كريم مروه: الوصاية أخطر ما واجهته أحزابنا (3\2)

الحراك المدني
يتابع كريم مروة في القسم الثاني من الحوار الذي نشر في مجلة «شؤون جنوبية» تقصي تاريخ الحراك الشعبي وآفاقه، فأبرز دور الوصاية السورية في مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس الحريري ودورها في خنق ارهاصات الحراك المدني.

إنك تعتبر أن هذا الحراك، هو حدث تاريخي، لكن هناك أناساً كثيرين، من داخل الحراك الحالي، يعتبرون أن الأحزاب والقوى الوطنية، والأحزاب التقدمية – على اختلافها – من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، هي خارج السياق التاريخي، ببرامجها، بلغتها الخشبية، وبإرثها السياسي، وبنضالها، أصبحت خارج الزمن. ويقولون، نحن نؤلّف الحملات، ونحن نعمل لتغيير النظام السياسي، خارج الأُطر السياسية التقليدية، التي يصفونها بالعقيمة، بينما، وبالعكس من ذلك، أنتم تقولون، إن هذه الحركة المطلبية هي وريثة لتحرككم السابق، فكيف إذاً توفّقون بين المسألتين؟

اقرأ أيضاً: أهم ما في «الحراك» أنّه عابر للطوائف (1/3)

مروة: لقد أعطيت لهذا الحراك، كما أشرت إلى ذلك في جوابي عن سؤالك الأول، صفة الحدث التاريخي للأسباب الآنف ذكرها. وأكرّر بأنه لا يقلّل من هذه الصفة للحراك كونه قد أصيب بنكسة كانت في رأيي منتظرة بالنظر لما اتصّف به من عفوية كانت طاغية فيه، ومن غياب البرنامج ومن التشوش في طرح المهمات الآنيّ منها والبعيد المدى وعدم التفريق بينهما، والتشوش في الأشكال التي اختارها قادته للنضال فضلاً عن الخلافات داخله والمزايدات هنا وهناك وسوى ذلك من عناصر الخلل. وهو في نظري أمر طبيعي في ظلّ غياب القيادة وفي غياب الاتفاق الواضح حول آلية النضال والأولويات فيه وسوى ذلك مما هو ضروري للاستمرار في الحراك. يضاف إلى ذلك الواقع الآنف ذكره حول الحراك أن قادته لم يستفيدوا من تجارب الحركات السابقة على حراكهم ومن الأخطاء التي وقعت فيها، لا سيّما ما وقعت فيه هيئة التنسيق النقابية وقادت نضالاتها المميزة إلى الفشل لأنها لم تفرّق بين ما هو آنيّ ومرحليّ من النضال وما يتطلّب نضالاً طويل المدى.

الوصاية وتراجع الأحزاب

وفي مطلق الأحوال فإن علينا، ونحن نتحدث عن هذا الحراك بإيجابياته وفي الخلل الذي عطّل مؤقتاً حركته، أن نتذكر أمرين أساسيين حتى لا نحمّل هذا الحراك من المهمات ما يتجاوز إمكاناته في ظلّ الواقع الراهن في البلاد الذي هو استمرار لواقع سابق عمره أربعة عقود ونيّف. الأمر الأول يتمثل في الدور السلبي للوصاية السورية التي عطّلت الحياة السياسية وعطّلت السياسة والفكر وانتهت بتلك الاغتيالات لكبار السياسيين والمفكرين والإعلاميين وفي مقدمتهم الرئيس رفيق الحريري. الأمر الثاني يتمثل في تراجع دور الأحزاب بعامة ودور الأحزاب العلمانية على وجه الخصوص بأسمائها ومرجعياتها المختلفة ومن ضمنها الأحزاب اليسارية. وفي هذا السياق أود أن أتوقف عند التجربة التي تعود لنا في الحزب الشيوعي. ولن أدخل هنا في الحديث عن الحزب في واقعه الراهن. فهذا شأنه وشأن قادته وأعضائه. لكنني توقفت ملياً عند تجربتنا السابقة من بدايتها، تجربتنا كشيوعيين لبنانيين وتجربة الحركة الشيوعية برمّتها. واستخلصت من ذلك التاريخ الدروس التي تعود لنا وتعود في الآن ذاته لشركائنا في الوطن من القوى السياسية الأخرى. لكنني لن أستطيع أن أتحدث باسم الجميع. أتحدث باسمي وباسم تجربتنا. وحددت في قراءتي لذلك التاريخ في صورة مراجعة نقدية لتجربتنا مستخلصاً بذلك الدروس الضرورية للمرحلة التي نحن فيه وللمستقبل. فجاء ذلك في كتابي الأخير الذي يحمل عنوان “فصول من تجربتي في الفكر والسياسة” الصادر في هذا العام 2015 عن الدار العربية للعلوم – ناشرون.

