كريم مروّة (3\3): الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية

كريم مروة
في الحلقة الثالثة والأخيرة من الحوار الذي نشر في مجلة «شؤون جنوبية» يستكمل السياسي كريم مرّوة رصد آفاق الحراك الشعبي وهنا سألناه:

نحن في “شؤون جنوبية” استضفنا نسبة من المجموعات التي يتألف منها الحراك، ومنتدين عنها، وقالوا كلاماً واضحاً، “نحن لسنا مسؤولين عن برنامج سياسي” و”لسنا مسؤولين عن عملية تنظيم دقيقة، لأننا لسنا أحزاباً، كما تفضلت، ولكن نحن نضع إصبعنا على الجرح، نحدد المشكلة، وهذه مهمتنا فحسب، وجنابك تعتبر أن هذا الحراك هو مهم لكنه خطوة أولى، فالحراك إذا ما توقف هنا، عند الإشارة إلى الخلل، فمن الذي سيتابع الخطوة الثانية؟

مروة: قلت لك قبل قليل بأن هذا الحراك الشعبي الأخير في الصيغة التي عبّرت عنها شعاراته هو بحدوثه في هذا الوقت بالذات حراك شعبي ذو صفة ومهمة تاريخية. وقد تابعت باهتمام كبير الحالة التي تلت الحراك. وسمعت ما قيل في وسائل الإعلام من قبل قادة الحراك في خلافاتهم، وما قيل من اتهامات لبعضهم وما قيل عن ارتباطات بعضهم بالخارج وسوى ذلك مما أساء إلى الحراك. وبمعزل عن كلّ ما سمعت فإنني ما زلت في موقفي ذاته المعلن من هذا الحراك ومن توصيفي له كحدث تاريخي. صحيح ما يقوله بعض قادة لحراك من أنهم ليسوا في حراكهم هم الذين سيقودون البلاد نحو الضفة الثانية في اتجاه المستقبل المنشود المنتظر باسم التغيير الديمقراطي. فإن هذه المهمة في الواقع إنما تعود في الأساس إلى القوى المنظمة التي ما تزال حتى الآن خارج الدور الذي يعود لها. ومهمة الحراك في هذا الوضع بالذات هو أنه يهيّأ الشروط لكي تنهض هذه القوى للقيام بدورها. فمتى ستنهض هذه القوى، لا سيّما القوى اليسارية بأسمائها ومرجعياتها المختلفة التي حملت شعار التغيير الديمقراطي ثم دخلت في أزمات قادت معظمها وربما جميعها إلى الاتجاه النقيض لأهدافها الأساسية السابقة؟! الجواب عن سؤالي هذا يتطلب الدخول في ما لست مستعداً للدخول فيه. لكنني أقول أن هذه القوى، أسوة بسواها في عالمنا العربي وفي العالم، لم تتعلّم لا من تجاربها ولا من تجارب الآخرين.

إقرأ أيضاً: كريم مروه: الوصاية أخطر ما واجهته أحزابنا (3\2)

بدأ الوعي التراكميّ

· ما السبب في عدم التعلّم هذا؟

مروة: في قراءتي للتاريخ القديم، تاريخنا وتاريخ العالم، يظهر ما أشرت إليه آنفاً من تكرار الأخطاء وعدم الاستفادة من التجارب واستخلاص الدروس منها. وتكرار الأخطاء هذا عبّرت عنه إعادة إنتاج الواقع الذي كان يفترض أن يقود النضال للتحرر منه وتغييره. في هذه القراءة للتاريخ القديم والحديث، ولتاريخنا نحن بالذات، ما يبدو غريباً. لماذا لا تتعلّم القوى السياسية في كلّ ألوانها من تجاربها ومن أخطائها؟ وهي إشكالية تحتاج إلى درس وتحليل واستنتاج. وقد يكون من أوائل الإجابات عن هذا السؤال أن الوعي البشري ما زال متخلّفاً، أو هكذا يخيّل إليّ. وأجزم في ضوء هذه الوقائع التي نعيشها بأن وعياً ما سينشأ لتحرير بلداننا وتحرير العالم مما هي منخرطة فيه ضد مصالحها وضد مستقبل البشرية. وهو استنتاج قد أبدو فيه مستعجلاً بالنسبة للمستقبل. لكن السبب الذي يدعوني إلى هذا الجزم هو الثمن الباهظ الذي دفعته وتدفعه الشعوب في صراعاتها وحروبها الأهلية، ومنها شعوبنا بالذات. وبالنسبة للبنان فإنني أكاد أجزم بأن وعياً جديداً قد بدأ يحدث تراكماً عبّر عن جزء منه الحراك الشعبي، وتعبّر عنه بصيغ بدائية الرغبة العارمة في الخروج من النفق الذي يعيش فيه لبنان من اهتراء لمؤسسات الدولة ولكلّ مرافق الحياة فيه.

