عروبة فلسطين ويهوديتها…

الوضع الدولي والإقليمي

1- قيل الكثير في وصف ونقد السياسة الاميركية خلال السنوات السبع الماضية في عهد الرئيس “باراك أوباما”، وكانت أعنف الهجمات تلك التي شنَّها رموز الحزب الجمهوري لإبراز فشل إدارة “أوباما” في إدارة الأزمات تحت عنوان الامتناع عن التدخُّل والهبوط بالدور الأميركي على المستوى الدولي. هذه الفكرة سمحت لبعض المنظِّرين السياسيين بالاستنتاج المبسّط القائل بانتهاء نظام القطب الواحد لمصلحة تعدُّد الأقطاب في المسرح الدولي. ومما عزَّز هذا الاستنتاج السياسة الروسية الجديدة في أوكرانيا وسوريا، وكذلك طبيعة المعركة السياسية والدبلوماسية التي خاضتها إيران من أجل الوصول للاتفاق حول نزع إمكانية التسلُّح النووي بادعائها الانتصارات المستمرة.

2- اعتبر البعض إعلان الإدارة الأميركية عن فشل مساعيها لإنجاز حل تفاوضي فلسطيني-اسرائيلي استغرق العمل به أكثر من سنتين، أنه انكسار للإدارة الاميركية دون التمحيص والتدقيق بالمواقف المتباينة داخل مراكز صناعة القرار الأميركي التي لم تُجمِع حتى الآن على ضرورة إنجاز حل الدولتين وإجبار حكومة اسرائيل على الانضباط للمصلحة الاميركية.

ولمّا كان الدورالاسرائيلي- اليهودي هو جزء من منظومة صناعة القرار في واشنطن، فإنّ هذه النتيجة عكست عدم نضج مؤسسات ومراكز صناعة القرار الأميركي للاستجابة إلى الانتقال من تأييد خيار حلّ الدولتين إلى تطبيقه في الواقع. وهذا لا يتعلّق فقط بالعوامل الداخلية ذات الوزن الحاسم في صناعة القرار الأميركي، بل يرتبط أيضاً بما يجري في منطقة الشرق الأوسط من صراع إقليمي شمل سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا بالدرجة الاولى. ومستوى تأثير هذا الصراع على مسار القضية الفلسطينية وعلاقتها بالقرار الأميركي-الاسرائيلي. وهنا ينبغي التوقف أمام حقيقتين على صلة بموضوعنا:

الحقيقة الأولى: إنهيار الرهان على التحالف الأميركي مع حركة الإخوان المسلمين على المستوى الدولي بعد سقوط نظام الأخوان المسلمين في مصر، والتغيُّر السّلمي للنظام في تونس، وتصاعد في منسوب الاشتباك التركي مع القوّتين الإقليميتين روسيا وإيران.

هذا ما أسفر عن تغيير استراتيجي في وضع حركة حماس ضمن جغرافيا قطاع غزة التي شكّلت للحظةِ قاعدة حل جديد للمسألة الفلسطينية وفق برنامج ورؤية مختلفة عن البرنامج الفلسطيني المعتمد، لكنها لم تستطع أن ترى النور.

الحقيقة الثانية: ان توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني وانفتاح السياسات الإيرانية على القوى الغربية أنتج تغيُّراً عميقاً في مدى احتياج إيران للعامل الفلسطيني. إذ ان الإدارة الأميركية في سياق دفاعها عن الاتفاق أكدت اكثر من مرة ان الاتفاق ينسجم مع اولوية الأمن الاسرائيلي كما ان السياسات الإقليمية الإيرانية ذهبت عميقاً في التدخّل المباشر في العراق وسوريا واليمن فضلاً عن البلاد العربية الأخرى. وانكشفت حركة الصراع في المنطقة بما هو صراع على الفضاء العربي كأولوية حقيقية وليس الصراع مع الشيطان الأكبر أو اسرائيل على الرغم من استمرار البعد الدعائي والايديولوجي.

