هل تفعلها قوى 14 آذار و «أمل»؟!

وصل سعد، و جاء دون موعد مجدول على قائمة اللبنانيين. فكلنا ننتظره كل سنة في الرابع عشر من شباط، ليأمّ فينا ذكرى اغتيال أبيه. هو يخطب و نحن نصغي، نصفق، ثم ندمع. نرى فيه الرئيس الشهيد، ثم ندمع.

جاء سعد رفيق بهاء الدين الحريري و في يده حقيبة من الأمل، جاء يزرعها في نفوس اللبنانيين. أطلّ و في جوفه كلام لم يقال، لا بل كلام لم تشأ الأقدار أن يتفوه به. لربما فضحته عيناه و ضحكته التي راح يخفيها من حين إلى آخر.
استهل الحريري وصوله إلى بيروت، باجتماع جمعه برئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بحضور ابنه تيمور. لماذا قد يكون ابن الجبل و نجله من أولى زوار الحرم الحريري؟ أهي صدفة؟ رحبوا ببعضهم، تحدثوا، تناقشوا ثم انطلق كل فرد ينفذ المهمة الموكلة إليه.

إقرأ أيضاً: سعد الحريري.. هو حضنٌ أولاً
حزم الوليد أمتعته و اتجه إلى عين التينة، ثم شد كلّ من الحريري و جنبلاط الإبن رحالهم نحو قاعة البيال، كل فرد على حدة.
دخل الحريري القاعة ملوحاً بيمناه تارة، و موزعاً القبل يمنة و يسرة تارة أخرى، يمشي بين الحاضرين مبتسماً و يقول في نفسه، هذه الثورة لا تمت، فأبي لا زال حياً، أبي لا زال حياً.
يبدأ بالسلام على من سكن الصفوف الأمامية، سلام تتبعه القبلة حيناً، و يتغاضى عنها أحياناً أخرى، يصل إلى فؤاد، يغمره بشدة، يقبله، ثم يكمل. من التالي، يقول في نفسه، سلام فقبلة فسمير، إنه سمير، ينظر إليه نظرة المشتاق المعاتب، يفرح، ثم يبتسم و يهمس، ها أنت معنا يا سمير، فلن تكتمل هذه الذكرى إلا بك أيها الحكيم، يعانقه و يقسو، يقبله، يربت على كتفه و يمضي. يصافح، يقبل، يعانق، ثم يصل إلى أشرف، يطيل النظر، ثلاث قبل، هتاف و صراخ جماهيري، ثم فعناقٌ فمُضيّ. تيمور، أهلا بالغالي تفضل بالجلوس، يقبله، يصافحه، يعانقه و يكمل. ها هو أمين، سلام و قبلٌ، تصفيق من الحضور ثم يتابع. يتابع السير، يصافح، يقبّل، و يمضي مبتسماً، إنه خالد، و لكنه في الصف الثاني، افسحوا لي المجال، ابتعدوا، أريد أن أقبله و أحضنه مجدداً، يعانقه متخطياً كل الذي قيل، صهيل ممن سكن القاعة، هتاف و صراخ و تصفيق، يبتسم، يكمل السير بين الجماهير متمتماً، لا بد ّلك أن تفخر بي بعد اليوم يا رفيق. أكمل الترحيب، ثم وجد مقعده، جانبك يا أمين .. اه كم اشتقت لك.

