المشنوق : من الظلم اتهام اللبنانيين جميعا بالخضوع للسياسة الإيرانية

نهاد المشنوق

أكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في كلمة أمام مجلس وزراء الداخلية العرب 33 في تونس أنها المرة الثالثة التي يتكلم في مجلس وزراء الداخلية العرب، وقال:”الأولى كانت في المغرب والثانية في الجزائر والثالثة الآن الحمد لله في تونس، المفارقة أن هذه الجلسة تعقد في قاعة سميت باسم الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، ولي العهد السعودي الراحل الكبير، أمير الحكمة والعزيمة والبصيرة، الذي كانت جهوده في أصل اجتماع وزراء الداخلية العرب، والذي أسس منذ سنوات، حين لم يكن البال مشغولا إلى هذه الدرجة، كما هو الآن، ولا كان هناك مشاكل أمنية إلى الحد الذي نراه الآن، أنشأ مؤسسة للتعاون العربي في المسائل الأمنية والتنظيمية وقضايا صون الاستقرار ومكافحة الجريمة. بالطبع يظهر أكثر فأكثر مدى حاجتنا الملحّة والأكيدة والدائمة إلى مثل هذه المؤسسة التي أنشأها وأشرف على نموها الراحل الكبير”.

أضاف: “بالطبع ينتقل الحديث فورا إلى صاحب السمو، الأمير محمد بن نايف، الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، وهو ولي عهد العروبة المسؤولة، لأقول إنه تابع ما بدأه رحمه الله، مراكما خبرة طويلة في قضايا الأمن والاستقرار، فضلا عن نجاحاته التي لا ينكرها أحد، في مكافحة الإرهاب، وبالسرعة اللازمة، التي يجب أن تثير غيرة زملائه من وزراء الداخلية، وأنا أولهم. أقتبس هنا بعضا مما قاله صاحب السمو، الأمير محمد بن نايف: “كلكم تدركون أن الوطن العربي أرضا وشعبا يواجه تحديات تستهدف كيانه وأمن مواطنيه واستقرار دوله. فهو يواجه تحديات داخلية تتمثل في خارجين عن النظام وغائبين فكرا وعقلا، وضالين عن سلامة وسماحة العقيدة، ينتهكون حقوقهم وحقوق الوطن والمواطن، يعيشون مع الشيطان وللشيطان يعملون، ولا بد من التصدي الحازم لهم ويواجه تحديات خارجية تتمثل في أطماع أشرار بمقدرات الوطن العربي، تحديات تهدف إلى زعزعة دول العالم العربي وتهديد كياناتها وتهديد وحدتها والسيطرة على ثرواتها”.

أضاف: “في الدورة الماضية بالجزائر، قلت إن التحدي الثاني بعد تحدي الإرهاب هو التدخل الإقليمي المستمر الذي لن يحقق إلا المزيد من الاضطرابات والانقسامات المذهبية. اعتقدنا حينها أن الاتفاقات الدولية ستخفف من الاستعراضات العسكرية في مختلف العواصم العربية. لكن ثبت دائما أن العكس هو الصحيح. وثبت أن هذه الاتفاقات لا يخرج عنها، بالنسبة لنا على الأقل، إلا المزيد من الاستعراض والاستفزاز والمزيد من الانقسام داخل كل عاصمة عربية ورد ذكرها في سجل الأحداث الدائمة خلال الأشهر الأخيرة. كما ازدادت الصور وازدادت الإعلانات عن القدرة اللامتناهية لهذا التدخل. كان كلامي في ذلك الوقت مفاجئا للبعض. اليوم معالي رئيس الدورة بدأ قبلي وفاجأ الجميع. لكن أريد ألقول إن هناك عنصرا جديدا استجد في الواقع العربي، وأصبح قرارا لا يمكن الرجوع عنه، وهو القرار السعودي بالمواجهة. ربما كان مفاجأة للبعض، لكن لهذه المفاجأة، أو المفاجآت، ميزة لا يستطيع أحد أن يتجاوزها، وهي أن قرار المواجهة هو بداية استعادة التوازن. قبل ذلك كلنا نعلم أنه لم يكن هناك توازن بين الجهد العربي وبين المشروع الإيراني”.

وقال:”الأمر الآخر هو أننا كوزراء داخلية عرب، أو كمواطنين، وأستأذن هنا معالي رئيس الدورة وزير داخلية البحرين الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، أنا لا أوافق على أن ثقافتنا حول عمقنا العربي لم تعد واقعا ملموسا. فنحن لا خيار لنا غير هذه الثقافة، هي هويتنا، ولا مستقبل لنا غير هذه الهوية، ولا ماض لنا غير هذه الهوية، وأي خيار آخر هو سقوط في هاوية المشروع الأخر، وليس في الصواب العربي”.