مؤتمر لقضية فلسطين تقييم استراتيجي
مؤتمر لقضية فلسطين تقييم استراتيجي

3- كشفت الأزمة السورية عن توافق روسي-اسرائيلي-أميركي سبق التدخُّل المباشر الذي شهدناه منذ أيلول العام الماضي. هذا التوافق تمَّ برضى إيراني وقبول للتفاهمات الروسية-الاسرائيلية حول التدخُّل في سوريا. ما يعني بالخلاصة أننا إزاء إدارة أميركية للأزمة في المنطقة تستهدف إعادة صياغتها من دون احتساب للوقت أو للخسائر البشرية والمادية التي تدفعها شعوب المنطقة وحكوماتها طالما ان إعادة الصياغة تتم من خلال سيطرة القطب الاميركي على حركة الصراع بين القوى الإقليمية (إيران-تركيا-السعودية). علماً ان الدور الاسرائيلي يحاول عدم الظهور بشكل مباشر خارج العباءة الاميركية، لكن تأثيراته شديدة الوضوح في المفاصل والمواقف الرئيسية التي شهدتها المنطقة وخصوصاً الأزمة السورية بما هو دور حافظ للتوازنات ومانع لانهيار النظام السوري.

لذا يمكن القول ان الإدارة الاميركية تستثمر أيضاً في القوة الروسية تحديداً التي تتعامل معها على أنها قوة إقليمية من عيارٍ ثقيلٍ، وتمتلك قوة عسكرية من الدرجة الثانية على المستوى الدولي. ويمكن من خلال الاستثمار معها في الشرق الأوسط الوصول إلى نتائج أفضل للمصلحة الأميركية، مع احتساب الحصة المناسبة للمصالح الروسية في مستقبل الشرق الأوسط.

4- في منظومة الصراع الإقليمي الدائرة في المنطقة شهدنا في العام الماضي انتقال سياسة المملكة العربية السعودية من المبادرات السياسية الهادئة والتصالحية إلى المبادرة السياسية الإيجابية والفعل الميداني المباشر عسكرياً وسياسياً وأمنياً، كانت ذروته مبادرة “عاصفة الحزم” التي لها ما سبقها من سياق تاريخي يمتد إلى “إعلان الرياض”، ولها ما بعدها من مبادرات وصلت لإعلان “التحالف الإسلامي ضد الإرهاب”.

5- ويمكن القول انه حتى اللحظة لم تُقرأ سياسة المملكة العربية قراءة عميقة لتفحُّص الجانب الخفيّ فيها، ألا وهو حركة الصراع الصامت بين الإدارة الأميركية والقيادة السعودية. إذ ما زالت النظرة النمطية والأحكام المسبقة هي ما يوجّه معظم التحليلات والتقديرات.

ان الواقع الجديد يُظهر لنا اصطفافاً خليجياً وعربياً أعلى من السابق خلف الرياض، وتحوُّلاً تركياً في الاتجاه نفسه بحيث يمكننا احتساب قوة منظومة الاعتدال العربي على أنها تشمل الممالك العربية، فضلاً عن مصر، وتونس، والسودان في خياراته الراهنة وانفكاكه عن تحالفه مع إيران. وهذا ما يدفع للقول ان بناء منظومة مترابطة للمصلحة العربية بدأ يتقدم واقعياً بخطوات واضحة نحو بلورة “نظام مصلحة عربية” يجري إنتاجه عبر المؤسسات المشتركة (مجلس التعاون الخليجي)، (جامعة الدول العربية)، (المؤتمر الإسلامي)، (التحالف العربي في اليمن)، و(التحالف الإسلامي ضد الإرهاب).

ان تبلور “نظام مصلحة عربي” يؤثر بقوة في مسارات المسألة الفلسطينية على قاعدة الاصطفاف السياسي في “إطار مبادرة السلام العربية”.

وفي الخلاصة، ان الإدارة الأميركية عندما تصرّ على أولوية محاربة “داعش” أنما تريد استخدام “داعش” لتطويع مختلف القوى الإقليمية والمحلية في سياق مسعاها لإنتاج نظام شرق أوسطي جديد لما بعد مخاض الربيع العربي ووفقاً للمنظور الأميركي. وعندما قال الرئيس “أوباما” لرئيس الوزراء الاسرائيلي “نتنياهو” في لقاء المصالحة الانتخابي بأنه لن يبادر للدعوة لمفاوضات فلسطينية-اسرائيلية في السنة الأخيرة من عهده، خرج “نتنياهو” إلى الإعلام ليقول بأنه لن يكون هناك دولة فلسطينية خلال العشرين سنة القادمة.

