غاب حسن الترابي: افضل المفكرين الاسلاميين وأسوأ السياسيين!

أراد أحد الإسلاميين أن يلخص رأيه في الزعيم والمفكر العربي السوداني حسن الترابي الذي وافته المنية أمس عن 84 عاما فقال عنه: "إنه من أفضل المفكرين الإسلاميين في العالم، ومن أسوأ السياسيين فيه كذلك".

عاش الدكتور الشيخ حسن الترابي حياة سياسية صاخبة وفكرية مثيرة للجدل، ومن أجل فهم ومعرفة طبيعة وأبعاد هذه الشخصية الاستثنائية التي تعدّت الخصوصية السودانية  لتشغل عالمنا الإسلامي طوال عقد التسعينيات المنصرم، واستيعاب ما انتهت إليه تجربته والتجربة الإسلامية عموما في السودان، فانه يصعب تصورها بشكل صحيح إلا من خلال إدراك العلاقة الجدلية بين الفكر والسياسة في حياة هذا الرجل.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لا «تبشير» بين المذاهب الاسلامية بل «حوار»

ولد الدكتور حسن عبد الله الترابي سنة 1932م من عائلة دينية وتتلمذ على يد والده احد شيوخ الطرق الصوفية، فحفظ القرآن الكريم صغيرا بعدة قراءات، وتعلم علوم اللغة العربية والشريعة في سن مبكرة على يد والده، ثم واصل تعليمه حتى حصل على إجازة الحقوق من جامعة الخرطوم، ثم على الماجستير من جامعة بريطانية في 1957، ثم الدكتوراه من السوربون الباريسية في 1964، وأجاد الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وحصل صنوفاً من المعارف والثقافات الغربية المختلفة والمتعددة.

شغل الدكتور الترابي مناصب عديدة، وتقلد مواقع قيادية هامة على المستويين الرسمي والحزبي، من تلك المناصب التي شغلها الدكتور الترابي منصب الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامية وهي الجبهة التي انبثقت عنها جماعة الإخوان المسلمين في السودان، ونتيجة لرؤاه الخاصة وآرائه غير المتوافقة والمتوائمة مع نهج الجماعة وطريقتها في الدعوة والتربية، انفصل عن الجماعة بعد اشتداد الخلافات بينهم وتصاعدها، مما حمل الجماعة على انتقاد آرائه والرد عليه علناً.

درس الترابي الحقوق في جامعة الخرطوم منذ عام 1951 حتى 1955، وحصل على الماجستير من جامعة لندن عام 1957، والدكتوراة من سوربون، باريس عام 1964. يتقن الترابي أربعة لغات بفصاحة وهي العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية.

كان الترابي أستاذاً في جامعة الخرطوم ثم عين عميداً لكلية الحقوق بها، ثم عين وزيراً للعدل في السودان. وفي عام 1988 عين وزيراً للخارجية. كما أختير رئيساً للبرلمان في السودان عام 1996.

السياسة
بعدما تخرج عاد للسودان، وأصبح أحد أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية وهي إحدى الفروع السودانية للإخوان المسلمين. بعد خمسة سنوات أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية دوراً سياسياً أكثر أهمية، فتقلد الترابي الأمانة العامة بها عام 1964. عمل الترابي مع طائفتين من الحركة الإسلامية في السودان هما الأنصار والختمية. بقي مع جبهة الميثاق الإسلامية حتى عام 1969 حينما قام جعفر نميري بانقلاب. تم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبعة سنوات في السجن.

أراد الانقلاب والطائفتين الإسلاميتين الوصول لحل وسط في عام 1977، وقد كان إطلاق سراح الترابي جزء من هذا الحل.

الشريعة الإسلامية
أعلنت حكومة نميري فرض قوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983، وانقلبت بعدها علي جبهة الميثاق الاسلامية -حليفتها في السلطة- عارض الشعب هذا الأمر بواسطة الإجراءات القانونية مثل حل البرلمان السوداني، وبواسطة المظاهرات ممل أدى إلى ثورة شعبيه ضد نميري في عام 1985. بعد عام أسس الترابي الجبهة الإسلامية القومية، كما ترشح للبرلمان ولكنه لم يفز.في يونيو عام 1989، اقام حزب الترابي انقلاب عسكري ضد حكومة المهدي، بعد ان طردت اعطاء حزبه من البرلمان، ولقت قوانين الشريعه الاسلامية وعين عمر حسن البشير رئيسا لحكومةالسودان.

