مقابلة «حذفتها الرقابة» عن الخصوصية الشيعية للسيد هاني فحص‎

السيد هاني فحص
قبل ستة أعوام، قرأ المفكر والمرجع الشيعي الراحل السيد هاني فحص واقع الشيعة في إطار تحقيق عن "بيئة حزب الله" على طريقته وبجرأته وقدرته على كسر الخطوط الحمر التي كانت وسائل اعلام كثيرة تلتزم بها، ولا تزال، لإعتبارات كثيرة معروفة.تعاقب السنوات أظهر ان تداعيات هذه الرقابة الذاتية، سواء جاءت نتيجة ترهيب او ترغيب، ما أدى في حينه الى عدم نشر التحقيق بحجة عدم إثارة النعرات الطائفية، ساهمت وبنسبة كبيرة في تكريس واقع الشيعة المرهون لـ"حزب الله" ومن خلفه المايسترو الإيراني.

واليوم، لا يزال كلام السيد هاني سيد الكلام في وصف هذه البيئة التي تضخمت وتفاقم “وضعها الخاص” بين المذاهب اللبنانية، فانتقلت العدوى الى هذه المذاهب لتزداد العلاقات فيما بينها انقساماً وتشرذماً مع التطورات الاقليمية القاتلة. وتوقع ان الحل لهذا الوضع المتفاقم “سيكون كارثياً لتنتهي الامور بعد ذلك الى الاستواء على حالة واحدة”.

الكارثة وقعت، تحديداً كما رآها السيد هاني قبل ستة أعوام. وها نحن نعيش ما شخّصه بـ”حالات الهوس الدينية”. ونتابع ما انتجته هذه “الخصوصية الشيعية” التي تجعل الرؤية واحدة حيال كل القضايا والعلاقة مع الجماعات الأخرى اللبنانية رهينة اجتهاد واحد يسيِّرها ضمن حدود ممسوكة.

فقد رأى السيد هاني فحص في حينه، ان “الشيعة في لبنان اقوياء بالمعايير المادية: سلاح ومال وعدد وبالاحداث كالمقاومة والتحرير والانتخابات. هذا في المفهوم العام، حيث نرى ان المندمجين في البيئة السياسية الشيعية، وهم الغالبية، يتمتعون بالامتيازات والمعنويات العالية. لكن في المفهوم الخاص الذي ينعكس على الافراد، اذا لاحظنا ما وراء المظاهر والكلام، لا نجد هذه الامتيازات والمعنويات، انما نجد افراداً يعبِّرون عن الشركة التي ينتمون اليها من دون خصوصية الفرد”.

وفي حين لا يعي من ينخرط في “الخصوصية الشيعية” ان الآخرين يتعاملون مع هذه الخصوصية انطلاقاً من قدرتها على العنف والسيطرة بالقوة، فإما يخضعون او ينتظرون الفرصة المؤاتية للرد على هذه القوة، ما يؤسس لجولات متوقعة من اللاسلم الاهلي، يوضح فحص ان “هناك ميلاً لدى الفرد الشيعي لتبرير الذات، فهو دائماً على حق. ولديه الحق ليقول عن الآخر كل شيء ويصنفه ويخوّنه ويكفّره ويلعنه، وذلك في غياب اخلاقيات تنتج تماسكاً فعلياً. فالتماسك الحالي مصطنع لا يقوم على اطروحة الذات واحتياجاتها وانما على لغة الجماعة التي تدين الآخر بصوت واحد ولسان واحد، سواء كان هذا الآخر مسيحياً او مسلماً سنياً او حتى شيعياً خارجاً عن اجماع الجماعة. وهذا الواقع الصارم سيؤدي الى عنف داخلي والى انكسار البيئة الشيعية وتشظيها على رغم الشكل التوحيدي الخارجي الا ان مضمون هذا الشكل غير عميق وغير مستقبلي وهو قائم على السلبية ضد الآخر”.

ويجد فحص ان “حزب الله يأخذ كل الناس لكنه لا يستطيع تغيير ما فيهم. ينقل مشاكلهم من الخارج الى الداخل. كما ان العصبية الواسعة للشيعة لم تنتج علاقات صحيحة بين افراد المجموعة، فلا حيوية في البيت الواحد او القرية الواحدة، ليغلب التنميط على الخصوصية وتسود ثقافة التعزية في غياب اي لحظة للفرح”.

