الدلالات.. التداعيات السياسية والأمنية لجريمة أنقرة الإرهابية

التفجير الإرهابي في أنقرة

أفردت الصحف التركية حيزاً مهماً من تعليقاتها وقراءاتها لتفجير أنقرة الإرهابي، وركزت خصوصاً على خلفياته، دلالاته، كما تداعياته السياسية والأمنية على المشهد السياسي الأمني في البلد..

اقرأ أيضاً: قولوا لا لإيران والسعودية وتركيا والأكراد

إذن، كتب “مراد يتكين” في صحیفة “راديكال” مقالاً بعنوان “متغيرات تفجير أنقرة”، طارحاً فكرة المتغيرات التي من الممكن أن تحدثها عملية التفجير الأخيرة التي ضربت قلب تركيا في العاصمة أنقرة وأودت بحياة ثمانية وعشرين شخصاً، ومنها احتمالية تغيير النظرة الأمريكية تجاه حزب الاتّحاد الديمقراطي”PYD” ؟؟ لاسيما بعد إعلان مسؤولين أتراك أن منفذ التفجير الانتحاري الإرهابي هو المواطن الكردي السوري صالح نجّار، والمنتسب لوحدات الحماية الشعبية”YPG” الذراع المسلّح لحزب الاتّحاد الديمقراطي”PYD” .
ولفت يتكين إلى قيام الخارجية التركية، بناءً على تعليمات من رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، بالتواصل مع الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا وروسيا، لتبيّن لهم أنّ هذا التفجير دليل دامغ على الهويّة الإرهابية لحزب الـ PYD. وتساءل الكاتب: “هل سيؤدّي هذا الحدث فعلاً لتغيير نظرة الولايات المتحدة الأمريكية والاتّحاد الأوروبي تجاه حزب الـ PYD أم لا؟؟؟”.
وأوضح يتكين أنّ الخلاف الحاصل بين أمريكا وتركيا حول حزب الـ PYD ليس بالأمر الجديد. ففي شهر أكتوبر من العام الماضي، قامت الخارجية التركية باستدعاء السفير الأمريكي في أنقرة، جون باس، بسبب قيام القوّات المسلّحة الأمريكية بتوفير غطاء جوّي لتقدّم قوات الـ PYD على الأرض. ورغم اللقاءات المتكرّرة بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا الجانبين، لا زالت وجهات النظر مختلفة تجاه هذا الموضوع، وهذا ما بدا واضحاً خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اسطنبول في شهر كانون الثاني/يناير الماضي؛ حيث بدت جسور التواصل منقطعة بين الطرفين فيما يخص الـ PYD. مضيفاً بأنه لم يسفر اللقاء بين رئيس الجمهورية رجب طيّب أردوغان وجو بايدن عن نتائج مثمرة أو توافق فيما يخصّ هذا الموضوع، مما أدّى إلى زيادة التوتّر وارتفاع حدّة الكلام؛ ليسأل الرئيس أردوغان الأمريكان بشكل مباشر: “هل أنتم معنا أم مع تنظيم الـ PYD الإرهابي؟”.
ونوه الكاتب إلى الموقف الأمريكي، وهو ما سوف يصعّب أمر ماهيّة الردّ للإدارة الأمريكية، لا سيما أن موقفها يتجسد في رؤيتها للـ PYD كقوة عسكرية محلية هامة في مواجهة تنظيم داعش، وليس سرّاً القول أنّها تريد استمرار هذا التعاون بينهما في مجال مكافحة الإرهاب. ولكن في نفس الوقت، لا تريد أمريكا أن تفقد حليفها التركي القديم والهام في المنطقة. لذلك يمكن القول أنّه حان الوقت لكي تقدّم الولايات المتحدة الأمريكية جواباً على السؤال التركي المُلِحّ من قبل أردوغان: “من هو حليفكم؟؟”. مشيراً إلى أن القرار الذي ستتخذه أمريكا سيكون ذا أهمية كبيرة بالنسبة للعلاقات التركية الأمريكية من جهة، ومسار المعارك في سوريا من جهة أخرى.
وختم مراد يتكين مقاله بالتأكيد على تعزيز الحجج التي تسوّق لها تركيا من خلال هذا التفجير، لا سيما فيما يخص المعادلة السورية، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستغيّر الولايات المتحدة الأمريكية من سياستها تجاه الـ PYD أم لا؟؟؟ وإذا تغيّرت، كيف سيؤثر ذلك على مجمل الأحداث بالمنطقة؟

