نجاح «حزب الله» في تيئيس اللبنانيين

خيرالله خيرالله

اذا كان مطلوبا تيئيس اللبنانيين، لا شكّ ان “حزب الله” نجح في ذلك. نجح خصوصا في جعل لبنان بلدا بائسا فقيرا غير قادر على التقاط انفاسه وذلك من اجل اخضاعه وتغيير طبيعة النظام فيه.

لم يكن تلهي المسيحيين في قضايا صغيرة من نوع رئيس دائرة من هنا او هناك، بدل التركيز على القضية الاكبر، وهي انتخاب رئيس للجمهورية والشراكة الوطنية الحقيقية، المشكلة الوحيدة التي اشار اليها وزير الداخلية نهاد المشنوق اخيرا. كان كلامه الآخر عن رهان قسم من اللبنانيين على السلاح الفلسطيني في مرحلة معيّنة في غاية الاهمّية والشفافية.

هناك عملية نقد للذات ولممارسات الماضي، قلّما تجرّأ او يتجرّأ عليها فريق لبناني مسلم بات يعرف ان لا خلاص لجميع اللبنانيين الّا من خلال مشروع الدولة. الدولة التي تحتكر السلاح وليس الدولة التابعة لهذا الحزب المذهبي او ذلك والخاضعة لسلاح غير شرعي.

كلّما مرّت سنة اخرى على ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يكتشف اللبنانيون اكثر من يقف وراء الجريمة. يكتشفون خصوصا الى ايّ حد هي مرتبطة بالمشروع التوسّعي الايراني في المنطقة. لكنّهم يكتشفون ايضا ان الجريمة التي يتعرّض لها لبنان مستمرّة. نشهد في كلّ يوم فصلا جديدا من هذه الجريمة التي تستهدف اغتيال بلد انطلاقا من اغتيال رجل.

كان الفصل الاخير، من الجريمة التي ترتكب في حقّ لبنان، اعلان احد القياديين في “حزب الله” بعد اجتماع مع المرشّح الرئاسي النائب المسيحي ميشال عون انّه “عندما تتوفّر الظروف لانتخاب رئيس للجمهورية، سنكون اوّل النازلين الى مجلس النوّاب” من اجل انتخاب الرئيس. لا شرط لدى “حزب الله” سوى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. هذا على الاقلّ ما يقوله الحزب في العلن. في الخفاء، هناك رغبة واضحة في تغيير طبيعة النظام اللبناني وطبيعة البلد كي يفرض الحزب الرئيس الذي يريده. الاهمّ من ذلك، كي يفرض الحزب على لبنان النظام الذي يريده.

من يكون رئيس لبنان خيار خاص بـ”حزب الله”، كذلك، طبيعة النظام المعمول به. فرض الحزب رئيس على لبنان، مجرّد خطوة اخرى على طريق فرض نظام جديد يجعل من لبنان تابعا لايران لا اكثر. هذا ما يفترض في اللبنانيين التنبّه اليه. ربّما عليهم التنبّه قبل كلّ شيء الى ان نقل لبنان من الايمان بثقافة الحياة، الى التشبث بثقافة الموت هو الهدف ولا شيء آخر.

بات الحزب يسيطر على كلّ مرافق الجمهورية. ذلك هو الواقع الذي يؤمل باللبنانيين استيعابه. عندنا يبتلع الحزب البحر، هل يغصّ بالساقية؟ بعدما تحكّم “حزب الله”، ومن خلفه ايران بكل السلطات، السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، لم يعد في وسع اي طرف في البلد ان يستكثر على الحزب اختياره رئيسا للجمهورية وفرضه على اللبنانيين، ضاربا الحائط بابسط القواعد الدستورية المعمول بها.

لا يحدث شيء بالصدفة في لبنان. جزء من اللعبة تيئيس اللبنانيين وافقار بلدهم وتهجير اكبر عدد من المواطنين من الوطن الصغير. لم تكن موجة الاغتيالات التي تلت تفجير موكب رفيق الحريري سوى جزء من هذه اللعبة وفصل من فصولها.

اقرأ أيضًا: حزب الله يهاجم كارول معلوف لينسي الشيعة كلام أسيريه

مع اقتراب الذكرى الحادية عشرة لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه، يكتشف اللبناني ان الصمود الاسطوري في وجه المشروع التوسّعي الايراني بدأ يتراجع، خصوصا في ظلّ غياب زعامات مسيحية قادرة على امتلاك رؤية للمستقبل بعيدا عن ايّ نوع من الانفعال والسير في مشروع انغلاقي على الذات.

