إنتبهوا جيداً لجلسة 2 آذار

في اليومين الأخيرين سمع اللبنانيون خطابين من زعيمين سياسيين لبنانيين، واحد في 14 شباط، خلال إحياء ذكرى جريمة اغتيال رفيق الحريري، ألقاه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، والثاني مساء أمس في ذكرى "الشهداء القادة" ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

في الخطابين يمكن أن يستنتج المتابع وجود منهجين في مقاربة الأزمة الداخلية، لا سيما الإستحقاق الرئاسي الذي بات عنوان التعطيل وتداعي المؤسسات الدستورية، والمؤشر لمستوى التراجع في القطاعات الإقتصادية والمالية وغيرها من القطاعات التي يقوم عليها لبنان.

إقرأ أيضاً: سعد الحريري.. هو حضنٌ أولاً

منهجان، واحد مثله خطاب السيد نصرالله الذي كان شديد الوضوح تجاه نظرته الى لبنان. وضوح يكمن في صلب عدم تناوله الموضوع اللبناني، لأن السيد نصرالله ينتمي إلى رؤية إيديولوجية لا ترى إلى الوطن اللبناني، الذي ينتمي إليه ويشارك في حكمه، إن لم يكن الذي يحكمه، بإعتباره أولوية، وثابتة يتمّ من خلالها تحديد الخطوات والمواقف وبناء السياسات. الأولوية بالنسبة لنصر الله تكمن في مكان آخر يتمثل في الدور الإيراني وحضوره وفعاليته في المنطقة. إذ أنّ عقيدة السيد نصرالله، وإيديولوجيته الحزبية، تعتبر أنّ مصلحة إيران، بقيادة الولي الفقيه، تتقدم على كل المصالح الأخرى. فإذا ما تعارضت مصلحة إيران أمام مصلحة لبنان، يجب الوقوف إلى جانب إيران. هذا ليس فيه تجنّ وليس جديداً أصلاً في منهج الأحزاب الشمولية والإيديولوجية، الدينية وغير الدينية، التي تقدم الأيديولوجيا على الوطن.

السيد نصرالله، في تجاوزه الإستحقاق اللبناني خلال مناسبة يفترض أنّها لبنانية وتعني اللبنانيين، لم يكن في لحظة تخلّ. بل كان مصيباً جوهر الفكرة التي يعتبرها الأساس والأهم قبل كل الحسابات اللبنانية الداخلية. فهو قال بصراحة، وعلى طريقته، أن الحلّ يبدأ من هناك، في سورية، وفي المنطقة. أما الحسابات الداخلية فلا يحين أوانها قبل انقشاع المشهد في سورية. وكاد نصر الله يعلن النصر في سورية لولا تحسب واحتياط وجوبي فرض نفسه بسبب ما سماه “الأحقاد المتنامية” على محوره. وهذا أيضاً لا يعني أنّ استحقاق الرئاسة اللبنانية ليس مهماً لنصرالله، بل القصد أنّ أهميته تكمن من منظار حسابات المحور الإيراني في المنطقة، و”الإيراني” أكثر قدرة على تحديد أولويته وأهميته، وقيادة هذا المحور هي من يعطي الإشارة، سواء في الرفض أو القبول.

الرئيس سعد الحريري
الرئيس سعد الحريري

في خطاب الرئيس سعد الحريري منهج آخر. ذهب الشاب المدني نحو التسويات بمعناها اللبناني. لا بل بالغ في الانخراط باللبننة في معناها التسووي… فوصل إلى حدود قلب التحالفات والذهاب إلى عقد تفاهمات. كما حصل مع تبنيه ترشيح الوزير سليمان فرنجية، الخصم اللدود، ليصبح بين ليلة وضحاها خياره لرئاسة الجمهورية. اللبننة هذه، التي تبناها الحريري وسار في ركابها، أدرك أنّ من شروطها التواضع، وعدم الربط بين القضايا الإقليمية وإنجاز الإستحقاقات اللبنانية الداخلية، والتركيز على إنجاز التسوية بعناصرها البلدية. لذا كان الرئيس الحريري، في خطابه، يبرر ما اعتبره كثيرون، وتحديداً من مناصريه، خروجا على ثوابت تياره السياسية حين سمى فرنجية للرئاسة. فأعلن أنّ الأولوية لديه لانتخاب الرئيس مع حفظ الحق باختيار المرشح، معتبراً أنّ حال البلد، الذي يسوء وتتداعى مؤسساته بسبب عدم انتخاب رئيس طيلة 21 شهراً، يلزمه بإتخاذ مواقف قد تبدو في ظاهرها انهزامية لكنها في الجوهر تصبُّ في مصلحة البلد. هذا المنطق له قوته، لا سيما أنّه يتلازم مع تقديم تنازلات في سياق المشترك اللبناني، بدل الذهاب نحو التصعيد في رفع سقف المطالب، ولو على حساب تعطيل المؤسسات.

إقرأ أيضاً: بعد ان كانت «اوهن من بيت العنكبوت»

من هنا سعد الحريري خسر في ميزان مشروع 14 آذار السياسي اليومي، وكسب في الحيّز اللبناني. ومهما كانت نتيجة هذا الخطاب على مستوى الرئاسة إلاّ أنّ أحداً من اللبنانيين لا يستطيع أن يفرض على الحريري أكثر ممّا قدم، لأنّ في ذلك إعلان استسلام، وهذا ما يتنافى مع أيّ تسوية أو حل قابل للعيش.

بين هذين المنهجين، في خطابي اليومين الماضيين، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية التسوية بينهما. في الظاهر تبدو الأمور معقدة لكن ذلك لا يمنع – فيما ننتبه إلى عدم تطرق نصرالله لموضوع الرئاسة بل الموضوع اللبناني برمته – أنّه يمهد لموقف تسووي في التعاطي مع الرئاسة الأولى. أي أنّ صمت نصرالله أمس عن الإستحقاق يترك المجال للتكهن بأنّ هناك من يعدّ المسرح لإنتخاب رئيس في 2 آذار المقبل، رئيس بشروط حزب الله بالدرجة الأولى… رئيس يشعر كلما استيقظ صباحاً طيلة ست سنوات عهده أنّه لولا حزب الله لما كان رئيساً…

السابق
النص الحرفي لكلمة السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء 2016
التالي
اوباما: ثلاثة ارباع سوريا خارج سيطرة الاسد