انفجار في تركيا
انفجار في تركيا

من جھته، كتب “أورال جاشلار” في نفس الصحیفة مقالاً بعنوان “استهداف تركيا عبر الأكراد”، أشار فيها إلى وجود مؤامرة خفية غير ملموسة المعالم ضد تركيا، من قبل جهات تعتبر نفسها حليفة لهذه الدولة، وتأتي في مقدمتها دول غربية وأخری إقليمية. وتهدف هذه المؤامرة إلی ضرب الاقتصاد التركي وتقسيم البلاد واستنزاف القوی العسكرية والأمنية وإثارة النعرات الطائفية داخل البلاد، وكذلك من الأهداف الأخرى التي تسعی لها هذه المؤامرة: إقحام تركيا في حروب هي بغنی عنها مع دول الجوار، خاصة سوريا، ومن المحتمل روسيا وإيران والعراق لاحقاً.
وذكر جالشلار إنّ خلال الأعوام الخمسة الماضية واجهت تركيا مشاكل داخلية وخارجية، كان من الممكن تفاديها إذا ما كان المسؤولون في الحكومة يتحلون بقليل من الحكمة والنظرة البعيدة. وفي هذا السياق فإن صراع الحكومة التركية مع المواطنين الأكراد داخل البلاد، يعتبر منذ اللحظة الأولی صراعاً خاسراً. وعلی ما یبدو فإن الحرب علی تنظيم حزب العمال الكردستاني في تركيا بدأ بنفس الخطأ الذي ارتكبته في سوريا.
ونوه الكاتب إلى أن رحى الحرب الدائرة بين الحكومة التركية وتنظيم “بي كا كا” المسلحة تدور داخل المدن التركية، وليس علی الحدود أو خارج البلاد، وهذا يعني أن الاشتباكات بين الجانبين سيتولد منها الكثير من إراقة الدماء، وستؤدي هذه الحرب أيضاً إلی هجرة مئات الآلاف من المواطنين الأكراد داخل تركيا، الغارقة حالیاً بأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين.
ولفت جالشلار إلى استمرار واشنطن وفرنسا وإنكلترا وباقي الشركاء الأوروبيين على عدم اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كتنظيم إرهابي، وهي باتت ورقة ضغط قوية ضد تركيا، لا سيما ما تشكله من تهديد على حدودها الجنوبية المقابلة للأراضي السورية.. مسلطاً الضوء على الزيارات المتكررة لزعيم PYD صالح مسلم إلى باريس، وإنكلترا وأمريكا ولقائه مسؤولين رفيعي المستوى، مما يؤكد بحسب وجهة نظرهم أن الحزب هو تشكيل سياسي ديمقراطي لا علاقة له بالإرهاب أبداً. وأمّا بالنسبة للجانب الروسي، فموقفهم المؤيد للـ PYD لن يتغيّر مهما كانت المعلومات المقدّمة من الخارجية التركية. لأن روسيا، التي افتتحت مكتباً للـ PYD في موسكو، ستستمر في دعمها السياسي والعسكري لهم؛ لأنّ ذلك يعزز من مصالحها الاستراتيجية في سوريا. وهي ورقة تُفَعَّل بشكل واضح ضد تركيا.
وختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن تركيا تتعرض لمؤامرة من قبل دول كثيرة، وتستخدم الورقة الكردية لإخضاعها وتقويض سياستها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، مشيراً بأنه على الحكومة التركية أن تكون أكثر حذراً في عدم الانجرار وراء هذا الفخ، والعمل على حل القضية الكردية في عجل، والتوجه إلى طاولة المفاوضات دون تعنت في مواصلة عملياتها العسكرية؛ لأن ذلك سيزيد من تأزم الأمور أكثر.