· كيف تلخِّصون حديثكم على مستقبل ما يجري في الحراك، في مطالب أساسية يتبناها الحراك، أو خريطة طريق للحراك، فما هو المطلوب؟

كريم مروة محمد عقل أحمد ياسين

مروة: أجبت عن سؤالك هذا بالتفصيل في إجاباتي عن أسئلتك السابقة. وأكرر بأن الحراك قد وضع أمام الشعب اللبناني مهمات راهنة وبعيدة المدى. وبات على القوى التي يفترض بها أن تكون حاملة المشروع الديمقراطي للتغيير أن تنهض للقيام بمهمة تحقيق هذا التغيير.

المهمّاتُ المطلوبة

· لذلك نستخلص مما قلته، من أن البشر لا يستفيدون من تجاربهم، أن التغيير، هو ليس عملية تغيير في العناوين، أو تغيير أشخاص، أو إقالة سلطة، لأننا دائماً نُعيد إنتاج الاستبداد، أي أن التغيير هو عملية أكبر من أنها تكون، تغيير سلطة أو رموز… فعملية التغيير هي عملية طويلة الأمد، وبالتالي، لا يمكن أن يتحقق التغيير، لأن أكثر الثوار، ويمكن أكثر الأنقياء، يعودون ليتورّطوا في الاستبداد، نتيجة أن شروط التغيير لم تتحقق فعلياً، وبالتالي يعيدون إنتاج نفس السلطات التي كانت قائمة…

إقرأ أيضاً: أهم ما في «الحراك» أنّه عابر للطوائف (1/3)

مروة: نعم يا صديقي. التغيير مهمة صعبة وطويلة المدى. لكنني في ضوء تجارب الشعوب وتجارب شعبنا أستطيع القول بأن علينا أن ننطلق من حقيقة تاريخية أشرت إليها في أحد أجوبتي أن التاريخ هو تاريخ مراحل مرحلة إثر مرحلة، والتواصل هو السمة الأساسية لحركته، وأن تجاوز مرحلة جديدة لمرحلة سابقة هو شرط ضروري للمرحلة الجديدة يستفاد فيها من دروس وتجارب المرحلة السابقة. لذلك فإنني، انطلاقاً من الواقعية التي أنا ملتزم بها، وانطلاقاً من المرحلية في حركة التاريخ، فإنني أعتبر أن المهمات المطلوب تحقيقها في لبنان في اتجاه التغيير الديمقراطي تبدأ عندنا في الوضع الذي نحن فيه وفي صورة متكاملة: انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتفعيل المجلس النيابي، ووضع قانون ديمقراطي لانتخابات يجب تحديد موعدها، وتفعيل الحكومة، ووضع مهمات مباشرة أمامها أشرت إليها في جوابي عن أحد أسئلتك، ومساعدة حزب الله في الخروج من الحرب في سوريا. يترافق ذلك مع الاستمرار في الحراك الشعبي بعد تجديده وتخليصه من عناصر الخلل فيه، والعمل في الآن ذاته من قبل النخب الأكثر وعياً من أجل خلق نواة لقوى سياسية منظمة حاملة راية النضال من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي في صورة مرحلية. أقول ذلك لأن التغيير المنشود لا يتحقق إلا بوجود قوى ديمقراطية منظمة ذات برنامج واقعي حاملة لهذا التغيير.

السابق
حديث التسوية السعودية الإيرانية
التالي
الرئاسة بين «الزوجة» و«العشيقة»