الى تروتسكي لبنان: الحالم في زمن الوحشية الدينية

الثورة الدائمة
أردت ان أكتب نصّا عن التروتسكيين في لبنان، لكني اكتشفت انه عليّ ألا أروّج لدين جديد، كفانا مذاهبا وفرقا، وأنا من اتباع العلمنّة كمذهب فكريّ.. وانسجاما مع عقيدتي هذه، أسديت نصيحة للتروتسكي الأخير بما يمثل من مجموعة ضئيلة في لبنان، علّه ينظر إليها بمحبة، فلا تفتِ بقتلي أيها الفقيه.

من خلال (ADD) عبر العالم الإفتراضي، تعرّفت على التروتسكي الأخير في لبنان، انه سليمان فقيه المناضل الجنوبي والأمميّ في الوقت عينه، الذي لازال يظن أنه بالإمكان أفضل مما كان.

اقرأ أيضاً: «الإسلام والعلمانيّة» لـ أوليفييه روا: أزمة دين أم أزمة تديّن؟

وبعد مواعدة إفتراضية أولى، لم تتم، كان اللقاء الثاني الذي ذكرّني واعاد الى أذهاني صورة أشبه ما تكون لحزبييّ ذاك الزمان، الذين يُجبَرون ضميرّيا على جذبّ مزيد من المنتسبين والأعضاء والمؤيدين والمناصرين..

ليون تروتسكي (1879-1940) مضى الى منفاه، ومن ثم الى قبره مع نظامه الحالم اللاواقعي، لكن لازال التروتسكيون يسعون الى التوسع في لبنان والعالم العربي، الماضي بقوة نحو الغيبيّة الدينية، والداعشيّة على جميع الصعد.

فالجمهورية الإسلاميّة الإيرانية، الشيعيّة، تتجه نحو الحكومة الإصلاحية بعد 36 عام فقط من النشوء والارتقاء!!. لم تعش الراديكالية الدينية هذه طويلا كما شهدنا مع سلفها الإتحاد السوفياتي الراحل الذي سلّم أنفاسه الأخيرة بعمرالسبعين تقريبا. ربما الله يفضل الإلحاد على الإيمان!!

سليمان فقيه
سليمان فقيه

لكن لا زال صديقي سليمان فقيه كنموذج طبعا – وعدد من المنزعجين من إنبطاحيّة الحزب الشيوعي اللبناني تجاه النظام الأمنيّ السوريّ والنظام اللبنانيّ العاجز والمنبطح أصلا، و”منظمة عمله” التي تميّزت بعلاقاتها منذ البداية مع الأنظمة التسووية الرسميّة العربيّة ككل- لايزال صديقي سليمان يفكر بدولة علمانيّة!!..

أين؟ وفي لبنان؟ يا صديقي الإفتراضي.. اليوم وبعد أن إنتهينا من الحرب الطائفيّة الأهلية بتنا نترّحم عليها لأنها جعلتنا قسمين فقط و”شقفتين” أساسيتين.. أما في انقساماتنا الجديدة صرنا فرقا ومذاهب وأحزابا ودول وطائفيين أكثر من أي وقت مضى.

عن أية تروتسكية تتحدث؟ وأية منشورات تحمل؟ وعن أي دعم تبحث؟ خاصة ان التروتسكيين الكبار من بلادنا هاجروا وراء لقمة عيشهم في بلاد الغرب الرأسمالي الحرّ.

انه عصر الوحشيّة الدينيّة، سواء أعجبكَ ذلك أم لم يعجبكَ. حاربتَ أيها المقاوم إسرائيل، وحاربتَ الخصوم في الداخل، بنصوص وكتابات ومجلات وإصدارات كان لها عزّها، لكننا اليوم، بالطبع، لن نركن الى إيديولوجيا أخرى تصنع لنا حلما يائسا.

