هاني فحص…ما زال صوته يعزف في أذنيّ

هاني فحص

لم تكن الشرفة المطلة على الطريق العام إلى الجهة الجنوبية من بيروت كعادتها حين كنت أجلس قبالته، مخرجاً كل ما بجعبتي من أسئلة ليجيب..
ينهرني بحدة حين أترصده بسؤال مباغت: عمي…..!
فيرد بعنف لا تحمل طياته أكثر من المحبة.. : كافي دوخت عمك.. شتريد منه؟!!
أضحك من القلب فيبتسم.. كمن يعرف أن قدرته على تمثيل دور المنزعج ضعيفة جداً..
ويبدأ العزف لساعات متأخرة جداً لا أنتبه لغياب مصطفى أو حسن أو زيد على اعتبار أن القواسم المشتركة بيني وبينهم يحكمها قرب السن والشغب.. ولأنهم أعرف بترك المساحة التي أريدها لي بلا منازع..
تطل بين لحظة وأخرى أم حسن بابتسامتها لتطمئن على سير النقاشات ولا يخلو الأمر من التأكيد على كرم يختلف بتفاصيله وروحه المرحة وأطباقه..
كيف له القدرة على صياغة الكلمات؟! لا أعرف.. وكيف له قدرة اختصار السنوات.. ليناديني حين يرد على مكالماتي من أجل الإطمئنان عليه بـ: أهل بصديقي..
كيف استطاع أختيارها.. وأي ركن بالقلب كان يخاطب؟
قال لي الكثير ولكنه لم يكن يكفي .. لأن الأيام الأخيرة أكثر صعوبة من الكلام..
في اليوم الأخير من مراسم العزاء.. دخلنا شرفته لنشرب الشاي.. أنا وحسن ومن كان من العائلة..
كانت (كندة) تعبث بالركن.. وكنا ننتظره بصمت لربما جاء..
تأملت الكثير من ذكرياته المعلقة على الحائط.. اختلطت السياسة بالثقافة بالدين.. بالكثير من الأدب.. رأيت حسن يراقبني مربك النظرات.. والكل كان يحاول الهروب.. من نهاية
الانتظار.. كان بودّي أن اسرق شيئاً منه.. لكنني خشيت منه أن يكتشف السرقة.. فقد اعتاد أن يعطيني ما يشاء من الكتب.. عربونا للتفاؤل والأمل.
كانت طائرتي تقترب من موعدها للعودة إلى دبي
استأذنت وخرجت.. لم يكن واقفاً على الباب يودعني كعادته.. كتمت فقدي له..
وخرجت.

إقرأ أيضاً: مقابلة «حذفتها الرقابة» عن الخصوصية الشيعية للسيد هاني فحص‎
في الطريق.. كان صوته يعزف لحناً ما.. أعرفه جيدا ولا أنساه..
ذات مساء .. قال لي: يا إبني.. لم يبق لدي الكثير من العمر.. فقد شارفت على النهاية الطبيعية لي كإنسان.. لكنني أخشى عليكم مما يحدث.. العربة تدحرجت جهة الوادي.. ولا أحد مؤهل ليوقفها.. لأن الأمة تتقيأ!!
اليوم.. حين بعث لي مصطفى (حصتي) منه كانت صورته تحدثني على الطابع البريدي.. وكانت ابتسامته تكفي لأن أكتشف فيه فن الإكتشاف..
سعيد أنني التقيتك وتحدثنا يا سيد التبغ المخالف.. يا صديقي
سأحتفظ بك
سأبقى أكتب لك.. وأنا على ثقة أنك تقرأ

إقرأ أيضاً:  تكريم السيد هاني فحص بطابعٍ بريدي يحمل صورته

السابق
العقوبات الخليجية تتمدّد رياضيا رغم التعهّد باستهداف حزب الله فقط‎
التالي
النفايات… الحل يتقدم مجدداً