إلى السعودية: أضيئوا شمعة الدعم بدل أن تلعنوا ظلام الخذلان

لم تكتفِ المملكة العربية السعودية بخطوة وقف هبتي الجيش اللبناني والقوى الامنية. الخطوة الثانية كانت أمس، عبر إعلان السلطات السعودية، بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، خفض التمثيل الدبلوماسي في بيروت، ودعوة رعايا البلدين الى مغادرة لبنان، مع منع رعايا الدولتين من السفر الى لبنان.

خطواتٌ أظهرت أنّ الدولتين غير راضيتين عن البيان الذي صدر عن الحكومة الإثنين، وبالتالي فإنّ السؤال الذي يجول في خاطر الكثير من اللبنانيين: هل ثمّة خطوات أخرى بعد؟ وإلى أين سيصل الموقف السعودي من لبنان؟ الذي انتقل من مرحلة فرض عقوبات على حزب الله إلى مرحلة سحب البساط من تحت كل اللبنانيين ممن يؤيدون السعودية أو من يخاصمها أو يعاديها.

إقرأ أيضاً: بعد تحذير رعاياها بمغادرة لبنان…التصعيد السعودي إلى أين؟

الجميع يعلم، وصانع القرار في السعودية كذلك، أنّ حزب الله لن يسلم للمملكة في مثل هذه المواجهة. حزب الله يخوض حرباً مع المملكة في سياق المواجهة التي تقودها السعودية مع إيران. وما جرى في مجلس الوزراء الإثنين أظهر بوضوح أنّ البيان الذي صدر هو أقصى ما يمكن أن يصدر بإسم لبنان الرسمي، وأعلى من ذلك غير ممكن، في ظلّ التوازن القائم بالبلد.

بداية، من حقّ السعودية أن تغضب وأن تلغي الهبة العسكرية. ومن حقّها أن تتخذ خطوات تصعيدية لجهة التعامل مع لبنان بإعتباره دولة لم تقابل الدعم السعودي المستمر للبنان، اقتصادياً ومالياً، بمَا يفترضه نظام المصالح اللبناني مع المملكة. هذا قبل الحديث عن نظام المصالح العربية ومقتضيات الأخوة العربية. ومن حق القيادة السعودية، بمعيار العلاقات الثنائية بين الدول، أن تتعامل بالمثل مع الموقف اللبناني الرسمي تجاه قرار النأي بنفسه حيال العدوان الذي تعرضت له ممثليات السعودية في إيران.

دول مجلس التعاون الخليجي
دول مجلس التعاون الخليجي

لكن هل الموقف السعودي سيكتفي برسائل الإستياء الشديد التي وجهها حتى الأمس؟ أم يمهد، من خلال الخطوة الأخيرة تجاه رعاياه وحيال التمثيل الدبلوماسي، إلى ما هو أشد وأقسى على لبنان… وكما تردد بعض الصحف الخليجية عن توقعات بطرد لبنانيين من الخليج وغير ذلك من خطوات اقتصادية ومالية ضد لبنان؟

ازاء هذه المخاطر الجدية على لبنان، يبرز سؤال: ما هي الحكمة السعودية من وراء هذه الخطوات؟ هل هو تمهيد لانسحابها من لبنان؟ واذا تمّ هذا الانسحاب فمن سيملأ الفراغ؟ بل ما هي الاستراتيجية التي تقف وراء الموقف السعودي والخليجي عموماً؟ وإذا كان الهدف الخليجي استنقاذ لبنان من الهيمنة الإيرانية، فما هي الاستراتيجية لإستنقاذ لبنان من هذه الهيمنة؟ بل ما هي الثمار السياسية التي يمكن أن تحققها الدول الخليجية من الإنسحاب من لبنان؟ أيضا اذا كان الهدف مواجهة الهيمنة الإيرانية ومواجهة نزعات الخروج على شروط الدولة، فإنّ إيران وحزب الله سيرحبان بالفراغ الذي يمكن أن يحدثه انسحاب دول الخليج من لبنان. وإيران ستسعى لملء الفراغ. علماً أنّ استراتيجية حزب الله تقوم على إفراغ الدولة من مضمونها. على الأقل هذا ما تظهره الوقائع التي جعلت منه كياناً لا يتلاءم مع سيادة الدولة ومرجعيتها. وبالتالي أيّ إضعاف وتراجع للدولة ومؤسساتها يصبّ في مصلحة مشروعه.

يجب أن تعلم القيادة السعودية والقيادات الخليجية عموماً أنّ ما صدر عن الحكومة في بيانها الأخير، والذي لا يُرضي أغلبية اللبنانيين، هو أقصى ما يمكن أن يفعله أصدقاء المملكة ودول الخليج داخل الحكومة. علماً أنّ هؤلاء الأصدقاء يقولون كلاماً في إيران وولاية الفقيه وفي حزب الله، أكثر مما نتصور، وهم يعارضون سياسات الحزب ويعبرون بشكل دائم عن اعتراضهم على انتهاكه السيادة والدولة ونظام المصالح اللبناني والعربي بالكلمة والموقف، من دون السقوط في الحرب والاقتتال الداخلي.

وهذا بحد ذاته تأكيد على خيار الدولة والوحدة الداخلية وعنصر قوة لانتماء لبنان العربي: فهل المطلوب التخلي عن هذا الخيار القوي في مضمونه اللبناني والعربي الإستراتيجي، والضعيف أمام لغة السلاح والاقتتال؟ هل المطلوب أن يضعف أكثر؟ لصالح خيار تحويل لبنان إلى قاعدة إيرانية بالكامل أو ساحة حرب أهلية.

هجمة سعودية مرتدة ضد طرد اللبنانيين: لا تتركوا لبنان لقمة سائبة لإيران

ببساطة من حق السعودية أن تتصرف وفق ما ترتئيه… أن تدير الظهر للبنان، وأن تقول للحكومة: “لم نعد نحتمل الخذلان”. وهذا يزعج ويؤذي اللبنانيين ويشكل ضربة للبنان، ولكن هذا أيضاً هزيمة للسعودية أمام إيران في لبنان.

العريضة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري لا تكفي. يجب أن تعود المملكة إلى لبنان، بالسياسة والإحتضان لحلفائها ولمشروع الدولة. يجب أن تضيء شمعة الدعم بدل أن تلعن ظلام الخذلان.

السابق
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الثلاثاء 23-2-2016
التالي
عن الحريري … وإعلامٌ بلا صرف و نحو