ما تقدم من ملاحظات على الوضع الدولي والإقليمي يُلخّص أسباب قدرة الحكومة الاسرائيلية على إطلاق مشروعها الاستيطاني في القدس و في المنطقة “ج” من الضفة الغربية لتكريس حضور يهودي ديموغرافي يتجاوز نصف المليون مقابل بضعة آلاف من الفلاحين الفلسطينيين الفقراء الذي يجري استبعادهم عن أراضيهم بشكلٍ تدريجيٍّ. إنه الرهان على ضم هذه المنطقة من الضفة الغربية دون احتساب مساحة القدس الكبرى.

من جهة أخرى، إن تصاعد “الإسلاموفوبيا” في الغرب والتركيز الإعلامي على مشهد ضحية تذبح بسكين “داعش”، بينما التعامل مع آلاف الضحايا من المدنيين في القصف الجوي الروسي والسوري، والذبح الذي تمارسه الميليشيات التي تعمل لخدمة النظام السوري لا يتم التوقّف أمامه إعلامياً إلا عند الضرورة القصوى. وهذا يعكس سياسة ممنهجة لها غاياتها ، لكن أهم ما في هذه السياسة أنها تضع الاسرائيلي في موقفٍ متفوّقٍ يمكنه من ممارسة الإعدام الميداني في مواجهة الشبان الفلسطينيين على اعتبار ان سكينهم هي “داعش” بذاتها.

إن هذا الوضع الدولي والإقليمي لا يسمح حالياً باختراق كبير في مجال المفاوضات السياسية، ولكنه يحتّم على أصحاب خيار الدولتين الصمود، وتطوير استراتيجيات مقاومة سلمية تعتمد على مشاركة شعبية واسعة لم نستطع حتى الآن الوصول إليها. وهذا ما يمكن احتسابه في خانة القصور أو العجز لدى

السلطة الوطنية التي استطاعت في المقابل وعلى الرغم من الظروف المعقّدة التقدُّم التدريجي والمحسوب في المسرح الدولي الدبلوماسي وداخل منظمة الأمم المتحدة على وجه الخصوص.

الوضع الفلسطيني:

و كما تستخدم الإدارة الاميركية ترتيب الأولويات لتحقيق مصالحها يستخدم “نتنياهو” أيضاً ترتيب الأولويات بالطريقة ذاتها، حيث واجه استحقاق الدولة الفلسطينية بأولوية إزالة “الخطر النووي الإيراني” سابقاً. والآن يصطفُّ اصطفافاً دقيقاً خلف الإدارة الأميركية بأولوية القضاء على الإرهاب. لكن الإدارة الأميركية وهي تضع تنظيم “داعش” عنواناً لأولويتها يضع “نتنياهو” حركة حماس وكافة الحركات الإسلامية الأخرى في فلسطين باعتبارها هي الإرهاب العسكري والامني، كما يضع السلطة الوطنية والرئيس أبو مازن على رأس ما يسمّيه الإرهاب السياسي والدبلوماسي. وبهذا الجمع ذي الغايات المتعددة بين المكونات الفلسطينية ينفّذ “نتنياهو” سياساته باستقطاب المزيد والمزيد من التطرف اليهودي وبإعلاء وزن الأصولية اليهودية خلف شعار تحقيق يهودية دولة اسرائيل مستهدفاً ما يلي:

أولاً: إضعاف السلطة الوطنية إلى الحد الذي لا يسبب إنهيارها.

ثانياً: التحكم بقطاع غزة و إدارة الحصار بما يفرض على حركة حماس تنفيذ مفاعيل الهدنة السارية حتى الآن.

ثالثاً: مواصلة حركة الاستيطان بمصادرة وضم المزيد من أراضي الضفة الغربية خصوصاً في “المنطقة ج” مع التهديد الصريح والمبطّن باللجوء لحلّ من طرف واحد في حال عدم قبول هذا الأمر الواقع من الجانب الفلسطيني.(تكرار تجربة شارون في غزة).

رابعاً: استمرار عمليات القضم والتهويد لمدينة القدس و سحب هويات أهلها فضلاً عن توسيع مجالها الجغرافي.

خامساً: الاستمرار في المواجهة السياسية والدبلوماسية على المسرح الدولي مع السلطة الوطنية لدفع الاستحقاق الفلسطيني بعيداً حتى عن أجندات المنظمات الدولية.

سادساً: سن المزيد من القوانين العنصرية للتضييق على الفلسطينيين في الداخل وإجهاض حركتهم السياسية والتمهيد لفكرة “الترانسفير” تحت شعار التبادل السكاني لإنجاز هدف يهودية دولة اسرائيل.