نعم، مجلة الثورة الدائمة، والمنشور، وأرنست ماندل،.. وغيرها من ذاك الزمان الذي كان هناك ما يُعرف بالمثقف العضويّ او المثقف الحقيقيّ.. أيها التروتسكي الأخير الذي يمثّل ثلة من ثوريين لبنانيين حالمين بالجنة في أرض النار واللهيب.. لاشك أنك لم تنس أنت وتروتسكيين آخرين، من حزب العمل السوري مثلا، كيف كانت سورية معقل الظلم والعنف والبشاعة في نظام أمنيّ مهول. لكن انظر الآن الى ما صارت إليه سورية.. لقد مرّت ست سنوات على الثورة السورية، هذه السنوات الست جعلتنا نترّحم على المجرم بشار وسلفه، لان اجرام المؤدلجين الجدد لم يُبقِ للخيال الأسدي مطرح.

والعصبيّة المذهبيّة اللبنانيّة، دفعتنا للترّحم على الحرب الأهلية اللبنانيّة. يا صديقي أقول لك أيها التروتسكي الأخير: إنهض من حلمك أنت ورفقائك الذين لا يتعدى عددهم العشرين فقط.. وأسألك أتريدون بلدا علمانيّا؟ لن أقول لك ان النضال سيوصلنا الى ذاك الحلم اليائس، بل أبشرّك بأن محيطك ومجتمعك القريب والبعيد يبحث عن الدينيين والدينيين فقط، وفتاويهم التي تلاحقنا حتى حين دخولنا بيت الخلاء. فكيف ستسلخهم عن عقيدة تقول ان الدين مرتبط بكل صغيرة وكبيرة بحياتنا، وخاصة الدين الإسلامي؟ كيف؟

الثورة الدائمة

ماذا سنفعل بالحوزات والمعاهد الشرعية؟ الى أين سننقل الشعب اللبناني بطبعته الأخيرة ما بين 2005-2016؟ من سيكون مولانا العلمانيّ الجديد؟ فأية علمانيّة تطلبها لنا ليست الا دين جديد. خاصة انك لا زلتَ تختلف وتتناقض مع الحزب الشيوعي في كل أقطار الأرض مثلا؟

وكتابات رفقائك ورفقائنا القدماء – الذين هاجروا الى الغرب الرأسمالي ليبرعوا في بنائه الفكري والثقافي وفي حريته – لن تزيدنا الا يأسا، ولن تمنحنا الأمل، ونحن نشهد مزيدا من الأنظمة الظالمة، والأنظمة المُمهدة لخروج المخلّص؟ أيخرج مخلّصكم العلمانيّ قبل مخلّصهم الدينيّ يا ترى؟ ومن سيتغلب على الآخر منكما؟ ومن سيكون منكما مخلصه أقوى وأفعل وقائد أقوى جيش في المنطقة؟ بل كيف سينتصر على مخلص الأتراك والخليجيين والإيرانيين، والسنّة والشيعة، والأرمن والأكراد والإيزيديين والأشوريين، والفلسطينيين واليهود؟؟

جميل ان تتحول الأفكار الى حركة ثقافيّة تُغني المجتمع اللبناني، وهذا ما أحببت أن تكون عليه حركتكم الخارجة من قيود العلاقات والمصالح، لكن الأجمل ألا تعيشوا في “قوقعة” الأمل الكاذب، “قوقعة” ذاك “الطلياني”، الذي تعذّب لسنوات في أرض البلقان بسبب خطأ، متحمّلا عقابا هو لغيره، دون أية جدوى.

اقرأ أيضاً: في العلاقات السنية – الشيعية: بين الخلافات التاريخية والعقائدية والمصالح السياسية الانية

صديقي ورفيقي التروتسكي الأخير، كنت أظن أننيّ المثالية الأخيرة في العالم، فتبيّن أن الحلم متفشٍ في كثير من الرؤوس العربيّة.. انهض من كبوتك، وإحمل معولك الحديدي، وإرم قاموس المصطلحات الممزق في “الصوبا” السيبيرية ليزول الجليد. ولا تفتي بقتلي لو سمحت بعد نصيّ هذا!!

السابق
موقع «جنوبية» اللبناني يندد بحملة يشنها أنصار حزب الله ضده
التالي
اعتصام لحملة بدنا نحاسب امام التفتيش المركزي وتوزيع بيانات