سعد الحريري في مواجهة «جمهورية المرشد»

خيرالله خيرالله

هناك نقاط مهمّة كثيرة في الخطاب الاخير للرئيس سعد الحريري. الاكيد ان العنوان الاهمّ في الخطاب ان «لبنان لن يكون تحت اي ظرف ولاية ايرانية. نحن عرب وعرب سنبقى«. معنى ذلك ان هناك وعيا لاخطار المشروع التوسّعي الايراني من كلّ جوانبه، بما في ذلك الجانب المتعلّق بالحملة المقصودة على المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربي، بالاعتماد على اسلوب «التذاكي الديبلوماسي« لدى بعض اللبنانيين والذي لا يمرّ ولن يمرّ على احد.

وضع سعد الحريري النقاط على الحروف في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده. في كلّ فقرة من الخطاب اشارة الى الجهود المبذولة للتخلّص من كلّ ما كان يمثّله رفيق الحريري في كل مجال وعلى كلّ صعيد.

كشف سعد الحريري انّه يعرف جيّدا ما يحاك للبنان منذ ما قبل اغتيال رفيق الحريري، اي منذ اصرار رئيس النظام السوري بشّار الاسد على التمديد لاميل لحود، مرورا بموجة الاغتيالات التي بلغت ذروتها بتفجير موكب والده ورفاقه وصولا الى تفجير محمّد شطح في اواخر العام 2013.

اقرأ أيضًا: هل بات لبنان «دولة حزب الله»؟

لم يقتصر الامر على الاغتيالات والتفجيرات. كانت هناك حرب صيف 2006 ومحاولة اقامة «امارة اسلامية« في شمال لبنان انطلاقا من مخيّم نهر البارد الذي اعتبره الامين العام لـ«حزب الله« السيد حسن نصرالله «خطّا احمر«. كان هناك ايضا الاعتصام في وسط بيروت لتدمير الاقتصاد اللبناني ووسط المدينة وتهجير اكبر عدد من اللبنانيين من بلدهم، خصوصا المسيحيين منهم.

لا بدّ من استعادة كلّ هذه التواريخ وكل هذه الاحداث التي جاءت غزوة بيروت والجبل في ايّار 2008 استمرارا طبيعيا لها. كان هناك في كلّ وقت رابط بين كل هذه التواريخ وهذه الاحداث التي من بينها فرض «حزب الله« بالسلاح تشكيل حكومة «حزب الله« برئاسة نجيب ميقاتي من اجل اذلال السنّة والمسيحيين تمهيدا لمغادرة سعد الحريري البلد بعدما تبيّن ان الخطر على حياته اكثر من جدّي.

هذا الرابط بين التواريخ والاحداث بدأ يظهر اليوم من خلال الفراغ الرئاسي الذي يفرضه «حزب الله«. يرفض الحزب انعقاد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بعدما قرّر المشاركة في الحرب ذات الطابع المذهبي التي يتعرّض لها الشعب السوري على يد نظام اقلّوي لا يمتلك اي شرعية من ايّ نوع. يرفض الحزب انتخاب رئيس في حال لم تلب شروطه. على رأس هذه الشروط ان يكون هو الناخب الوحيد في لبنان، خصوصا في ما يخص الرئاسة.

كشف سعد الحريري في خطابه خطورة ما يطمح اليه «حزب الله« من خلال الاصرار على فرض رئيس للجمهورية على اللبنانيين. تكمن هذه الخطورة في الرغبة في تغيير طبيعة النظام اللبناني بطريقة غير مباشرة. هناك «مرشد« للجمهورية هو حسن نصرالله يقرّر من هو رئيس لبنان. ما على النوّاب سوى المصادقة على ما يقرّره «المرشد«، نظرا الى غياب القدرة على تعديل الدستور بشكل مباشر وفرض انعقاد «المؤتمر التأسيسي« والاعلان رسميا عن دفن اتفاق الطائف.

اكّد سعد الحريري ان رئيس لبنان ينتخب في مجلس النوّاب ولا يختاره «المرشد«. اوضح ان هناك ثلاثة مرشحين هم ميشال عون وسليمان فرنجيه وهنري حلو، كما يمكن ان يكون هناك مرشحون آخرون، وما على النوّاب سوى النزول الى المجلس وانتخاب احدهم «وسنكون اوّل من يبارك له«. اراد القول ان رئيس الجمهورية ينتخب حيث يجب ان ينتخب. الرئيس لا يعيّنه «المرشد« في هذه الجمهورية التي لا يزال، الى اشعار آخر، اسمها الجمهورية اللبنانية وليس «جمهورية المرشد«.

في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال رفيق الحريري، بقي الوفاء للرجل الذي اعاد لبنان الى خريطة المنطقة، عنوان المرحلة.

كانت رسالة سعد الحريري واضحة. هناك محاولة مستمرّة من اجل القضاء على لبنان. هناك في المقابل من يقاوم هذه المحاولة التي سبق لرفيق الحريري ان تصدّى لها ودفع حياته ثمنا لذلك.

اخيرا، كان من المفترض التنبّه، قبل التقاط الصورة التذكارية لقيادات 14 آذار، الى غياب المكون الشيعي عن الصورة. كان هناك السنّي والدرزي والماروني والارثوذكسي والكاثوليكي. كانت الحاجة الى شخصية شيعية في الصورة، خصوصا ان سعد الحريري وجّه في خطابه دعوة الى الشيعة من اجل «تفكيك الالغام التي تهدّد العيش المشترك«.

يمكن ملاحظة هذا الغياب لأن الشيعة كانوا حاضرين جدّا في مشروع انتفاضة الاستقلال. لا داعي الى تعداد الاسماء الشيعية المعروفة بشجاعتها. الغياب الشيعي عن الصورة مسؤولية مشتركة بين هذه الاسماء وبين قادة 14 آذار.

ربّما يمكن تفسير الغياب بكون معظم الوجوه الشيعية التي شاركت في انتفاضة الاستقلال تتحدّر من تجارب يسارية ومدنية تجعل من أيّ التقاء بين هذه الوجوه على قاسم مشترك مسألة شائكة.

ايّا تكن الاسباب، فهذه ثغرة ينبغي تجاوز اسبابها الموجبة وغير الموجبة. يُفترض في قادة 14 آذار تحمّل مسؤولية تساوي مسؤولية الشخصيات الشيعية الحرّة. هناك مسؤولية الاهمال الطويل للملفّ الشيعي في انتفاضة الاستقلال. هذا الاهمال، الذي يبدو مطلوبا وضع حدّ له، ترافق مع الاكتفاء بالعلاقة برئيس مجلس النواب نبيه برّي بصفة كونه ممثّل الاعتدال، في حال مقارنته بـ«حزب الله«…

العلاقة مع الرئيس برّي اكثر من حاجة واكثر من ضرورة، لكنّها لا تعني الاستمرار في تجاهل الغياب الشيعي الذي كان في الصورة التي ختمت بها الذكرى الحادية عشرة لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه.

(المستقبل)

السابق
«مثلث الموت» في الجنوب السوري يشتعل بـ «وإن عدتم عدنا»… ما تفاصيل المعركة؟
التالي
الحريري سيوزع 100 مليون دولار؟