ثمّة حاجة واضحة الى فهم في العمق للخطر الذي يمثّله “حزب الله” على ثقافة الحياة في لبنان وعلى تركيبة المجتمع اللبناني. ثمّة حاجة الى فهم الدور الذي لعبته ايران منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي من اجل تغيير طبيعة بيروت كمدينة يعيش فيها لبنانيون من كلّ الطوائف والمناطق بعيدا عن الميليشيات وقيمها المرتبطة بالسلاح غير الشرعي.

صحيح ان الميليشيات المسيحية والمسلمة مسؤولة عن فظاعات مرتبطة بالذبح على الهوية والتهجير المتبادل في الاعوام 1975 و1976، لكنّ الصحيح ايضا ان القسم الكبر من المسيحيين هجّر من بيروت الغربية، خصوصا من رأس بيروت والمصيطبه والمزرعه، على يد “حزب الله”. كان السادس من شباط ـ فبراير 1984، نقطة تحوّل في مجال انهاء الوجود المسيحي تدريجيا في كلّ بيروت الغربية.

ما نشهده اليوم فصل آخر من مشروع قديم بدأ بمحاولة القضاء سريعا على معالم الحياة في بيروت. بعد فشل مشروع الانقضاض السريع على بيروت، بدأ تنفيذ مشروع آخر يقوم على الموت البطيء للبنان ولمؤسسات الدولة ولثقافة الحياة في بلاد الارز.

من يتذكّر ما تعرّضت له الجامعة الاميركية في بيروت، في ثمانينات القرن الماضي، من خطف لرئيسها ديفيد دودج (نقل من بيروت الى طهران عبر دمشق) ثم اغتيال لرئيس آخر هو ملكوم كير، وخطف لاساتذتها وصولا الى تفجير “كوادج هول”؟

تحتفل الجامعة هذه السنة بمرور مئة وخمسين عاما على قيامها. يعطي محيط الجامعة فكرة عن مدى تدهور طبيعة المجتمع اللبناني من جهة وحجم العزلة العربية التي يعاني منها لبنان وما كان يسمّيه الظرفاء والمثقّفون فعلا “جمهورية راس بيروت” من جهة اخرى.

ليس سرّا الدور الذي لعبه رفيق الحريري في ابقاء الجامعة الاميركية ومستشفاها على قيد الحياة. ليس سرّا ما فعله ايضا من اجل الجامعة اللبنانية وكلّ مؤسسات التعليم الرسمي.

كان كلّ ما يفعله من اجل بقاء لبنان مقاوما لثقافة الموت وذلك انطلاقا من عودة الحياة الى بيروت ووسطها في حين كان هناك من يسعى الى التدمير ونشر البؤس من اجل ايصال البلد الى ما وصل اليه الآن.

اذا لم يكن الوقت مناسبا اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية، متى “تنضج الظروف” كما يقول نائب عوني لا يعرف ان لبنان في خطر ولا يريد ان يعرف شيئا عن ان المطلوب حاليا انقاذ مؤسسة رئاسة الجمهورية قبل ايّ شيء آخر وذلك للابقاء على امل بانقاذ لبنان. من يزجّ نفسه في لعبة تغيير النظام، انّما يدخل عن سابق تصوّر وتصميم لعبة تكريس الوصاية الايرانية على لبنان.

اليوم هو الانسب لانتخاب رئيس للبنان. اليوم قبل غد. في غياب امتلاك ما يكفي من الشجاعة على الاقدام على هذه الخطوة، يصحّ التساؤل: هل كان رفيق الحريري ومشروعه القائم على ثقافة الحياة يجسّد المحاولة الاخيرة لانقاذ الجمهورية اللبنانية؟

مرّة اخرى وليست اخيرة، كلّما مرت سنة على ذكرى اغتيال “ابو بهاء” تتوضّح اكثر فاكثر خفايا الجريمة وابعادها. لم يعد من امل في ظلّ التيئيس المستمرّ للبنانيين والاصرار على تغليب ثقافة الموت وعزل البلد عربيا، سوى في ما بقي من الاصرار اللبناني على المقاومة من جهة وعلى ظهور وعي مسيحي لما هو على المحك وطنيا من جهة اخرى… الباقي تفاصيل لا اكثر.

(ميدل ايست أونلاين)

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الخميس في 11 شباط 2016
التالي
«خطة ب» أميركية.. و3 سيناريوات لتدخل عسكري في سوريا