السيد هاني فحص
السيد هاني فحص

اما اكثر ما يخيف فحص فهو “ان هؤلاء الافراد يبتعدون عن دورة الانتاج الفردية في بيئاتهم، ليصبحوا في دورة الانتاج العامة للمؤسسة الحزبية التي تؤطرهم، وكأنهم مشروع تعطيل وتأهيل للبطالة”.

هاني فحصويضيف: “هناك شكوى مكبوتة. فالاحتفالات مصطنعة وبات واضحاً غياب الثقافة والفن عن الاجتماعات الشيعية. نادي الشقيف الثقافي العريق في منطقة النبطية تحول الى مطعم. وهناك ظواهر سلبية في المجتمعات لا تعالَج ولا تزعج. الحالة الاجتماعية متردية. والمناسبات لا تخرج من الاطار المعلب حيث يتم استغلالها منبراً للسياسة، كعادات تكريم الطلاب وكذلك مناسبات الموت والقيام بواجبات التعزية التي يجتمع الناس من خلالها ليستمعوا الى مواقف سياسية، ثم يخرجون فرادى. كل شيء سياسة بالاجرة او بالحياء”.

و”الجنوح الشيعي” كما يصفه فحص، “يعود الى ضعف الدولة بإرادتها وقدرتها على جمع مكوناتها، لذا يذهب الشعب عن هويته الوطنية ليفتش عن هوية جانبية تعطيه اياها المرجعية الطائفية. والامر لا يقتصر على شيعة او اقلية، فالاكثرية تذهب بأكثريتها الى هوية فرعية. لذا تعيش الهويات الفرعية ازدهاراً، لا سيما ان هناك اصراراً على تفكيك الدولة الام لمصلحة الهوية الفرعية. وهناك اصرار على الذهاب الى الماضي الخاص لكل طائفة وتفاصيله للاصطفاف عوضاً عن الذهاب الى المستقبل الموحد”.

لكن هذا الواقع يترك آثاره السلبية على الشيعة. فالرفض لهم يزداد ويتخذ اشكالاً عنصرية. وكل شيعي متهم بأنه يساهم في تنفيذ استراتيجية الحزب الالهي، بدءاً من التمدد الديموغرافي لإحتلال لبنان، وليس انتهاءً بالتمدد الاقليمي الذي يبشرنا به قادة الجمهورية الاسلامية في إيران، ومن ضمنها “حزب الله”.

 

إقرأ أيضاً: في ذكرى غياب استاذنا السيّد هاني فحص

 

يرى فحص ان الواقع الحالي ادى الى خوف الشركاء في الوطن من التمدد الشيعي الديموغرافي المصنف في خانة سياسة “حزب الله” لتقوية نفوذه. ويقول: “ممنوع الاعتدال لدى اي من الجماعات الطائفية والحزبية في لبنان. ولا افضلية لطرف على آخر الا بالمغالاة في السلبيات تجاه الآخر”.
ويرى فحص ان “هذه المرحلة ستأخذ مداها. الوضع كارثي، ليس فقط في لبنان وانما في العالم العربي، والحل سيكون كارثياً لتنتهي الامور بعد ذلك الى الاستواء على حالة واحدة. الامر يحصل مع حالات الهوس الدينية التي نشهدها. ولا شيء سيوقفها الى ان تأخذ مداها في غياب اي مشروع حداثي لديه حامل اجتماعي. كل جماعة تلتقي مع من تتحالف معه على السلبيات”.

 

إقرأ أيضاً: الى السيد هاني فحص في ذكرى رحيله الاولى: نحن لسنا بخير طمنا عنك

 

لكن هل يمهد هذا الواقع الجديد لعودة الحرب الاهلية؟
فحص يرى ان “المعتدلين في وسط هذه البيئة عليهم ان يلعبوا على الكلام لينقلوا وجهات نظرهم، هم يناضلون عكس التيار، فكل جماعة منغلقة على ذاتها وليس فقط الشيعة، لكن الرعية الشيعية اوسع وعصا الراعي اطول واقوى”.

السابق
لائحة قليموس التوافقية تهتز.. والرابطة المارونية قد تشهد انتخابات
التالي
الحريري: كلامي لم يكن موجّها ضد جعجع