نحن والأرقام: علاقة عكسية

ترتبط الأرقام عادة بالإحصاءات التي تُوصل الى التقدّم والتطور، الا أننا في لبنان نربط الأرقام بالمصائب والأهوال والفلتان.. كيف؟

عُقدت الجلسة الخامسة عشرة لطاولة الحوار أو (الحمار) في زلة اللسان لاواعية، وفي الثاني من آذار المقبل تعقد الجلسة التاسعة والثلاثين لإنتخاب رئيس للجمهورية (الفاضلة التي نادى بها أفلاطون عام 380 قبل الميلاد)، ومنذ ايام انعقدت الجلسة الرابعة والعشرين لجلسة الحوار بين حزب الله والمستقبل، ومنذ أيام، وكل يوم نتبلّغ عن اسم شهيد يسقط في سوريا من الشباب الجامعيين او غير الجامعيين حيث وصل العدد الى ما يفوق الـ2000 شاب. وايضا بلغت زيارات رئيس وزرائنا السابق، في الرابع عشر من شباط، من بلده الأول السعودية الى بلده الثاني لبنان رقم واحد لهذا العام، ولم نتبلّغ رقم زيارة الكهرباء لبيوتنا ولا حجم الدين المتراكم علينا كمواطنين، ولا عدد المرات التي نطلب فيها وظيفة ما هنا او هناك.. بل ربما توّقف العديد منّا عن تقديم عشرات الطلبات عبر النت لطلب وظيفة هنا او هناك في دول الخليج العربي!

ولكن لا ندري كم عدد المرات التي نزل فيها جماعة الحراك المدني لمواجهة الفاسدين(كلّن)، ولا عدد المرات التي رجعوا فيها الى منازلهم خائبين..

كما بلغ عدد شهداء الهبّة الفلسطينية المئتي شهيد تقريبا – دون احتساب الجرحى والأسرى – دون ان يكون هناك من يُحصي من الوزارات العربية عدد الأيتام والأرامل والأمهات الثكلى. وصار عدد الشحاذّين في بورصة المعارك الدائرة في حلب، لذا لن نطلب من أي دولة مشاركة في المعارك في سوريا أيّ احصاء حتى تنتهي هذه المعركة “الدولية” بل الأممية هناك خوفا من إلتهائهم بالتعداد كي لا يتأخروا عن معركتهم الأساسية في إسقاط بشار الأسد!.

ولن ننسى ارتفاع عدد الإنفجارات مستقبلا عند انطلاق معركة (القدس) عفوا “الرقة” حيث اجتمعت دول العالم على تحريرها او احتلالها لا فرق.. ولن نتوقف عند عدد الخطابات التي يُلقيها علينا السيد حسن نصرالله كل اسبوع او أكثر مُعلنا أمرا جللا وموقفا خطيرا.. علما ان الخطر بلغ مراحله التي تفوق الخيال.

اقرأ أيضاً: الحراك المدني (1) نقطة مضيئة لليل السياسيّ اللبناني…

كما لن نسأل عن عدد التحذيرات من فتنة سنية- شيعية التي تخطت ملايين المرات.. والسؤال هل ما يجري يُسمى شيئا أخرا غير الفتنة؟ لدرجة ان فيلسوفا عربيّا صار يحدثنيّ عبر الفايسبوك عن الشيعة وما يقولون؟

ولن انسى ان عدد المرشحين في بلد – كان يختنق بعدد مواطنيه الأربعة ملايين منذ أربع سنوات، والذي قفزعددهم فجأة الى الستة ملايين او اكثر، و”يتناطح” أربعة او خمسة أو ستة مرشحين على منصب واحد ضمن طائفة واحدة وعصبوية واحدة!. اضافة الى انه تحكم هذه الملايين الأربعة طائفتين بولائين خارجيين تميلان مع كل مائل.

الأرقام في بلدنا لا توصلنا الى شيء سوى المصائب والكوارث وعدد الضحايا كالضحيّة جورج الريف ومارسيلينو زماطا وآخرين لا نحفظ اسماءهم لكثرة عددهم..

في بلدنا الأرقام لا تذكرّنا سوى بالـ19 طائفة، وبالرؤساء الأربعة، والفوائد على الدين العام التي وصل الى 65 مليار، وبعدد المرميّن دون ضمان صحيّ اوأو اجتماعي، وبعدد اللاجئين من سوريا والعراق الى لبنان، ولا تذكرنا الا بعدد المؤسسات التي ترعى الحوار، وكأن الحوار صار يجب ان يسمى “خوارا”..

وعلى سيرة الغنم كان فيلم جريدة النهار معبّرا عن حالنا التي ازعجت الكثيرين حين وصفنا مارسيل غانم بـ”الغنم”.. على اساس اننا أسُوُد مثلا!!

والأرقام تحدثنا عن تعويضات النواب الراحلين ورواتبهم، وتذكرنا بعدد سجناء رومية المكدّسين والموقوفين تعسفا، وبعدد العملاء الذين أطلقهم القضاء “شفقة” ورحمة على اقتصاد لبنان الفقير لينفقوا أموال اسرائيل من اجل تنمية الإقتصاد المنهار! ربما هي صناعة مهن جديدة.

والأرقام تحدّثنا عن عدد وسائل الإعلام، وعدد اشتراكات الكهرباء، وعدد اشتراكات النت السريع! وعدد المطاعم في لبنان، و”النايتات” التي تؤوي داخلها زعماء عصابات المخدرات.

الحراك المدني لبنان

ولا ننسى عدد برامجنا الفنية التي تخرّج عشرات بل مئات المطربين والمطربات إحياء للفن في لبنان.. بلد النور والأنوار، والوزير والوزراء، والزعيم والزعماء.. بلد الكازينو والبينغو والدعارة..

بلد تهريب الطاقات كل الطاقات.. لأجل أن يسترجعهم العونيون والقواتيون والكتائبيون..

بلد توريد المقاتلين كمن ينادي على راكب لتنطلق البوسطة: راكب عاليمن.. راكب عالشام.. راكب عالموصل.. راكب عالرقة..

اقرأ أيضاً: سوريا الأسد إلى ما لا نهاية

بلد يستنزف نفسه، إما بالفلتان الأمنيّ او بالفلتان الصحيّ او الفلتان الاقتصاديّ او بالفلتان السياسيّ او بالفلتان العسكريّ، او بالفلتان الأخلاقي.

السابق
مقاتل من حزب الله… يتحدث عن الحرب والحب (1)
التالي
فضيحة نجل اردوغان