المرأة، محاولة فهم على هامش يومها

رانيا الشلبي
كانت هذه الارثوذكسية في التعامل مع الحجاب بتقييده و حظره الى حد كبير، مرتبطة بنهج اقتصادي غير عادل و نهج سياسي غير وطني و مرتبطا بحالة عداء سلطوي لكل اشكال الحرية السياسية، فغدت محاولة حماية الحريات الشخصية و كأنها مخدر مؤقت لفئة من المتضررين، لكنها ارتبطت في ذهن فئة اخرى بالنظام السياسي المرفوض شعبيا.

تتطرق موضوعة المرأة الى جوانب اشكالية عديدة، جعلت من القضية ككل موضوعا اشكاليا للغاية، في صوره المتعددة من وجهة النظر الليبرالية التي تتعامل مع العوارض للمرض الاجتماعي العام ، و تجنح الى حلول جزئية لا تتعدى الترقيع، و قد تنهار الى الانسلاخ الاجتماعي الكامل كمفر مريح من مواجهة الواقع، او تنزاح يمينا نحو العقلية المحافظة مع محاولة تجميلها بمواءمتها مع أطروحات خجولة. فيما يظهر و كأن الترقيع هو للعادات و التقاليد و ليس للقضية، في صورة تبدو انتهازية جبانة بشكل متطابق مع ضحالة الطرح المجتزء.

طبعا من نافلة القول الاشارة الى ضحالة و تكلس الرؤية التقليدية، المستقوية بالماضي الاشكالي ايضا في قراءاته، مع اهمال تام لحركة التاريخ و ما تفرضه من مستويات وعي متجددة باستمرار، و هي و إن كانت لا تنهي الاضطهاد بصورته و مضمونه، فهي تعيد انتاجه بما لا يسمح بصورته المنتهية ان تستمر، كما ان التحديات التي تواجه تلك الرؤية، و ان جوبهت بخط الدفاع المتمترس بالمقدس، لن تستمر طويلا امام تراكم الوعي معززا بحركة التاريخ الحلزونية، بل ستهدد المقدس الذي تحتمي به، سواءا كان قناعا ام وجها حقيقيا.

لكن تخصيص القضية في اي نهج ثوري لقراءة في وضع الامور، لا يستقيم دون التطرق الى الواقع الموضوعي، فاستيراد المفاهيم من تجارب و ان كانت بصورة مجتمع الاقطاع كالمجتمع الروسي قبل الثورة البلشفية، يهمل ان طبيعة الاقطاع و التحالفات التقليدية و البنى القروسطية كانت تختلف، في الحقيقة ان صاحبة هذه الكلمات ليست واثقة من أن الوصف القروسطي هو فعلا وصف شامل لطبيعة المجتمع و طبقاته في روسيا ما قبل اكتوبر ١٩١٧، فالمجتمع الذي يصف الحب كما يراه تولستوي في آنا كارنينا، و يفكك العلاقات الاسرية كما فعل دويستوفسكي في الاخوة كارامازوف، و ينتج حيوية ملحوظة في مشهد المعارضة للقيصرية الروسية، و قراءة ثرية للعلاقات بين طبقات المجتمع و مراكمة المنجز الثوري وصولا الى اكتوبر، و كان ما يشرحها هو الانجاز اللينيني اكثر من الكلمات، لهو خير دليل على ان التجارب تفهم فهما ولا يتم استيرادها، هو مجتمع نضج فعلا باسباب الثورة الاجتماعية الموازية للثورة السياسية، ولا يغير ذلك طبيعته الفلاحية التقليدية كظاهرة ناتجة عن كونه اقطاعيا، حرق المراحل وصولا الى المجتمع الصناعي دون الحاجة الى المخاض البرجوازي المفترض في قراءة التاريخ ميكانيكيا، و الذي يشكل الحاضنة الفعلية للقراءات الليبرالية المبتورة، في قضايا كالمرأة و البيئة، بل و حتى العلمانية بصورتها الاكليروسية كما تطرح عند ما تبقى من ليبراليين لم يجرفهم طوفان الانحياز الى التقاليد او التقليد، و الناتج بطبيعته عن الخواء على مستوى الافراد و عصبة هذا النوع من الافراد.

إقرأ أيضاً: عيد المرأة أهديه لثلاث نساء في حياتي…

فالرجعية و ان كانت تتزين بالصورة المنقولة البراقة للتاريخ، لا يمكنها حمل مشروع ثوري حقيقي، فعلاوة على كونه بنيويا هو تيار مضاد للوطنية المطلوبة للنهوض بمشروع ثورة برجوازية في مضمونها الاجتماعي الثقافي و الاقتصادي على الاقل.ناهيك على ضعف مرجعيته التحليلية للواقع الاقتصادي الاجتماعي بالاستناد على ترقيع محض و غير ذي ديمومة للواقع الناتج عن الرأسمالية، و قصوره عن المواجهة الجذرية بمشروع بديل يستحق وسام الثورة، فهو غير قادر على حمل هكذا مشروع لأن التراث الذي تستنتد اليه الرجعية تراث متكلس لا يمكن قراءة رؤيته للقضايا الجزئية دون نبشه، و تبرز هنا الحاجة لعلم التاريخ المقارن، الذي يحتاج لنظرية في فهمه، و لأنه صنو الليبرالية في الخواء النظري، فهو لن يمتلك نظرية متماسكة، لجنوحه نحو المثالية المضادة للعقل العلمي الديناميكي، و العاجز عن الاحاطة بالواقع الموضوعي كمرجع لقراءة الظواهر المجتمعية و تحليله، فهو لا يقرأ التاريخ بمنهج مادي موضوعي، و هنا تبرز الحاجة لعقل مادي و ديناميكي متحرك يفهم الواقع، باستخدام تحليل ماركسي كاداة ربما تكون وحيدة في حمل مشروع ثورة اجتماعية، بعد ان فاتنا قطار القوميات المؤدلجة.

