محاربة «داعش» وأسئلة محيرة؟

المسؤولون والمحللون السياسيون الغربيون مجمعون على أن هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، ستستغرق عقوداً وليس بضع سنوات. وعند إنشاء التحالف الدولي ضد الإرهاب قبل ثمانية عشر شهراً، قال عدد من الساسة الأميركيين أن القضاء على «داعش» لن يتحقق في المدى القريب، وإنما بعد مضيّ فترة لن تتعدى ثلاث سنوات، بينما قال الرئيس أوباما أن الأمر سيتطلب عقداً من الزمن. وفي خضم هذه التوقعات المتناقضة، وفيما يعلن المسؤولون الغربيون أن التنظيم الإرهابي خسر ما بين 30 و40 في المائة من الأراضي التي كان يحتلها في العراق وسورية، فإن بعض التقارير يفيد بأن «داعش» تمكن من ابتكار أساليب جديدة لتعويض القصور لديه، منها استخدامه أنفاقاً تحت الأرض ووسائل إخفاء أخرى، وطائرات صغيرة من دون طيار، وأسلحة كيماوية. وهو الأمر الذي يعني أن «داعش» يمتلك مصادر قوة ضاربة، ويخطط للبقاء والتوسع في العراق وسورية، إلى جانب تغلغله في مناطق من ليبيا وسيطرته على موانئ نفطية فيها، مما بات يهدد الأمن في هذا البلد العربي الأفريقي وضفتي المتوسط على نحو بالغ الخطورة أخذت دول المنطقة تحسب له حسابها.

اقرأ أيضاً: «داعش» يستفيد من الصيت الذي اكتسبه للتمدّد عالمياً

هذا الفشل الذريع في الجهود الدولية للقضاء على التنظيم الإرهابي «داعش»، على الرغم من تسخير هذه الإمكانات الهائلة، وحشد أكثر من ستين دولة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، يثير العديد من الأسئلة التي تحار الألباب في إيجاد أجوبة مقنعة عنها، مما يثير الشك في مصداقية الجهود التي تبذل على أكثر من صعيد، من أجل محاربة الإرهاب الذي يحصرونه في «داعش»، وكأن الإرهاب في المنطقة لا يمارسه سوى هذا التنظيم، وليس ثمة طرف ثانٍ وثالث وربما رابع يمارس الإرهاب، أو يشجع عليه.

ومهما تحلينا بحسن الظن في تحليل الوضع القائم، فإننا لا نستطيع تجاهل فشل المجتمع الدولي في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، إلى هذه الدرجة المثيرة للأسئلة المحيرة، مما يدل على أن في المسألة خللاً ما، وأن الاستراتيجية التي يتبناها التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تعتورها نواقص كثيرة، فهي غير مكتملة الأركان، مما يتولد عنه العجز، أو القصور، أو التخاذل. وهو ما يستوجب إعادة النظر في العملية برمتها، والقيام بتقييم ما تمَّ إنجازه، إنْ كان هناك فعلاً ما تمّ إنجازه على الأرض غير قتل الشعب السوري وتدمير مدنه وتهجيره.

داعش

الشك في مصداقية العمل الذي يقوم به التحالف الدولي لمحاربة «داعش» يدفع بنا إلى الربط بين تصريحات القادة السياسيين الأميركيين والأوروبيين، حول استحالة القضاء على «داعش» في أمد قصير، وما تذيعه التقارير عن التطوير الذي تعرفه الأساليب التي يستخدمها، فينمي بها قدراته، ويوطد أقدامه على الأرض التي استولى عليها. فكيف يصح أن «داعش» خسر نسبة تزيد عن الثلث من الأراضي التي احتلها وأدخلها تحت نفوذه، بينما هو يثبت يوماً بعد يوم، أنه يملك قدرات هائلة تجعله يمارس الإرهاب على نطاق واسع، ويهدد مناطق أخرى بالاكتساح من سورية والعراق، ويمد نفوذه إلى ما وراء البحر في ليبيا وما حولها؟ أليس هذا التناقض المريب هو ما يفتح لنا المجال لطرح السؤال المحوري في هذا الموضوع، وهو: هل أميركا ومعها القوى العظمى الأخرى، جادة كل الجد في محاربتها للإرهاب؟ وهل من مصلحة أميركا ومن معها أن يتم القضاء على «داعش» نهائياً؟ أم أن مصلحتها ومن معها تكمن في بقاء هذا التنظيم ينشر الرعب في المنطقة، ويحقق الأمن لإسرائيل والتغول لإيران؟

إن خطورة الوضع القائم في سورية والعراق، والذي هو آخذ في التدهور والتفاقم بدرجة مرعبة، تستدعي أن نتعامل مع الأزمة في هذين البلدين بمنتهى اليقظة وبالوعي العميق بالمخاطر التي تهدد أمن العرب في حاضرهم ومستقبلهم. إذ لا يصح أن نقف موقفاً ضعيفاً أو متردداً أمام هذه الخطورة التي تتزايد شدتها كلما تقاعسنا عن العمل الجدي.

وإذا كان التحليل الموضوعي للأحداث لا يستقيم مع توجيه الاتهامات من دون حجج دامغة، فخطورة الوضع على الأرض، وأمام تفاقم الأزمة، وفي ظل العجز التام عن تحقيق أي هدف من الأهداف المحددة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تستوجب أن نحدّد المسؤولية، وأن نعلن للرأي العام أن التنظيم الإرهابي «داعش» قوة عجيبة غريبة عجز المجتمع الدولي عن القضاء عليها، وأن المستقبل لا يبشر بالقضاء عليها، وأن على دول المنطقة، وهي الدول العربية وتركيا التي يستهدفها هذا الإرهاب، أن توطد العزم على مواجهة هذا الخطر في شكل أكثر ضراوة ومن دون تعويل على أميركا ومن معها. فأمن هذه الدول ووجودها أصبحا في خطر شديد، في ظل تواطؤ إيران وإسرائيل مع هذه المؤامرة التخريبية.

(الحياة)

السابق
بالصور: أجمل نافورات العالم
التالي
لبنان والسعودية: جهاد الخازن ونديم قطيش يردّان على الشريان والذيابي