حزب الله بين تعاظم الدور الاقليمي ومحدودية الدور المحلي: الى أين وأي مستقبل؟

بين حزيران 1982 (بدء تأسيس حزب الله) الى شباط 2016 تحول حزب الله من مجموعات صغيرة تعمل لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي للبنان الى قوة عسكرية منظمة وحزب سياسي يمتلك قوة شعبية كبيرة وناشطة في اكثر من بلد عربي واسلامي، واصبح حزب الله قوة اقليمية يقف امينه العام السيد حسن نصر الله ليعلن مواجهة عدة مشاريع دولية واقليمية في المنطقة.
لكن رغم تعاظم دور الحزب الاقليمي وانتشار دوره في اكثر من ساحة عربية واسلامية ودولية ، فان الحزب لا يزال محدود الدور على المستوى اللبناني والداخلي فهو غير قادر على اقامة نظام سياسي عادل ومعبر عن طموحات اللبنانيين ولا يستطيع الحزب ان يدير البلاد لوحده لانه بحاجة الى شركاء اخرين مسلمين ومسيحيين.
وفي الوقت الذي حقق الحزب انجازات مهمة في مواجهة العدو الصهيوني وفرض عليه الانسحاب من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة واقام معه توازن رعب يمنعه من القيام باجتياح جديد للبنان، فان الحزب غرق في الصراع السوري وفي صراعات عربية واسلامية اخرى مما انعكس على دوره وموقعه العربي والاسلامي واثار حوله الكثير من الاشكالات والاسئلة رغم ان قادته يحاولون دائما تبرير هذه التدخلات بانها لحماية مشروع المقاومة ولمواجهة المشروع الصهيوني – الاميركي في المنطقة، مع ان امينها العام السيد حسن نصر الله اضاف لمشروع المواجهة مشاريع اخرى كالمشروع السعودي والمشروع الامبراطوري العثماني.
فالى اين يتجه حزب الله في المرحلة المقبلة؟ وهل يستطيع الاستمرار بهذا الدور الاقليمي المتعاظم في ظل الصراعات التي تزداد في المنطقة والتي تأخذ طابعا مذهبيا وتنعكس سلبا على مشروع مواجهة الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية ودور قوى المقاومة، مع ان الحزب يبرر دائما بان ما يقوم به هو من اجل مشروع المقاومة ولمواجهة العدو الصهيوني؟

الحرب السورية
قد يكون صحيحا ان الحزب نجح في امتلاك قوة عسكرية كبيرة وفرض نوعا من التوازن مع العدو الصهيوني على الصعيد اللبناني، لكن المشكلة الكبرى التي قد لا ينتبه لها قادة الحزب ان الاوضاع في المنطقة كلها تتجه لخدمة المشروع الصهيوني من خلال انتشار الاجواء الطائفية والمذهبية ومن خلال تراجع اولوية القضية الفلسطينية على الصعيد العربي والاسلامي وكذلك تفكك الدول العربية المحيطة بهذا الكيان ومواجهتها مخاطر كيانية ووجودية كبرى، وانتشار اجواء معادية لقوى المقاومة في المنطقة والعالم بعكس ما كانت عليه في العديد من المحطات في الصراع العربي – الصهيوني منذ نشوء الكيان الصهيوني وحتى اليوم.
واذا كان قادة حزب الله بعبرون عن سعادتهم وارتياحهم لما حققوه من انجازات طيلة العقود الماضية على مستوى امتلاك قوة عسكرية كبيرة والانخراط في الصراعات الاقليمية، فان ذلك يجب ان لا يؤدي الى اغفال الاشكالات التي يواجهها الحزب لبنانيا وعربيا واسلاميا، فالحزب فشل في تقديم نموذج لبناني داخلي في اقامة حكم عادل قادر على تحقيق امنيات المواطنين اللبنانيين واضطر للتحالف مع قوة وشخصيات تشارك في عملية الفساد الداخلي ولا تريد العمل من اجل اصلاح النظام اللبناني وقد كانت حجة حزب الله دوما بان الاولوية لديه لحماية دور المقاومة، ولكن المشكلة اليوم ان دور المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني لم يعد الاولوية بل اصبح الصراع على السلطة اللبنانية هو الاساس.
اما على الصعيد العربي والاسلامي فان انخراط حزب الله في الصراعات الاقليمية والتي تأخذ احيانا بعد مذهبيا ادى الى تراجع حضور الحزب في اوساط الرأي العام العربي والاسلامي واضعف جاذبيته كقوة مقاومة وحوله الى احد قوى الصراع في المنطقة واوجد العديد من الحواجز بينه وبين الجمهور العربي والاسلامي.
وعلى ضوء كل هذه الملاحظات فان حزب الله يجب ان لا يطمئن الى تعاظم قوته العسكرية والاقليمية، بل المطلوب اعادة النظر بما تحقق منذ انطلاقته في العام 1982 وحتى اليوم وهناك حاجة كبرى لاجراء مراجعة شاملة لهذه المسيرة من اجل تحديد الارباح والخسائر ووضع رؤية مستقبلية للمرحلة المقبلة تعيد الاعتبار والاولوية للصراع مع العدو الصهيوني وتقديم تجربة سياسية ناجحة.

(عربي 21)

السابق
عن «جمول» والمقاوم عبدالله
التالي
خازن اعتزل وكالته عن شينوك بعد اللغط حول الوثيقة الروسية