دولة اللادولة

حزب الله
أدى قرار المملكة العربية السعودية بوقف المساعدة المقدمة إلى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى والبالغ مجموعها 4 مليار دولار أميركي إلى ردود فعل عمّقت الانقسام اللبناني الحاد أصلاً.

يقال أن قرار المملكة جاء رداً على مواقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في اجتماعات الجامعة العربية التي ناقشت الاعتداءات التي تعرضت إليها بعثتها الدبلوماسية في طهران إثر إعدام الشيخ النمر في الرياض.

قسم من اللبنانيين حمّل حزب الله المسؤولية بسبب خطابات امينه العام ضد المملكة وضغطه على باسيل لأخذ موقف الامتناع عن التصويت والذي فسرته المملكة بطعنته خنجر في صدر التضامن العربي.

اقرأ أيضاً: طفح الكيل لدى السعودية ورفعت كرباجها…!

قسم آخر، أشار إلى حق لبنان أخذ المواقف التي يراها صحيحة وأن لبنان لا يريد مساعدات مشروطة. لكن يبدو أن الرابح الأساس من موقف المملكة العربية السعودية هو حزب الله نفسه، والذي يزيد من انخراطه في مشروع إقليمي يؤدي حتماً في حال استمراره إلى تفكيك الكيان اللبناني. حزب الله ينطلق من نظرية أن الأساس هو الحزب وهو يتكون الكيان وتقوم كل مؤسسات الكيان نجومه الحزب ومصالحه، وإذا تعارضت مع مصلحة فلا ضرورة لهذه المؤسسات.

عندما ناقش زعماء الطوائف السياسيين سلاح حزب الله، توصلوا إلى ضرورة وضع خطة دفاعية عمادها الجيش اللبناني وينخرط فيها سلاح حزب الله، أطراف لبنانية عدة تقدمت باقتراحات إلا حزب الله الذي لم يبادر إلى طرح خطة دفاعية وطنية عامة يكون هو جزء فيها.

وأقفل الحوار من دون التوصل إلى نتيجة. وعندما اندلعت الحرب في سورية، بادر حزب الله إلى الانخراط فيها ضارباً بعرض الحائط آراء المكونات اللبنانية الأخرى بمسألة التدخل في الحرب في سورية واشترط في علاقاته مع القوى اللبنانية الأخرى عدم نقاش موضوع تدخله، ولم يأخذ مصلحة الكيان بعين الاعتبار تدخل تحت شعارات متنقلة كان آخرها لمحاربة الإرهاب التكفيري حتى لا يأتي إلى لبنان، متجاهلاً أن الإرهاب التكفيري موجود في لبنان منذ سنوات طويلة وأن سلوك حزب الله في سورية يريد من نحو الإرهاب في لبنان، وعندما واجه اللبنانيون استحقاق رئاسة الجمهورية، اشترط حزب الله أن يتم انتخاب مرشحه النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية أو لا رئيس هذا مع تشرقه الدائم بالديمقراطية. وهو العلم بوجود قوى لبنانية توافق على مجيئ عون على رئاسة الجمهورية، وبالتالي عُطلت المؤسسة الأولى في البلاد واستطاع حزب الله وحلفائه تحويل مجلس النواب إلى مجمع تجمع من يريد ويُقفل أبوابه عبر التغيب عن حضور الجلسات وتطيير النصاب إلى تعطيل المؤسسات التشريعية وبالتالي تتحول القوانين إلى قرارات حزبية تتخذها قيادات حزبية من هنا وهناك لا صفة تشريعية لها.

حزب الله في سوريا

أما الحكومة الموجودة، فمن تابع فترة تشكيلها، لاحظ أن حزب الله أصر على إمساك بالسياسة الخارجية عبر حليفه عون وطلب إطلاق يده في القتال في سورية وقدم تنازلاً وهمياً لخصمه تيار المستقبل الذي وافق على استلام الحقائب المسؤولة عن الوضع الداخلي. وكان حزب الله يعرف ان الوضع في الداخل يسير من سيء إلى أسوء وبالتالي فالحكومة ستكون عاجزة عن تقديم أي حل للمشكلات الموجودة. في حين يبقى حزب الله ممسكاً بالوضع الأمني. وبالعلاقات الخارجية يسير وزارة الخارجية وفق خطة وسياسة من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان وعلاقته بالمحيط.

اقرأ أيضاً: بالأرقام (1): شكراً دول الخليج.. شكراً السعودية

وقرار المملكة العربية السعودية الأخير سيؤدي حتماً إلى إضعاف قدرات الجيش اللبناني، مما يفسح في المجال لتقدم حزب الله وليقدم نفسه الطرف العسكري الأساس في البلد، وبالتالي يكون قد نجح في تعطيل وإضعاف مؤسسات السلطة مجتمعة ومتفرقة. أما إذا سأل أحدنا عن القضاء والهيمنة عليه، فإلينا المثال الواضح المحكمة العسكرية وصلاحياتها الموسعة، والحملات الدائمة للتشكيك بالقضاء وهي خطة ستؤدي حتماً أن تكون المرجعية القضائية موجودة خارج الجسم القضائي. وبالتالي يكون حزب الله قد نجح في بناء دولة اللادولة على الرغم من الشعارات التي يرفعها حول ضرورة وأهمية وجود دولة قادرة وقوية، وأعتقد أنه كان يقصد دولته، أي دولة حزب الله وليس دولة الكيان اللبناني.

السابق
فارس والفرس
التالي
الإمارات تمنع رعاياها من السفر إلى لبنان وتخفض تمثيلها الدبلوماسي