وكتب “متين أرجان” في راديكال أيضاً مقالاً تحت عنوان “الضربة الأكثر إيلاماً في العاصمة أنقرة”، أشار فيها إلى التفجير الأخير في العاصمة أنقرة، واصفاً إياه بالضربة الأكثر إيلاماً لتركيا، بعد التفجيرات الأخيرة التي استهدفت منطقة سروج وأنقرة سابقاً.. مضيفاً بأنه بالتزامن مع استمرار قصف الجيش التركي لمواقع وحدات الحماية في شمال سوريا، جاء نفي حزب الاتحاد الديمقراطي”PYD” وحزب العمال الكردستاني “بي كا كا” أي تورط لهما في الهجوم الأخير.. ولكن في هذه المرحلة، من غير المهم معرفة هوية الجاني الحقيقي، لأن القضية الأكثر إلحاحًا هي الأمن؛ فتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي الناتو، وتمتلك جيشًا محترمًا وجهازي مخابرات وأمن معتبرين، كما أنها تشكل نوعًا من الجدار الذي يحمي من الفيضانات، حيث تساعد على إبقاء دوامة الاضطرابات الكبيرة السورية بعيدًا عن مشارف أوروبا.
ولفت أرجان إلى أخطاء وقعت فيها حكومة العدالة والتنمية عبر خطوات اتخذتها، والتي قوضت من خلالها قدرات الأمن التركي في السنوات الأخيرة، وهي حالات مؤامرات الانقلاب واسعة النطاق، والمعروفة باسم الأركيناكون والمطرقة، والتي أدت إلى إقالة أو سجن كبار العسكريين المسؤولين وتآكل الروح المعنوية للجيش، وقيام الحكومة التركية بتسريح الآلاف من ضباط الشرطة المرتبطين بتنظيم الكيان الموازي التابع لفتح الله كولن، مما أدى إلى انخفاض فعالية قوة الجيش، وتأسيسها لعلاقات مضطربة على نحو متزايد مع الدول المجاورة، مما قيّد دبلوماسية تبادل المعلومات الاستخبارية مع تلك الدول.
وأوضح الكاتب أن مهمة تحسين الظروف الأمنية في الداخل التركي تبدو شاقة للغاية في ظل الحرب العالمية المصغرة الجارية في سوريا، ولكن تحقيق ذلك سيقدم ميزة إضافية، تتمثل بوضع ضوابط أكبر للحدود ومراقبة حركة الهجرة، حيث ما زال حوالي 10.000 مهاجر يعبرون من تركيا إلى اليونان عبر بحر إيجة في كل أسبوع، كما رفضت المستشارة الألمانية أنجيلينا ميركل الالتزام بخطة أنقرة المقدمة لدول الاتحاد الأوروبي والساعية لإعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين الذين يعيشون الآن في تركيا.
وختم متين أرجان مقاله بالتأكيد على ضرورة إعطاء السياسة الخارجية التركية الأولوية لأمنها القومي، بدلًا من التركيز على دول الجوار، وهذه المقاربات من الممكن أن تنطوي أولًا على الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني واستئناف مفاوضات السلام، ومن بعد ذلك الالتفات للتركيز بشكل حازم على الإرهاب المحلي.

(المشهد التركي)

السابق
الرئيس سعد الحريري أمام وفد العشائر العربية
التالي
ماذا يقول ناشطون معارضون لحزب الله عن الأزمة مع الخليج؟