التخوين يخدم العدوَين..

بعدما شغَلنا “حزب الله”، خلال عقود، بمقولة ان “إسرائيل شرّ مطلق”، وانها العدو رقم واحد، الأبدي، السرمدي؛ وبعدما تحولت قضية فلسطين، ذريعته الثابتة لحفاظه على سلاحه، إلى قضية يائسة، لا يحلم أهلها، لا بتحرير كامل ترابها، ولا حتى بدولة ضعيفة الأطراف؛ ها هو الحزب يغير أولوياته، فتتحول السعودية إلى العدو رقم واحد، “الشر المطلق” ذاته، وتصبح حرب تموز 2006، تلك التي تُوِّجت بانتصار “تاريخي، الهي، استراتيجي…” ضد اسرائيل… تصبح بلا أهمية أمام ما يخوضه اليوم في اليمن؛ فتستبدل بذلك القُصير السورية، القصيرة الأجل، باليمن كله.

إقرأ أيضاً: «سكايز» يستنكر الحملة التخوينية المبرمجة ضد موقع «جنوبية» وصاحبه علي الأمين

الطريق إلى فلسطين سلكت بداية القُصير. حاول الحزب خلالها، عن طريق قتله للسوريين، أن يهتدي إليها، ولم يفلح؛ وهو الآن بصدد شدّ رحاله نحو جنوب الجزيرة العربية، لعلّه يجد فلسطين هناك… هكذا، احتدمت المعركة بين الحزب الطيّار، من قطر عربي إلى آخر، وبين بقية العرب، بقيادة أقدرهم، السعودية، دفاعاً عن أمنهم ومصالحهم. فكانت حملتهم عليه، المتعددة الأوجه؛  ثم حملة مضادة، صاخبة، إعلامية، رسمية، فايسبوكية، ضد كل الذين لم يصطفوا خلف صفوف الحزب… بصفتهم “خونة”، “عملاء إسرائيل”. أحد وزراء الحزب كان الصدى الرنّان لعملية التخوين هذه، فقال عن دول الخليج، وعلى “رأسها المملكة السعودية”،  ان هذه الدول “كانت تقيم علاقة مع اسرائيل تحت الطاولة. أما الآن فان علاقتها أصبحت فوق الطاولة وعلى المكشوف”. باختصار، الحزب الذي غير وجهة بارودته وأولوياته، من إسرائيل الى اليمن، مرورا بسوريا، يستقوي الآن بتعويذة الخيانة والعمالة لإسرائيل ضد كل من يعترض على تصويبه الجديد.

كيف نفسر هذه المفارقة؟ كيف يمكننا الإستيعاب بأن ينتقل حزب بهذه القوة الصاروخية من عدو مطلق إلى عدو مطلق آخر، من دون ان يكون قد حقق أهدافه مع العدو الأول، أي في حالتنا، “تحرير فلسطين”؟  أليس من أبجديات العمل السياسي لحزب كهذا، أن يكون مع تحقيق أهدافه؟ أولاً كامل التراب؟ أليس غريبا ان ينتقل بهذه السهولة، هو الحزب العقيدي الصارم، ومن دون أية مراجعة، من جنوب لبنان إلى سوريا، ثم الى اليمن؟ بلى، كل هذا يعصى على التحليل، أو على تقصّي الإحتمالات.

لكن الحزب يسهّل عليك المهمة: “الإحتمالات” هذه تجدها حاضرة ناضِرة في كل ما يشي به “حزب الله” من كلام وسلوك وأغاني وطقوس وهندام: هو حزب إيران في لبنان، حزب القرار المللي الإيراني، يعتز هو بذلك، ولا يخفيه؛ بدءا من الأمين العام للحزب الذي يعود في الشاردة والواردة إلى مرجعية المرشد، صاحب القرار، وانتهاء بجمهوره المجذوب بحضرته الإلهية. لا يستحي الحزب من ذلك؛ بل انه كلما تصاعدت حدّة المواجهة بين السعودية، ومعها العرب الباقين، وبين إيران، تجد الحزب أشدّ عداء للعرب، أوضح تعبيرا عما تريده إيران منه أن يفعل وأن يقول: ان السعودية الواقفة الآن ضد الإختراقات الإيرانية، وكل من يحالفها على هذا الهدف، هو “عميل لإسرائيل”.

والحال، ان إسرائيل لا تحب “حزب الله”. هذا واقع وحقيقي. ليس لأنها تراه قادراً على تحرير فلسطين واستعادة الحقوق الفلسطينية وتحرير كامل التراب؛ بل لأنه يمثل بالنسبة لها، ما يقول عنه المسؤولون الإيرانيون أنفسهم صراحةً، من انه “ذراع إيران القوية في جنوب لبنان”. أما العرب، فلا يحبون الحزب لأن هذه “الذراع” الإيرانية القرار، أمعنت في التمدّد نحو سوريا والعراق واليمن. هكذا انفجرت المعركة بين العرب وإيران. فصار لنا عدوين يتنافسان على أرضنا السائبة.

إقرأ أيضاً: التخوين والتكفير عقوبة من يخرج عن الولاء

أما ان يخوّن كل من يقف مع العرب ضد إيران، فهذه خدمة للعدو الايراني: بامعان المخوِّنين في تمزيق النسيج الوطني، بإضافتهم آفة على أخرى، التخوين بعد التكفير، ليكملوا بذلك طريق التنوير العربي. أرفق مع ذلك تبدل الأولويات، وتحول اسرائيل الى “العدو رقم اثنين”، وسوف ترى بالعين المجردة، كم من خدمة أسدتها لاسرائيل أمجادنا الفكرية هذه، قبل الأمنية… ومن الرثاثة القصوى بعد ذلك ان يخوِّفنا “حزب الله”، بعد تخويننا، على أساس ان إسرائيل تخاف منه.

(المدن)

السابق
ابرز اشارات سيطرة ايران على بيروت
التالي
نعيم قاسم: السعودية ضعيفة إلى درجة أنها وضعت رأسها برأس حزب الله