في عام 1991 أسس الترابي المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي يضم ممثلين من 45 دولة عربية وإسلامية، كماانتخب الأمين العام لهذا المؤتمر.

اختلف مع حكومة الانقاذ حول قضايا، اهمها الفساد، والشوري، والحريات، وحل البشير البرلمان، في اواخر عام 1999م، وبعدها اصبح الترابي أشهر معارض للحكومة. شكل مع عضوية حزبه الموتمر الشعبي، في 31 يونيو 2001م.. وحوي معظم قيادات ورموز ثورة الانقاذ الوطني، ومسئولي كبار في الحكومة تخلوا عن مناصبهم.. اعتقل في 2001م لتوقيع حزبه مذكره تفاهم مع الحركة الشعبية، ثم اعتقل مرة اخري في مارس 2004 بتهمة تنسيق حزبه لمحاولة قلب السلطة.. له العديد من الرؤي الفقهيه المتميزة، مما يجعله من ابرز الشخصيات الاسلامية المعاصرة.

يقول احد الناشطين السياسيين السودانيين ابو بكر صالح:

“امطــر الترابى الحــياة الدينية و الفكــرية بوابل من الفتاوى المثيرة للجدل في الفترة القريبة الماضية، و كل هذه الفتاوى ذات طابع تقدمي/حداثى اي تتجاوز مواقف الفكر الدينى السلفى في نسخته الاخوانية في قضايا تخص حقوق و المراة فى الاسلام. ابرز تلك الفتاوي هى جواز امامة المراة للصــلاة بما لها من دلالات تعزز قضية المساواة بين الرجــال و النساء، و جواز زواج المراة المسلمة من الكتابى و الدلالات الايجابية في تضيق شقة التمييز بين البشر علي اساس الدين، و يمكن ان نجمل معها الفتوى الاخيرة التى تدعي بعدم اصـــالة الرجم كعقوبة لما يعرف بزنا المحصن.

إقرأ أيضاً: التباسات الاسلام السياسي
كل هذا السيل الجارف من الرؤي المتقدمة قدم امطرنا بها حسن الترابي، لكننا لازلنا نلعق المر جراء السلوك الفعلي و العملي لحسن الترابى في شأن تلك القضايا و الحقوق. جميعنا نعلم ما الذي حدث عندما دانت السلطة في احدي الليالى حالكات الظلمة في يد السيد حسن عبدالله التربى، فقد عبّر الرجل عن نفس و قناعاته اصدق تعبير يوم ان شرّع قوانين ما عرف بالنظام العام و القانون الجنائى لسنة 91 و كذك قانون الاحوال الشخصية. سمح الترابى في قوانينه تلك لرجال الشرطة بالتربص بنساء السودان جميعهن و اصبحنا نرى اخواتنا امهاتنا مجرجرات الي اقفاص الاتهام في المحاكم العشوائية لان رجل شرطة قليل “حظ في العلم و المعرفة و ربما العقل” يعتقد انها لا ترتدى زيا محتشما!! عاصرنا تربص الشرطة بالشباب من الطلاب و الطالبات تحت ما يسمى بــ”التسكع و التلكع” هي احدي مواد النظام العام التى يمكن تبرر بها الشــرطة تعديها علي حقوق البشر!! كل هذه المـــواد و غيرها كثير مثل ما يسمى بالفعـــل الفاضح و هي ايضا احدى المواد المطـاطية في قوانين الترابى و التى كانت تصلح لاى شى حسب مــزاج الشرطى الذى تقابله. فقد كانت و لا تــزال هذه المواد ســـيف مســلط على رقاب النساء السودانيات، لتقف شاهد صادقا علي فكـــر الترابى الحقيقى الذى ينضـــح احتقارا و تجريما و امتهانا لكرامـــة النســــاء”.

السابق
بالصور: رودولف وقمر وخاتم خطبة!‏
التالي
الكلمة الحرفية للسيد حسن نصر الله