الحريري جعجع
تنفس الصعداء، فقد اكتمل المشهد، يقول في نفسه، ها هي الثورة تعود، فهؤلاء من بدأوا بها، انتظروا فحسب، ترتسم على شفتيه ابتسامة خجولة، ينظر إلى أمين، ثم يقف للنشيد.
دعوه إلى المسرح، صعد و حقيبة الأمل لا تزال في يمناه. رحب بالحضور، استذكر الشهيد، ثم أدمع مبتسماً. قليل من الكلام المعسول، ثم فتح الملف الرئاسي، نعم يا سعد ائتنا بأقوى الآمال لديك.
يبدأ خطابه عن الرئاسة مموّها «كانت لدينا جرأة المبادرة!!» ثم يكمل «مصير الرئاسة في لبنان، و رئاسة الجمهورية تُصنع في لبنان»، هدوء يعم القاعة، ثم ينظر إلى الجمهور و يصرخ «لن نخشى وصول أي شريك في الوطن»، تصفق عمته التي أرهقها الهم بعد موت أخيها و تدمع قائلة بصوت مرتجف، واثق الخطوة يمشي ملكاً، لن نخشى شيئاً يا بني، لن نخشى شيئاً.
يكمل شرحه عن الرئاسة و يسهب، ثم يصل إلى عقبة الجنرال«لم نرشح الجنرال عون و لم نعده بالترشيح» هكذا قالها سعد، ثم أردف ممازحاً «مش لوحدو ببق البحصة الرئيس بري، أنا كمان بّقى». هنا أبتسم بري و هو يشاهد التلفاز من عين التينة، ينظر إلى وليد و يقول له، هذا هو سعد هاهاها، يقاطعه وليد،
دعه يكمل دعه يكمل.
يكمل سعد حديثه عن الرئاسة و عن الأقطاب الأربعة، انسحب الحكيم، ترشح الجنرال، لم يلَق الكتائب ترحيباً من الخصم، و رشحتُ فرنجية. قطبين من الأربعة تم ترشيحهم. يتكلم عن المرشحين الثلاثة، الجنرال عون، النائب فرنجية، و النائب هنري الحلو،
يبتسم طويلاً بعد ذكره هنري الحلو، ثم يستفيق، يصفق الجمهور، ثم يكمل. يحدق من في عين التينة ببعضهم، ثم ينصتون.
استمر الحريري بخطابه، «أما أن يحملونا مسؤولية الفراغ بعد ٢١ شهراً من تعطيل جلسات انتخاب، و يقولو انو اما المستقبل بيعلن انو الجنرال عون مرشحو أو الفراغ حيستمر، ايه هيدي ما بتركب ع قوس قزح»، يصفق هنا تيمور الماكث على مقربة من الكاميرا مبتسماً و هازّاً رأسه، ثم يصفق له نبيه و وليد من عين التينة. أكمل الحريري «أما انو يغطوا السما بالقباوات و يعطونا دروس بالوفا للحلفاء» هنا بدأت الكاميرا بالهرولة بحثا عن سمير، ها هو، إنّه يهز رأسه صعوداً نزولاً، مرات أعجز عن عدها صدقاً، يغمض عينيه و ينصت «نعم حلو الوفا».

إقرأ أيضاً: سعد الحريري: عُد إلى لبنان
انتهى اللقاء و عاد كلٌّ إلى دارته، فخرج جنبلاط من عين التينة واصفا كلام الشيخ سعد بالممتاز، قائلا «متفقون معه»، داعيا إلى النزول إلى المجلس لانتخاب رئيس. انتهى اللقاء، انتهت الذكرى و غدا يوم جديد، فالرابع عشر من آذار التأمت اليوم مجددا، من عكار إلى طرابلس، مرورا ببيروت و البقاع، وصولا إلى كل الجنوب.
بعد كل هذه الأحداث التي أبت إلا و أن تحصل في يوم واحد، تساؤلات كثيرة ستطرح حولها، هل اتفق جنبلاط مع بري على هنري الحلو؟ هل أراد الحريري أن يوصل لنا رسالة عبر خطابه أمس، أنه سيتخلى و جعجع عن كل من فرنجية و عون لصالح الحلو؟ هل خلاف «حزب الله-أمل» يُترجم في ساحة النجمة؟ هل هل يفعلها قوى الرابع عشر آذار و أمل ؟

السابق
جمهور الممانعة يسأل: وهل كان عليّ يُصلّي؟!
التالي
الخارجية الروسية: موسكو ستواصل الغارات الجوية قرب حلب، حتى إذا تمّ التوصل لوقف إطلاق النار