اقرأ أيضاً: هكذا يصف مفكر ياباني طريقة العرب في التفكير والعيش؟

خللٌ ثورويٌّ متكرِّر

· دروس ضرورية مثل ماذا؟

مروّة: لقد تحدثت ما فيه الكفاية في الجواب عن السؤال السابق عن الحراك اللبناني الأخير. وتحدثت في الآن ذاته عن تجربتي السابقة والدروس التي استخلصتها منها من دون تفاصيل. وفي العودة إلى ذلك الحديث عن الدروس أكتفي في ما يتعلق بتجربتي بالإشارة إلى أنني كتبت نصاً حددت فيه قراءتي للدروس المستخلصة من تجربتي وقراءتي للمستقبل، وأعطيت لهذا النص العنوان التالي: “بيان من أجل يسار لبناني جديد وحركة شعبية حاملة مشروع ديمقراطي للتغيير” نشر قبل ثلاثة أشهر في ملحق جريدة النهار. ويستطيع القارئ أن يعود إلى الكتاب الآنف ذكره وإلى هذا البيان ليعرف بالتحديد الدروس كما هي وطريقتي في الإستفادة منها.

كريم مروة
كريم مروة

إلا أنني لن أكتفي هنا بما أشرت إليه من الدروس الخاصة بتجربتي. سأعود إلى تاريخ سابق، في القرن العشرين على وجه التحديد، لأشير إلى الخلل الذي ساد في الثورات على اختلافها وقادها جميعها من دون استثناء إلى الفشل. وقد أشرت إلى ذلك بوضوح في كتابي الذي يحمل عنوان “قادة تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين”. وهو من جزأين صادر عن الدار العربية للعلوم – ناشرون في عام 2012. وعدد القادة سبعة وثلاثون من ضمنهم عدد من القادة العرب. وكان هدفي من إصدار ذلك الكتاب تقديم قراءتي لذلك التاريخ مهداة إلى الثورات العربية الأخيرة وقادتها لكي يستفيدوا من تجارب تلك الثورات. والغريب في قراءتي للتاريخ القديم بمراحله المختلفة أن أياً من قادة الثورات جميعها لم يستفد من تجارب ودروس الثورات السابقة، بما في ذلك قادة الثورات العربية الأخيرة، واستطراداً الحراك الشعبي اللبناني الأخير. ويقيني أن العلة كما قرأتها هي أن الذين يحملون شعارات التغيير بأسمائهم ومرجعياتهم المختلفة لم يدركوا جيداً ما علّمنا إياه التاريخ بأنه تاريخ مراحل، وأنه لا انقطاع في حركته. بل هو تواصل وتجاوز ضروري في الآن ذاته من مرحلة إلى مرحلة أخرى.

الحراك يمهّد للمستقبل

· هناك مسألة موصولة بالكلام الذي تفضّلت به، أن الوضع في لبنان، والوضع في الدول العربية، بهذه المقاربة، إذا صح التعبير، يفترق لبنان، في هذه المقاربة، في أنه شهد حرباً أهلية، وتدخّلات خارجية، وبالعودة إلى الحراك، الآن الحراك حصل، والتطورات الإيجابية التي أشرت إليها ممتازة، فكيف يمكننا الدفع بهذا الحراك، ليحقق أهدافاً، في تطوير طبيعة النظام السياسي في لبنان؟ فهل أولوية هذا الحراك هو الذهاب نحو هذه المهمة، مهمة التغيير السياسي؟ أم من طبيعته ذاتها، أن ينخرط في مثل هذه المهمة؟ أم أن أهميته أنه حركة مطلبية محددة بعناوين معيّنة؟

