معظم من تم ذكرهم في مقدمة الحديث هم من الزعماء المحليين الذي من دون شك يخوضون معركة بقاء لبنان كيان مستقل ينعم بتعددية دينية بعيداً عن التقوقع والعصبية التي وبالتجربة أخذت اللبنانيين إلى الهلاك جراء التمذهب المقيت. أما السؤال عن السبيل إلى ذلك في ظل إحتدام المعارك في المحيط؟ فالجواب بسيط، وهو يقيناً يتحقق بالإختلاط والتضامن والوحدة وتقديم التحصين على الهجوم وزيادة المناعة الوطنية عند اللبنانيين، وإختيار الحياد في المعارك الدائرة بين المسيّرين، بل وطمأنة القريبين قبل البعيدين، الأشقاء منهم والأشقياء، الأعداء قبل الحلفاء، عن أن لا طمع ولا أطماع ولا وجود لطامعين، بل أمل في العيش آمنين.
اقرأ أيضاً: لماذا تأخر السيد حسن عن اعلان تأييده لترشيح الجنرال؟
وعليه، وفي مناخ التسوية التي أعادت إنتاجها مجتمعة قوى محلية بعيداً عن الحسابات الإقليمية والشرق أوسطية، فإن أمام أمين عام حزب الله فرصة تاريخية ليطل بها على اللبنانيين، يقبل بإبتسامة على الديمقراطية، يدعو إلى إنتخاب رئيس للجمهورية مسيحي ماروني ليمنع بذلك عنا خطر التقسيم، الذي بات مع إقتراب التسوية وشيك، ويعد اللبنانيين بعودة أبنائهم وإخوتهم من حرب الفتنة واللاإنتصار إلى بلدهم ليعيدوا بناءه بشكل حصين، يعلنها صراحة ومباشرة أمام الناس وقد أزدانت الخلفية الزرقاء وراءه بعبارة “لبنان أولاً وأخيراً وطن نهائي لجميع اللبنانيين”. خصوصاً وأن الترشيحات آلت بعد إنسحاب الآخرين لحلفاءه المحليين.
على جغرافيا متزعزعة تذوب فيها تدريجياً كيانات وتظهر أخرى بشكل مثير لا بد وأن نحافظ على وجود طبقة صلبة تصلح كقاعدة لبناء وطن على دعائم، قد تكون مكلّفة ولكنها تعتبر آخر مأثرة هندسية في العالم أنجزت بطريقة حذرة في أرض معرضة للبلل متحركة وهيدرولوجية بشكل كبير. لكن مع وجود وعي بحقيقة أن أي مقدار من الهندسة الذكية لا يستطيع منع أي كيان من الذوبان إذا ما تعرض هيكله للخطر بشكل مركز وعنيف، فعندها لا محال سيعود الأساس إلى الجزئيات التي منها تأسس وتهبط الأرض وتزيد التصدعات وتبرز الإلتواءات ويكثر الهلع وتتوالى الإضطربات، تضمحل الإنسانية على نحو يبعث الدهشة لتعود إلى حالة أقرب إلى الحياة البرية التي روت لنا بالتواتر قصة مقتل قايين على يد أخوه المولود بالجنة هبيل.
اقرأ أيضاً: المتطرّفون في المجتمعات