

مؤتمر الغد السوري
أمام هذه المعطيات، وهي على سبيل المثال لا الحصر، يطرح السؤال نفسه: لماذا هذه الحملة، إذن؟
من الواضح أن أحمد الجربا، يشكل هاجسا حقيقيا لنوعين من القوى السورية: النظام الذي يستفيد من “داعش” و”داعش” التي تستفيد من النظام.
وهذان الطرفان اللذان يضربان سورية في عمقها، يستمدان قوة من بعضهما البعض، ولا سيما أن كلاهما يخاطب الدول والجماهير على قاعدة: إما أنا وإما هو.
والتيار الذي أعلنه أحمد الجربا، يهدف إلى خلق تيار سوري ثالث، يقدّم مشروعا للاعتدال الذي تجري محاولات كبيرة لاغتياله في سوريا.
والإعتدال السوري هو الجواب الوحيد الذي يمكن للشعب السوري اللاهث وراء الخلاص أن يقدمه كجواب عن السؤال الذي يواجه الجميع في كل مكان: دلّونا على بديل عن النظام غير “داعش”.
وأحمد الجربا، وفق من يريدون دفن تياره في مهده، ووفق تجربته في رئاسة الإئتلاف الوطني السوري، على مدى سنة كاملة، أثبت أنه يملك قدرات مميّزة للتعاطي مع الداخل والخارج في آن.
ومنذ نشوء الإئتلاف حتى اليوم، فإن جميع المراقبين يشهد بأن ولاية الجربا كانت الأهم والأفعل والأجدى، ولو قدر لها أن تستمر، لكانت سوريا اليوم في مكان آخر تماما.
ومنذ نهاية ولايتي الجربا في رئاسة الإئتلاف بدا السؤال عن وجود هذه المؤسسة هو القاسم المشترك لدى الجميع، ويعود ذلك إلى غياب الفعالية لدى الممسكين بشؤونه.
ويدرك من يقف بمواجهة الجربا بأنه إذا نجح في إطلاق تياره السياسي الذي لا يفتقد إلى بندقية الداخل، من شأنه أن يضع الجربا في صلب معادلة القرار المستقبلي لسوريا، وهي معادلة حجر الزاوية فيها: الإعتدال بما يعنيه الإعتراف بكل مكونات الشعب السوري ضمن الوحدة الوطنية.
وبدل أن ينظروا الى  المشاركين في إطلاق التيار على أنها من عوامل قوته، أراد “المحللون” في سياق “كلمة السر”، أن يحوّلونهم إلى نقاط استهداف.

إقرأ أيضاً: تيار الغد السوري ينفي الشائعات.. والجربا يلتقي نبيل العربي
لبنان-الإعتدال والتنوع، كما فلسطين- قلب القضية العربية كما مصر التي لا تحتاج الى توصيف كما الإمارات العربية، هي عوامل قوة تفتقدها سوريا اليوم.
وهذه الدول، وخلافا لما أرادته الحملة التي تستهدف تيار الغد السوري، لا يمكن وضعها في خانة التآمر على المملكة العربية السعودية، لأنها، من جهة أولى، حليفة كبيرة لها، ولأنها، من جهة ثانية، ملتزمة بمسارها الخليجي والعربي، و”حزب الله” هو الأدرى بذلك.
وبناء عليه، فإن “تيار الغد السوري”، وبناء على خلفية تأسيسه من جهة أولى، وبناء على الحملة التي استهدفته من جهة ثانية، يمكن أن يشكّل مع غيره من القوى والشخصيات المعتدلة، وفي حال تجمعت حوله القوى العربية الديمقراطية، الجواب الذي تحتاجه سوريا، للخلاص من مطحنتي الأسد وداعش بعدما تسببتا بمأساة لا يمكن لأي حر في العالم أن يصمت عنها أو أن يستنكف عن محاولة اجتراح الحلول للخلاص منها.

السابق
الناشطون يعلقون على الإنسحاب الروسي: غدار شو بيشبهك تشرين
التالي
دريد لحام: مولاي الأسد باقٍ للأبد‏