وأكد أن “القرار السعودي، الذي أصبح الآن قرارا من دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، يستند إلى قاعدة سياسية، أهم ما فيها أنها تجمع المتناقضات من عرب وغير عرب، وتعمل تحت عنوان موحد، هو قاعدة التوازن. وهو أمر بدأ في مصر وذهب إلى أكثر من دولة في الإقليم، وإلى أكثر من رئيس أو ملك أو أمير، أو حتى رئيس دولة كبرى. مع العلم أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت المبادرة في المسألة المصرية، وكان لها دور فعال. لكنني، من موقع الدولة الصغيرة التي أمثلها، لا أرى أن هناك توازنا في المنطقة دون تفاهم يبدأ بين السعودية ومصر، مع احترامنا للجميع. هذا رأي من وزير يمثل دولة صغيرة وتجربته عمرها سنتان في الأمن، لكن أعود وأكرر أن هذا القرار هو الوحيد الذي يفتح باب التوازن، لأن ما قبله ليس كما بعده”.

وقال: “لفتني أيضا ما تفضل به فخامة رئيس الجمهورية التونسية عن الأولوية الوطنية، حين قال إنها تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والإعلامية، وكل ما من شأنه ضمان مناعة الدولة وتأهيل الفرد والمجتمع وتحصينهما ضد منازع اليأس ومناحي الغلو والتطرف والعنف، كما تتطلب إرساء المؤسسات المدنية والدستورية الكفيلة بتحقيق هذه المرامي ودعم هذه التوجهات. فقد مكنتنا هذه المقاربة من التحصين السياسي لجبهتنا الداخلية حتى لا تتشتت جهودنا وتستنزف قدراتنا في معارك جانبية يكون الجميع وقودها فتحرق الأخضر واليابس من تحتنا جميعا. بصراحة أرى في هذا الكلام أعلى نسبة من الدقة الوطنية المطلوبة من الجميع وللجميع”.

أضاف: “اسمحوا لي هنا بالقول إنه ليس لأحد أن يحسد وزيرا لبنانيا هذه الأيام على وقوفه بين الوزراء العرب. فهو يقف حتما في دائرة الاتهام، صح هذا الاتهام أو اعتراه نفاد الصبر. نعم لبنان اليوم متهم بعروبته كما لم يتهم منذ عشرات السنوات، وهو الذي دفع ثمن تثبيت هويته العربية حربا أهلية كلفت اللبنانيين مئتي ألف قتيل و15 عاما من الحروب الأهلية المتصلة. وهو يدفع، منذ الساعة الواحدة ظهيرة الرابع عشر من شباط 2005، أثمان تثبيت لبنانيته المتصالحة مع العرب، والمتكاملة مع مصالحهم الاستراتيجية”.

وتابع: “لم نصل إلى اللحظة التي يعيشها لبنان اليوم دفعة واحدة، بل تدرجنا وتدرجت الأزمة في مراحل عديدة، كان اغتيال شهيد لبنان والعرب رفيق الحريري لحظة من لحظاتها الكثيرة. فمن اغتال الرئيس رفيق الحريري حاول اغتيال عروبة لبنان. وما زال لبنان يواجه، ومن اغتال رفيق الحريري حاول اغتيال اللبنانية الرحبة التي جسدها. وما زالت هذه اللبنانية تواجه، رغم كل المظاهر التي تدفع الستنتاجات معاكسة”.

وقال: “أقرأ وأتابع ما يقال ويكتب في الصحافة العربية من أسماء تعرف لبنان ويعرفها، لكنها باتت قاسية عليه بقدر ما هو ودود اتجاهها. من الظلم اتهام اللبنانيين جميعا بالخنوع والخضوع للسياسة الإيرانية. وهم الذين قدموا الشهيد تلو الشهيد، منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة في العام 2004، إلى اغتيال الشهيد الدكتور محمد شطح في العام 2013، وهم في مواجهة مباشرة ضد المشروع الإيراني وتقاطعاته. ولا ننسى أنه من بين الشهداء أحد أنجح الضباط في قوى الأمن الداخلي، الشهيد اللواء وسام الحسن، الذي إذا ما اكتشفنا يوما، وسنكتشف بإذن الله، من قتل الرئيس رفيق الحريري، فبفضل حرفية ومهارة الفريق الذي أعده وأشرف عليه. وقد سقط لهذا الفريق شهيد آخر هو النقيب وسام عيد، الشاب اللبناني اللامع، الذي أهدى المحكمة الخاصة بلبنان اكتشاف شبكة الاتصالات التي استخدمت لمراقبة الشهيد رفيق الحريري وتنفيذ جريمة اغتياله. كما من الظلم اتهام لبنان بعروبته، الذي اعترف أمامكم بأن حكومته لم توفق بإدارة الموقف خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وخلال اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة. من الظلم اتهام لبنان هذا بأنه بات، بشكل نهائي، في موقع العداء للعرب، واستنتاج أنه يستوجب التخلي عنه دون تفريق بين أكثرية عربية الهوى والهوية وبين أقلية كبيرة وصاخبة تتولى تنفيذ مشروع يناقض مصالحها أولا قبل مصالح لبنان والعرب”.