مؤتمر لقضية فلسطين تقييم استراتيجي
مؤتمر لقضية فلسطين تقييم استراتيجي

في المقابل، لا بد من القول ان ردّ الفعل الشعبي الفلسطيني الذي تجلّى بالمبادرة الفردية لمواجهة الاحتلال باستعمال السكاكين وغير ذلك من وسائل مواجهة عفوية، واستمرار ردّ الفعل حتى الآن من دون سياسات واضحة لدى فصائل العمل الوطني الفلسطيني بكافة أطيافها الوطنية والإسلامية، يدل وللمرة الأولى في مسيرة النضال الوطني على عجز فلسطيني في معالجة الأوضاع السائدة على خطورتها. وهذا العجز له مضامين مختلفة أهمّها:

1- ان السلطة الوطنية وخلفها حركة فتح الملتزمة بالمقاومة السلمية لم تستطعْ تبنّي هذا الأسلوب الفردي “الطعن بالسكين” من جهة وهذا منطقي، ولكنها لم تستطعْ في المقابل تطوير أساليب النضال السلمي التي أبدعت العديد من النماذج الرائدة خلال السنة الماضية بما فيها نموذج بناء القرى والمقاطعة الاقتصادية. ان بناء استراتيجية نضال سلمي تتطلب جهداً منهجياً شاملاً وواسع النطاق يقوم على تعديل جوهري في الثقافة والسلوك اليومي وأسلوب الحياة. ولنا في انتفاضة الحجارة نموذج عبقري لم نستحضره في كفاحنا اللاحق ضد الاحتلال، ولم نعمل على تطويره بما يتناسب مع احتياجات المواجهة.

من جهة أخرى، يبدو ان السلطة الوطنية لن تغامر بإطلاق حركة شعبية واسعة طالما ان الإنقسام الفلسطيني مستمر، وطالما أن الاتجاهات التي ما زالت تتبنّى النضال المسلّح جاهزة للحضور والفعل المباشر بما يمكن أن يحوّل أي تحرّك شعبي واسع إلى انتفاضة مسلّحة على غرار انتفاضة الأقصى التي أسفرت عن نتائج ليست في مصلحة الشعب.

2- في الاتجاه الآخر، ومنذ اللحظة التي تحوّلت فيها حركة حماس وذراعها العسكري “كتائب القسام” من سياسة الهجوم إلى سياسة الدفاع الاستراتيجي داخل قطاع غزة، فإن استمرار هذه السياسة بعد كل حرب تشنّها اسرائيل على قطاع غزة والعمل على تكريس سياسة الهدنة يدفع بالسلطة الوطنية في الضفة الغربية لعدم التهاون إزاء أي محاولة لتنشيط العمل العسكري الهجومي في الضفة الغربية من قبل حركة حماس والفصائل التي تؤيد هذا النهج.

كذلك فإن التوافق على المقاومة السلمية والشعبية بين حماس وفتح المُعلن في نصوص الاتفاقات التصالحية العديدة على كثرتها وقلّة فاعليتها وكذا قبول حركة حماس بخيار الدولتين من حيث المبدأ، يجعلان من العسير عليها التفكير مجدداً بإمكانية إطلاق مقاومة مسلحة هجومية على الطراز السابق سواءً كانت عمليات مواجهة مع جنود الاحتلال أو عمليات تفجير في الداخل الفلسطيني أو عمليات انتحارية/ استشهادية. هذا ما اعتقد انه السبب الأساس في النمط الفردي الذي يحصل الآن في المواجهات، والذي يُحرج السلطة الوطنية، فلا تستطيع اعتماده، ولا تستطيع إدانته!!.

هذه الخلاصة أدركها الشارع الفلسطيني بعفوية ووعي أيضاً. وأدرك أن الاحتلال ماضٍ في تنفيذ خططه في ظل إعلان السلطة الوطنية عن انسداد الأفق السياسي وفي ظل عجز حركة حماس عن بلورة استراتيجية نضالية منسجمة مع المبادئ والشعارات والأيديولوجيا التي تتبنّاها.