مروة: أظن أنني أجبت عن جزء من سؤالك المتعدد هذا في جوابي عن سؤالك السابق. ومع ذلك دعني أكرر بأن هذا الحراك قد فتح الطريق أمامنا في اتجاه المستقبل. وبات على القوى الراغبة في التغيير أن تفيد من هذا الحراك وتفيد في الآن ذاته من تجارب الثورات العربية وتنهض من جديد، القديم من تلك القوى والحديث، وأن تباشر كلّ منها من موقعها في النضال لتحديد الأهداف التي عبّرت عنها شعارات الحراك، وأن تتجاوز تلك الأهداف في الاتجاه الذي يعبّر عن الحاجة إلى إعادة صياغة المعنى الحقيقي للبنان بسماته التي تعبّر عنها شخصيته الوطنية.

الجراك المدني في لبنان

أضاف مروّة: وما أعنيه هنا بالتحديد إقامة دولة مدنية حديثة في لبنان، دولة حق وقانون ومؤسسات ومواطنة وحقوق إنسان في إطار نظام ديمقراطي تعددي يحترم المكوّنات المتعددة للبنانيين ويوحدها لكي تعبّر في وحدتها عن فرادة الشخصية اللبنانية. وفي هذا الاتجاه ولتحقيق ما قدّمته من أهداف لا بدّ من أن نحرر لبنان مما أسميه بحق مرض الطائفية والمحاصصة باسمها والاصطفافات السياسية على قاعدتها وتدخل الخارج في شؤوننا وتدخلنا في شؤون الخارج، وصولاً إلى تحقيق ما نصّ عليه اتفاق الطائف من مجلس شيوخ للطوائف وهيئة وطنية للبحث في الإنهاء التدريجي للطائفية وصولاً إلى برلمان ديمقراطي خارج القيد الطائفي. وطبيعي أن يسبق تلك الأهداف هدف مباشر يتمثل في انتخاب رئيس للبلاد وتفعيل البرلمان المدد له وتفعيل الحكومة من أجل أن تحقق ما دعا له الحراك الأخير من حلّ صحيح وسريع لقضية النفايات وللكهرباء وللمياه ولجميع مرافق الحياة، فضلاً عن مطلب آن أوان تحقيقه يتمثل بإقرار البطاقة الصحية لجميع المواطنين ووضع حلّ لقضية السكن بإنشاء مساكن شعبية وبقانون عادل للإيجارات. ومن الطبيعي أن لا نتجاهل التأثير الذي تمارسه على بلدنا الأحداث الجارية في البلدان العربية، لا سيّما ما يجري في سوريا. ولن أدخل هنا في كلّ الملابسات التي أصابت بلدنا من جرّاء ما حصل في سوريا، بما في ذلك ما يتصل بدخول حزب الله في الحرب في سوريا. وهو، أي دخول حزب الله في القتال في سوريا، مع تقديري لنضالات حزب الله ولبطولات مقاوميه لا سيّما دوره في تحرير ما كان قد تبقّى من الأرض اللبنانية تحت الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000، هو خطأ سياسي آمل أن يستفيد منه حزب الله كمكوّن سياسي أساسي من المكوّنات السياسية اللبنانية في المرحلة المقبلة عندما تنتهي الحرب في سوريا. ولا حلّ بالمطلق من وجهة نظري للحرب في سوريا ولكل الحروب العربية إلا بالوسائل السياسية التي تتحقق بجهود أبناء البلد وبالقوى الخارجية التي شاركت بالعمل العسكري والسياسي.

اقرأ أيضاً: وضاعت فرصة التغيير

أقول ذلك تأكيداً لوجهة نظري التي صرت حريصاً عليها وهي أن العنف يجرّ إلى العنف وأن كلفة النضال من دون عنف هي أقل كثيراً من العمل المسلّح. وهو ما أكدت عليه الحروب الأهلية التي شهدناها في لبنان ونشهدها الآن في البلدان العربية.

السابق
فضيحة اطلاق التشيكيين: كيف تم تشريع الخطف رسميا
التالي
«محمد مصطفى نورالدين» من ديركيفا معتقل في فرنسا بتهمة التعامل مع حزب الله‎