مستقبليون يرفعون الصوت: لا مواجهة من دون عدة

اذا خُيّرنا بين الانحياز للتضامن العربي وإيران، فإنّنا نقف إلى جانب ايران. قالها أحد وزراء حزب الله داخل مجلس الوزراء خلال الإعداد لبيان الحكومة الشهير الذي صدر في أعقاب الإجراءات الخليجية العقابية. قالها ردّاً على سؤال من أحد وزراء تيار المستقبل.

هذا الجواب يختصر إلى حدّ بعيد السياق الذي يمكن أن يكون عليه الموقف اللبناني من الإستحقاقات العربية المقبلة، سواء في اجتماع وزراء الخارجية العرب بعد أيام، أو في القمة العربية المقبلة. أي أنّ لبنان لا يمكن أن يتخذ موقفاً رسمياً صريحاً بتأييد أيّ موقف عربي يدين إيران، فكيف إذا كان المشروع الخليجي المرجح اقتراحه على جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب عربياً؟

إقرأ أيضاً: الخليج يعاقب «دولة حزب الله».. ونحن مواطنيها

الموقف الخليجي اتخذ خيار المواجهة بوجه الإختراقات الإيرانية في المنطقة العربية. هذا القرار يتأكد يوماً بعد يوم، لكن أعباءه اللبنانية تصطدم بخيارات لبنانية يبدو أنّ تيار المستقبل ليس في وارد تحملها. وذلك انطلاقاً من أنّ أولوية حماية الإستقرار الداخلي والحفاظ على الحكومة العرجاء يتقدمان على ما عداهما. هذا ما يقوله أكثر من قيادي فعلي في هذا التيار، بل ذهب البعض منهم إلى القول أنّه ليس في قدرة أصدقاء السعودية ودول الخليج مجاراتها في قرار المواجهة الذي اتخذته، رغم قناعة هؤلاء بمبراراته والأسباب الموضوعية التي تدفع دول الخليج إلى مثل هذا القرار التاريخي والإستراتيجي.

بل أكثر من ذلك: يذهب بعض حلفاء السعودية إلى التذمر من توقعات السعودية والخليج والمبالغة في ما يوحون بأن حلفاءهم اللبنانيين عليهم، أو قادرون على أن يفعلوه. خصوصاً أنّ الخليج “سلّم لبنان لسوريا 15 عاماً، من اتفاق الطائف إلى 2005، وسلّمه لإيران من 2005 إلى اليوم، مهملاً قوى السيادة على أكثر من مستوى”. فكيف يطلب منه المواجهة والإنقلاب السياسي اليوم؟ وكيف لهم أن يواجهوا دون عدّة المواجهة؟

المملكة العربية السعودية
المملكة العربية السعودية

“لم تطلب المملكة أو ايّ مسؤول فيها من تيار المستقبل تبني موقفها، وليس من عادة المسؤولين السعوديين الطلب من أصدقائها ما تتمناه، هي ترغب بمواقف متصاعدة لأصدقائها تجاه حزب الله على المستوى الرسمي وغير الرسمي”. هذا ما يؤكده أحد الوزراء المستقبليين. فالمملكة لا تملي، بل تترك لأصدقائها في لبنان أن يتصرفوا بحسب تقديراتهم، وبالتالي فإنّ أصدقاء المملكة، واللبنانيين عموماً، يتصرفون بما تمليه عليهم مصالحهم الحزبية والوطنية. ودول الخليج أيضاً تتخذ إجراءاتها الإيجابية او السلبية بناء على مصالحها وتقديراتها لمتطلبات المواجهة التي تخوضها مع إيران في أكثر من ساحة عربية.

لا شكّ أنّ أسئلة وهواجس عدة تتحكم بأصدقاء دول الخليج من اللبنانيين حيال المرحلة المقبلة. وهي لا تتصل حصراً بتيار المستقبل ولا الساحة السنية، بل تتعداها إلى الساحة المسيحية التي باتت في موقع ملتبس… بل في موقع أقرب إلى أن تكون في حالة اهتزاز العلاقات المميزة التي ربطت فئات واسعة من المسيحيين بنظام مصالح كبير مع دول الخليج. ذلك أنّ ما يسميه خبير في الشأن السعودي “بداية بروز رأي عام خليجي” بدأت مؤشراته من شبكات التواصل الاجتماعي ووصلت إلى عدد من الكتاب الصحافيين الشباب.

هذا الرأي العام بدأ يظهر ردّة فعل على ما يتلمسه من أجواء مسيحية لبنانية معادية للسعودية ودول الخليج عموماً. ذلك أنّ ما يسميه المصدر الوزاري “الخيبة من المسيحيين” لا تتصل بموقف القوات اللبنانية، بقدر ما هو تعبير عن أنّ الصورة العامة لموقف المسيحيين تبدو سلبية من دول الخليج ودورها في لبنان. ولعلّ هذه الصورة كانت العنصر الأكثر تأثيراً في قرار وقف الهبة السعودية للجيش اللبناني. لا سيما بعد صدور “القرار الفضيحة” من المحكمة العسكرية بإطلاق سراح ميشال سماحة. قرار كان له صدى سلبياً على مستوى الخليج بما يحمله من دلالات عن تقاعس المؤسسة التي أصدرت القرار.

إقرأ أيضاً: إلى السعودية: أضيئوا شمعة الدعم بدل أن تلعنوا ظلام الخذلان

في كل الأحوال ثمة قناعة باتت تترسخ في وعي العديد من السياسيين أنّ لبنان لا يجوز أن يبدو في موقع المتسول، وأنّ خيار دعم المؤسسة العسكرية وتسليحها هو خيار وطني لبناني، يجب أن يتحمل اللبنانيون مسؤوليته. لذا يجب أن يبدأ اللبنانيون بالإنطلاق من مسلمة أن الدعم الخليجي للبنان صار من الماضي، وأنّ البحث عن البدائل من المنح هو بالاتكال على الذات.

السابق
مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية ليوم الثلاثاء 8-3-2016
التالي
تعرف على موقع آثار شارع الشهداء (حي الدكرمان) في صيدا ..