إقرأ أيضاً: صرخة فلسطينية ضد الأونروا: «بدك تذلينا … بدك تشاركي الصهيوني بقتلنا»

لذا يمكن القول ان شكل المقاومة الراهنة يعكس اليأس أكثر مما هو نضال منظّم يفتح في المدى القريب أفقأً، حيث لا نرى إلا أعداداً قليلة من المشاركين في المواجهات السلمية وأعداداً كبيرة في تشييع الشهداء. لكن هذا لا يعني ان الكتل الاجتماعية الفلسطينية منخرطة بشكل يومي في مواجهة الاحتلال. كما ان سياسة الفصائل عندما تعزف عن تبنّي العمليات الفردية فإن ذلك يعكس تنصُّلاً ليس من تقاليد الفصائل نفسها التي كانت تتسابق لتحمُّل مسؤولية كل مواجهة مع الاحتلال في انتفاضة الأقصى.

ان قراءة الواقع كما هو ومهما تكن الصورة قاسية أفضل ألف مرة من إطلاق الرغبات والشعارات في مؤتمر يريد الوصول إلى تقدير استراتيجي لإنقاذ الوضع الراهن.

ان استطلاعات الرأي تثبت ارتفاع نسبة من يريد الهجرة من الضفة الغربية ومن قطاع غزة بصورةٍ مطَّرِدة. وهذا يدفعنا للسؤال لماذا تحول الوطن الجاذب لأبنائه إلى أرضٍ طاردة ومن هو المسؤول؟ ان الجرأة تقتضي التوغل عميقاً في هذا الأمر حتى نتمكّن من تلمُّس الخيوط التي من شأنها النهوض مجدداً على مستوى الحركة الفلسطينية ككل.

ان حركة فتح تواجه مشكلات جمّة على مستوى بنيتها الداخلية وتجديد قدراتها عبر السماح للدماء الجديدة بالتقدم وتحديداً في قطاع المرأة والشباب للمساهمة الفعلية في صناعة القرار، وفي تطوير الحياة الديمقراطية الداخلية، وإعادة اللُّحمة والثقة مع القواعد الشعبية التي ما زالت وفيّة لهذه الحركة. كما ان الحركة مدعوّة لمراجعة سياساتها وخياراتها واساليب نضالها من اجل تجاوز حالة المراوحة والجمود في العديد من مظاهر عملها وأدائها سواء داخل أجهزة السلطة أو في جسمها التنظيمي.

كما ان حركة حماس وهي تعاني أيضاً مما تعانيه حركة الاخوان المسلمين عموماً من ظهور الاتجاهات الإصلاحية السلمية في مواجهة الاتجاهات العنفية، تخضع الآن لضغط شديد من التطرف السُّني الذي تقوده

إقرأ أيضاً: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان… عُراة!

“داعش” ، أدّى إلى ظهور العديد من الخلايا التي اختارت النهج الداعشي وشكلت تحدياً لسلطة حركة حماس الأمنية في قطاع غزة وسبباً لتدهور العلاقة بين حماس والنظام المصري على خلفية الصراع الدائر في سيناء مع قوى الإرهاب، وسبباً لمزيد من قمع الحريات في القطاع. من جهة أخرى، ثمّة ظهور أيضاً لحركة تشيُّع مسلّحة ومنظّمة في القطاع “الصابرون” تتغذى على السياسات الإيرانية في المنطقة، وهذا ما يُشكل تحدّياً إضافياً للمجتمع الفلسطيني فضلاً عن حركة حماس. وليس أدل على ما أشير إليه التصريح الأخير لنائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق حول التضليل الذي تمارسه الدعاية الإيرانية بخصوص دعم المقاومة الفلسطينية.

ان حركة حماس مدعوة اليوم لمراجعة شاملة لسياساتها كما هي حركة فتح مدعوة لمراجعة أيضاً لسياساتها، على أمل أن تحمل تلك المراجعات وعداً بإعادة إنتاج الإجماع الفلسطيني المعبِّر حقاً، وليس مزايدةً عن نظام المصلحة الوطنية.

ان الخيار الفلسطيني لا يمكن إلا ان يكون موضوعياً في إطار حاضنته العربية التي تشكلها قوى الاعتدال العربي كما تعبر عن نفسها راهناً. إذ لا يمكن للشأن الفلسطيني ان يتقدم إلى الأفضل خارج إطار هذه الحاضنة. والتحدي الراهن على المستوى الداخلي هو الانتصار على الانقسام السياسي والجغرافي والنفسي لنتمكن من القول أننا عدنا إلى جادّة الصواب.

(قضية فلسطين

تقييم استراتيجي 2015 – تقدير استراتيجي 2016)

السابق
قراءة في الدستور الايراني (4): بين عقائدية القوات المسلحة ونصرة المستضعفين
التالي
تركيا وخطر المواجهة بين الجيش وأردوغان