آن أوان الشطرنج

الكاتب والصحافي راشد الفايد

لم تعبّر قوى 14 آذار عن هزالها السياسي قدر ما عبرت في لقائها الأخير. كانت تحاول لملمة أطرافها أكثر من ان تجدّ في اتخاذ موقف صارم، من خروج وزير الخارجية على الموقف العربي التقليدي للبنان، اي تأييد الاجماع العربي، أو الحياد عن اي خلاف عربي، وهو ما اتبعته بيروت منذ تأسيس جامعة الدول العربية، وتبنت الاخيرة الاجماع في قراراتها، اكراما لحياد لبنان.

كان يفترض أن تبادر 14 آذار إلى اتخاذ موقف من تواطؤ وزير الخارجية مع النهج الايراني، ضد السعودية، منذ انعقاد مجلس الجامعة العربية، و”منظمة التعاون الاسلامي”، وقبل قرار الرياض وقف الدعم التسليحي. فالاعتراض هنا، ليس تملقا للسعودية، بل حماية لمصالح لبنان، التي يقامر بها حزب الأمين العام، منذ تحرير الجنوب، عام 2000، وانصرافه الى قتال الشعوب العربية لحساب ايران. كذلك، ليس نقيصة ان يجاهر رافضو مشروع الهيمنة الايرانية، بانتمائهم السياسي لقيادة السعودية، بعدما صار الصراع مكشوفا وواضحا، بتصدي الرياض للهيمنة المعادية لهوية المنطقة العربية. بين 14 آذار 2005 واجتماع الأحد، مسيرة من افتقاد التبصر والعمل العلمي المنظم. فلا هيكلية تنظيمية، ولا مركز بحث استراتيجي، ومكاتب مختصة، تعطي حركة 14 آذار منهجية تفتقدها، خصوصاً أنها تحرص على سلمية دورها، فيما خصمها السياسي يتصرف بعقلية الغزو العسكري، تفضحه عمليات شراء الاراضي الاستراتيجية في البلاد، وفرض ما يشبه “الاستيطان” في مناطق معينة للسيطرة على خطوط التواصل البري، كطريق بيروت – دمشق، او بيروت – الجنوب، وأعالي الجبال. وما اشتباك السعديات اخيراً، إلا رسالة “توضيح” انه يعف، موقتا، عن تهديد الاستقرار الهش. كل ذلك، مضافا اليه تجنيد ما يسمى بـ”سرايا المقاومة”، من طائفة المتبطلين الباحثين عن دخل بلا جهد من كل الطوائف، والمناطق.

اقرأ أيضًا: قرارُ المملكة … الهجوم
وفي خط موازٍ، شبكة من القنابل الصوتية، تضم “سرايا” من السياسيين، وأشباههم، عدا مراكز البحث ووسائل الاعلام، من كل الانواع، و”فصائل الفيسبوك” اليقظة وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. يشير القرار السعودي، علانية، الى ان المواجهة مع طهران، في لبنان، لم تعد من خلف الستارة، وان بدأت من موقف وزير الخارجية المدان، فإنها ستمتد الى حالات اخرى، ستحملها الايام المقبلة، ولا يمكن التعامل معها، بمنطق كل أمر بأوانه، كما لا يمكن التعامل معها من دون التنسيق مع الحليف الاقليمي ودعمه، كما يفعل المعسكر المواجه، محليا واقليميا.
تلعب 14 آذار طاولة الزهر، ويلعب خصمها الشطرنج، فكيف تريد ان تربح. تأنف، محقة، عن حمل السلاح، وتسهو عن سلاح التخطيط والمنهجية العلمية. النقلة في الشطرنج تقتضي ان يعرف اللاعب خطوته التالية قبيل تنفيذ السابقة عليها. وفي طاولة الزهر، الأمر مرهون بخطوة الخصم والحظ.
آن أوان الشطرنج.

(النهار)

السابق
اتفاق ميونيخ «بطة سياسية عرجاء»
التالي
جنبلاط يرفض الوقوف مع محور ضد محور واتصالات مع حزب الله