أضاف:”إن محاسبة لبنان، مهما بلغت مشروعيتها، لا تتم بتجميد اللحظة الراهنة واقتطاعها من شريط الأحداث الممتد، ليس من 14 شباط 2005 وحسب، بل منذ عام 1980، حين بدأ يتضح أن لإيران مشروعا متكاملا في المنطقة، تجير له كل طاقاتها السياسية والفكرية الأمنية والعسكرية والمادية، حتى وصلنا إلى لحظة يتبجح مسؤول إيراني رفيع بأن بلاده تحتل أربع عواصم عربية”.

وسأل:”ماذا فعلنا جميعا؟ وماذا فعلنا كعرب مجتمعين؟ أعتقد أن هذا سؤال مشروع، وللبنان أن يعتز بجوابه عليه، فهو لم يقصر في أداء قسطه وإن كان اليوم منهكا بالقتل ومستنزفا بسطوة السلاح وضعيفا بضعف وقوف إخوانه إلى جانبه. ما يتكون اليوم بعد القرار السعودي بالمواجهة هو بداية موقف عربي شامل نرجو أن يكتمل ويكون قادرا على تحقيق ما نطالب به جميعا”.

وقال: “لكن سأكشف لكم أمرا: الكثير مما عشته وخبرته، في موقعي كوزير لداخلية لبنان، تمنعني المسؤولية من تداوله علنا، لكنني سأستعين بالتلميح والإشارة، والنباهة كبيرة ومتوفرة. حاولت خلال سنتين وأكثر أن أشخص مكامن الضعف في البنية الأمنية اللبنانية وأن أطلب المساعدة بشكل محدد ودقيق، من دون أن أفلح بالحصول إلا على القليل القليل من التعاون، وسأظل أطلب. ولولا الهبة السعودية الثانية التي أعلن عن وقفها لاحقا، لما كنا حصلنا على أي شيء. كما حاولت أيضا، خلال سنتين وأكثر، أن أشخص مكامن الضعف في البنية السياسية، وسط الاشتباك الدائر في لبنان المنطقة، وأن أطلب المساعدة أيضا بشكل محدد ودقيق، ولم ألق إلا الكثير من اللياقة وحسن الاستماع والقليل القليل من الاستجابة العملية. حققت الكثير من الأبواب، في الدول العربية وفي الدول الغربية، وحاولت، وهذه النتيجة التي وصلت إليها: اليوم أجدني في هذا المؤتمر أمثل بلدا مطلوبا منه، بكل إمكاناته البسيطة، فجأة ومن دون سابق إنذار، أن يهدم سياسة إقليمية عمرها أكثر من ثلاثين عاما. سياسة الدولة نفسها التي تقاتل في اليمن وسوريا والعراق وغير مكان، لكن رغم كل الإمكانات الضخمة التي تواجهها، أصر وأقول، إنه في النهاية، سننتصر حتما لأن لا أحد يستطيع تغيير هوية العرب ووجدانهم وتاريخهم”.

وتابع: “لقد جربنا في لبنان نظرية قوة لبنان في ضعفه، فكانت كارثة علينا، لا سيما أنها عنت في العمق التنصل من مسؤوليات لبنان العربية، قبل أن نعود وندفع ثمن فائض تحمله هذه المسؤولية، نيابة عن العرب أجمعين. ثم حاول من حاول، طبعا نتحدث عن الفترة الفلسطينية، ردا على هذه النظرية، أن يربط لبنان بمشاريع تفوق طاقته، فدفعنا، ردحا من الزمن، ولا زلنا ندفع إلى اليوم، أثمان نظرية أن ضعف لبنان في قوته، قوته الخارجة على الدولة التي لا ترتد عليه إلا إضعافا للمؤسسات والمجتمع والكيان. بين قوة لبنان في ضعفه وضعف لبنان في قوته، آن لنا كلبنانيين وعرب أن نتواضع ونتصارح ونقول إن ضعف لبنان في ضعفه، وأن ضعفه يستدعي الوقوف الدائم إلى جانبه، أيا كانت خيارات المواجهة الموازية لمسؤولية عدم التخلي عن لبنان. فالواحدة لا تلغي الأخرى”.

وقال: “المعادلة واضحة: لا تفهم لبنان ينهي خيارات المواجهة مع من باتوا غرفة عمليات للعدوان على أمن العرب، ولا خيارات المواجهة تلغي مسؤولية العرب تجاه لبنان. نعم أخطأنا حين ظننا أن صبر العرب علينا بلا حدود، وأن المعالجات المجتزأة كفيلة بتقطيع الوقت. لكننا، وهذا هو الأهم، لسنا على الجانب الخطأ من التاريخ، الذي يصنعه العالم بسيف الحزم، وبمواجهة صلبة تبذل فيها الدماء والأنفس والأموال”.

وختم: “لبنان، مهما غلبته المحن، وتحالفت عليه نقاط ضعفه، لن يكون شوكة في خاصرة العرب”.

السابق
الأكثرية تظهّر جهوزيتها لانتخاب رئيس الجمهورية
التالي
طلاب الكتائب: تعليق التظاهرة بعد الإدعاء على سوكلين وسوكومي