الشيعة والأوطان

لقد اكتشفت من خلال هذه التجربة المركّبة أنّني تحرري. أي غير مسكون بمشروع إيديولوجيّ أو نظريّة مركّبة سلفاً أبحث لها عن مجال للتطبيق.

اقرأ أيضاً: الخوف الشيعي من السلاح

كل ما في الأمر، أنّي تعلمت السؤال أكثر. تعلمت أن المعرفة لا يمكن أن تنجز إلاّ بالشراكة، وتعلّمت الاعتدال والتوسط والتسوية، وأصبحت من القائلين بالهوية المركّبة، على أساس أن التركيب في الهوية يجعل أي حدث أو ظاهرة في أي جماعة، حصيلة عوامل عدة مختلفة. وفي الخلاصة، فإن الظروف قد تجعل عاملاً بذاته أشد ظهوراً أو تأثيراً من عامل آخر. لكن ذلك لا يلغي اهمية العوامل الأخرى او حضورها أو تأثيرها.
من هنا، فإن الحركات الجهادية التي حدثت في تاريخ الشيعة في مختلف أماكن وجودهم، فيها بعد شيعيّ من دون شك.
ويأتي من إتقان الشيعة للمعارضة والاحتجاج. هذا جميل، ولكنّ هذا الاتقان الذي كان نتيجة العزل والتهميش اللذين فرضا عليهم، لم يكن كافياً وليس كافياً. وهو لم يحبطهم ولم يمنعهم من الشراكة في إنتاج المعرفة ومواجهة المخاطر المشتركة. بالإضافة إلى أنّ البعد المبني على وعي للإنتماء إلى العروبة كمكوّن من مكونات الذات، لا كمشروع قوميّ عنصريّ، كان حاضراً أيضاً، ولو كان هذا الوعي قومياً بالمعنى السياسي اللاحق، والذي ترتّب على معطيات الصراع مع الطورانيّة التركية في العهد العثماني.

الشيعة
ولولا ذلك، لما كان هناك من مسوغ لثورة العشرين في العراق. على أساس أن التهميش الذي لحق بشيعة العراق في عهد الاتحاديين كان قاسياً، ويستدعي نوعاً من الثأرية. في حين قاد علماء الشيعة ثورة العشرين، وضحّوا فيها بالكثير إلى جانب الدولة العثمانية المهزومة، ضدّ الاحتلال الإنكليزي.
وقبل ذلك، شارك الشيعة في فترة الثورة الدستورية أوائل القرن الماضي من إيران إلى العراق. وكانت القيادة العلمائية في إيران وقتها من المجتهدين خرّيجي النجف. وكان هناك تواصل وشاركة شيعيّة سنّية.
ومعروفة تلك الرسالة التي أرسلها مجتهدو النجف إلى السلطان محمد رشاد، وخاطبوه فيها بإسم الشيعة والحوزة بالخلافة، على أساس الديمقراطيّة وعلى أساس الدستور ووعده بالعمل به، في مقابل “الشاه القاجاري” الذي تنكّر للدستور الإيراني وتلقّى منهم رسالة تهديد ووعيد!

اقرأ أيضاً: هاني فحص.. سيّد الدولة بولائها الوطني لا الطائفي

هذا كله يعني أن الشيعة كانوا يجدون أنفسهم في الاندماج بأوطانهم وأقوامهم تحت سقف القانون، وفي أحضان الدستور والديمقراطية.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
هذا أبرز ما قاله أسيرا حزب الله لـ «كارول معلوف»
التالي
زيادة رسوم المحروقات…باب جديد للهدر!