لبنان مستعمرة إيرانية أم لا؟

خيرالله خيرالله

سيتبيّن يوما ان المملكة العربية السعودية قدّمت اكبر خدمة يمكن تقديمها الى لبنان. دعت اللبنانيين الى الاستيقاظ على واقعهم وذلك في ضوء ما اتخذته من اجراءات تُعتبر حقّا طبيعيا لها. في الواقع، دعتهم الى استيعاب خطورة تحوّل لبنان تابعا لايران لا اكثر ولا اقلّ.

تعتبر الاجراءات السعودية من النوع الذي لا سابق له في تاريخ العلاقات بين البلدين. جاءت بعدما اثبت لبنان بالملموس انّه صار مجرّد مستعمرة ايرانية. اكبر دليل على ذلك ان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، رئيس التياّر العوني، بات بمثابة وزير للخارجية الايرانية في ايّ محفل عربي او اسلامي او دولي.

من المفيد ان يعي اللبنانيون انّ الموقف السعودي هو ايضا موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي لم يتأخّر عن دعم ما قرّرته المملكة وشدّد في الوقت ذاته على ان لبنان بات يغرّد خارج السرب العربي.

طال صبر المملكة ودول الخليج العربي، خصوصا بعدما تحوّل لبنان منبرا تقول منه ايران ما لا تريد قوله عبر وسائل الاعلام فيها او عبر مسؤوليها. اكثر من ذلك، صار لبنان مكانا تنطلق منه اجهزة اعلام وفضائيات يحميها «حزب الله« لا هدف لها سوى مهاجمة دول عربية معيّنة تخوض فيها ايران حروبا على العرب. ما الذي يمكن توقّعه عندما يصبح لبنان مجرّد «ساحة« تستخدم في عملية ابتزاز للعرب، خصوصا أهل الخليج؟

اقرأ أيضًا: عندما يحاضر حزب الله تابع ولاية الفقيه… ضد التبعية!

لم يترك «حزب الله« وحلفاؤه من جماعة النائب ميشال عون او من السياسيين المنتمين الى مجموعة يتامى النظام الامني السوري ـ اللبناني مناسبة الّا وتهجّموا فيها على دول الخليج العربي مع تركيز خاص على السعودية. صار هتاف «الموت لآل سعود« ملازما للخطابات التي يلقيها الامين العام لـ«حزب الله« السيّد حسن نصرالله.

صار حسن نصرالله يسمح لنفسه حتّى بالقاء دروس في الوطنية على السنّة العرب متجاهلا ان ايران جزء لا يتجزّأ من عملية اثارة الغرائز المذهبية في المنطقة، وهي عملية لا تخدم، للاسف الشديد، سوى دولة عنصرية مثل اسرائيل.

كل السياسة الايرانية قائمة منذ سبعة وثلاثين عاما على المذهبية، خصوصا بعد الاحتلال الاميركي للعراق في العام 2003 ووصول الميليشيات الشيعية العراقية الى السلطة في بغداد على دبّابة اميركية. شعرت ايران، بعد خوضها الحرب على العراق بالتحالف مع الولايات المتحدة، انّ في استطاعتها اخضاع دول أخرى في المنطقة.

هذا ما يفسّر تلك الهجمة على لبنان التي تخلّلها التخلّص من الرئيس رفيق الحريري في مثل هذه الايّام قبل احد عشر عاما. كان ذلك الحدث نقطة تحوّل على الصعيدين اللبناني والاقليمي، وكان في جانب اساسي منه تجديدا للهجوم على لبنان من اجل الامساك بمفاصل السلطة فيه. هل صدفة ان «حزب الله« الذي رفض دائما منح الثقة لحكومات رفيق الحريري بدأ يصرّ، بعد اغتيال الرجل، على ان يكون ممثلا في كلّ حكومة منذ اليوم الأوّل للتخلص من باني لبنان الحديث؟

لم يسبق للسعودية ان صبرت على بلد صبرها على لبنان وعلى بعض ابنائه. كان عليها وضع اللبنانيين امام مسؤولياتهم في وقت يعاني البلد من مشاكل لا تحصى بدءا بالفراغ الرئاسي الذي يفرضه «حزب الله« الطامح الى تأكيد ان البلد كلّه رهينة لديه.

كان مفترضا في الحكومة اللبنانية ان تتنبّه باكرا جدّا الى خطورة تحوّل البلد قاعدة ايرانية ووزير خارجيته بدلا عن ضائع من وزير الخارجية الايراني.

كذلك، كان على الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف واضح من الحملات التي تتعرّض لها المملكة العربية السعودية، كما كان عليها استيعاب ان ايّ شتيمة للمملكة العربية السعودية سترتدّ على لبنان. ما هي المصالح السعودية في لبنان؟ يستطيع السعودي الذهاب الى ايّ مكان آخر في العالم في حال كان يريد السياحة. ماذا لدى لبنان يقدّمه اكثر مما تستطيع ان تقدّمه تركيا على سبيل المثال وليس الحصر.

في هذه المرحلة الصعبة والمعقّدة التي يمر بها لبنان وكلّ القطاعات الاقتصادية فيه، على رأسها القطاع المصرفي، يبدو البلد مقبلا على فترة اقلّ ما يمكن ان توصف به انهّا غير مريحة.

هل في استطاعة لبنان الرافض ان يكون ولاية ايرانية وان يبقى عربيا، كما يؤكّد الرئيس سعد الحريري، مواجهة العاصفة التي يبدو انّها مقبلة عليه بسرعة جنونية؟

تبدو العاصفة المقبلة على لبنان عاتية. ما قامت به السعودية ليس سوى اوّل الغيث، خصوصا اذا لم يستوعب اللبنانيون انّ قرار المملكة كان من اجل التنبيه الى انّ الوضع الراهن لا يمكن ان يستمرّ الى ما لا نهاية. هل في استطاعة لبنان الردّ على «حزب الله«، اي على ايران؟ ام صار على اللبنانيين الرضوخ لامر واقع متمثّل بان بلدهم مخطوف ومغلوب على امره وان نشر البؤس فيه هدف ايراني بحد ذاته؟

الثابت ان لبنان في وضع لا يحسد عليه، خصوصا انّه بات عليه تغطية ما يقوم به «حزب الله« في سوريا حيث يشارك في حرب على الشعب فيها من منطلق مذهبي. مصيبة اذا استقالت الحكومة ومصيبة اذا لم تستقل. ما صار مطروحا صراحة كيف تتصرّف الحكومة للحدّ من الاضرار الناجمة عن اعتبار «حزب الله« البلد ملكا له وتابعا لايران، اي مستعمرة ايرانية بكلّ ما في كلمة مستعمرة من معنى؟

(المستقبل)

السابق
كيري يتحدث عن خطة بديلة لسوريا في حال لم يتم التوصل الى سلام خلال اشهر
التالي
ماذا أنتم فاعلون بـ «الدولة المصادَرَة»؟