الرؤية العلمية كما يقول ابن رشد هي تنقل من ماذا الى لماذا، و لأن ماذا في جزئية المرأة حائرة بين تحليلات عديدة فقد كانت اللماذا مبهمة دوما، فالعقل العلماني الارثوذكسي مثلا يناهض الحجاب كصورة اجتماعية مهملا انه عارض لحالة اجتماعية عامة، و لم يتم ربطه ان صح اعتباره مشكلة، بادوات حل تشمل اصل الظاهرة في حالة كالحالة التونسية، و بعد ان تفككت اسباب قوة ذلك العقل كان الجنوح الى النقيض، و هل هي مصادفة ان جهاد النكاح مثلا يؤرق صاحب القرار في البلد الذي كان مهد الربيع العربي؟
فكان ان جرفت الثورة النظام السياسي مع حالة نفور من ادواته، مما اوقع علمانيي تونس في حيرة، و اضحى الحجاب في مواضع عدة و كأنه هوية لرفض النظام السياسي المرفوض شعبيا، و ما فاقم ذلك ان بعض علمانيي العالم العربي استخدم موضوعة الحريات الشخصية كأساس لرؤيته برفض حالة الانتفاضات الشعبية او التوجس تجاهها، فظهرت الرجعية و كأنها تمثل الحالة الثورية وفق المنطق الصوري السائد، دون بديل يسقط هذا المنطق في حالة شاذة.

إقرأ أيضاً: كيف تعامل اللبنانيون مع «عيد النسوان»؟

المرأة اليمنية قدمت نموذجا حيا للمرأة الثائرة، ففي مجتمع القبيلة اليمني لعبت المرأة دورا مثيرا للاعجاب في انتفاضة الشعب اليمني، دور ريادي اذهل المتابعين، ردت فيه على الصورة الحاضرة في اللاوعي العربي عموما، صورة الثائرة عارضة الازياء، التي تربط ما بين ظهورها السياسي الخارج عن المألوف و ظهورها الاجتماعي الجانح نحو لفت النظر الانثوي المحض، تجاوزت المرأة اليمنية تلك المسألة لترد بأن المرأة قادرة على لعب الدور دون حرق المراحل الذي يطالب به اليسار الطفولي بالمعنى الاجتماعي.

تواجه المرأة العربية تحديا ذكوريا في الخروج عن المألوف اللا انساني، لكن طريقة التعبير ليست ممكنة دون برنامج اكثر شمولا، فموضوعة الحريات الاجتماعية هي نتائج و اسباب معا ولا تنفصل هذه عن تلك، لكن الجنوح نحو الراديكالية المجتزئة في ظاهرة النسوية الراديكالية (الفامينيست) تمثل حالة انتفاضة بلا افق، ان لم تكن مقرونة ببرنامج تحرر وطني اجتماعي شامل، و ليس الاقتصار على النظر نحو البعيد غير القابل للتحقيق في المدى المنظور، فتشجيع العلاقات العاطفية بكل مستوياتها و مراحلها لا معنى له دون تحقيق العاطفة بشكلها الانساني الراقي، القائم على مفهوم الحب بسموه و صدقيته، لن يكون الجائع قادرا على الحب، سيغدو العشق رفاهية متاحة لمن يملك الادوات، غياب العدالة الاجتماعية سيجعل الوقت كعامل لتواصل العشاق حكرا على طبقة دون اخرى، لن يتيح للكثيرين فرصة التفكير بالقادم و المستقبل و ذلك لأن مشاكل الحاضر و غياب الامان( بمفهومه العام و ليس بالمفهوم الذي تتخندق فيه السلطة هربا من استحقاقات شعبية) لا يدع للحب بشكله الانساني مكانا، فكمان ان الرجعية تحارب الانسان باستلاب حريته بشكل صريح، فالرأسمالية تحارب الانسان باستلاب طاقاته و توجيهها نجو خدمة مصالح طبقة معينة، و هي بذلك تشغله عن الابداع ولو بصورته الفردية، و تستلب حريته عبر اشغاله عنها، كل حرية حتى لو كانت شخصية بشكل محض ستكون مبتورة، بغياب عناصر الاستفادة منها.

إقرأ أيضاً: لو كنت إيرانية …

البرنامج الاكثر شمولا سيتيح امام المرأة ان تناضل في سبيل قضية جامعة، و لا تنحصر في قضيا تخص جنسها و حسب، بتحويل نفسها الى اقلية او عصبة، و بتشويه الانقسام المجتمعي من صورته الافقية الطبقية الناضجة، الى صورة عمودية تشبه التقسيمات الطائفية و لا تسعد الا الطبقة المستغلة، برجالها و نساءها.

هنيئا للمرأة بيومها، و ليكن كل يوم من ايامنا يوما للانسان من شعب سعيد في وطن حر.

السابق
عن يوم المواطن الطرابلسي…
التالي
لح احكي وآخر همي…