المتطرّفون في المجتمعات

الشيخ عباس حرب

 المتطرّفين هم أفراد قادرون على “التضحية بأثمن ما عندهم (وظائفهم، حرّيتهم…)، ولاسيّما حياتهم، وفي كثير من الحالات باسم فكرة” .

 

وبهذا يمكن إطلاق صفة التطرّف على الأعضاء الانتحاريّين داخل نِحْلة، والانتحاريّين المخاطرين بحياتهم في سبيل الوطن.

 

وانطلاقاً من هذه الخريطة العامّة للتطرّف، فالتطرّف لا يكون إلاّ نتيجة اعتقاد جازم في صحّة فكرة وجدارتها.

 

والاعتقاد يمكننا تعريفه في ذات الوقت من خلال مضمون (فكرة) ومن خلال علاقة الشخص بذاك المضمون، أي: الالتزام بفكرة بدرجة أو أخرى، ويكون ذلك عبر ثلاثة أنواع:

 

أولاَ: الانتماء بالوراثة: وهو ما يسهّل الانحباس داخل سجن معرفي ذلك أنّ الانتماء يكون أسهل حين يكون المحيط الاجتماعي مشجّعاً عليه من حيث انتماء عائلة المرء مثلاً إلى نِحْلة، وهو ما يدخل في باب التشريط الثقافي والتنشئة الاجتماعيّة، إذ من شأن العلاقات الاجتماعيّة المغلقة أن تحدّ من اختياراتنا، وتقوّي رغبتنا في الانتماء إلى جماعة، وإن كانت متخيّلة (الفرقة الناجية مثلاً).

 

ثانياَ: الانتماء بالإحباط: أي: بدافع اليأس من عالم خارجيّ معادٍ. فلئن كان الشعور بالإحباط أحياناً ذا عواقب إيجابيّة إذ يمكنه، على سبيل المثال، دفع الأفراد للتغلّب عليه وتحقيق تطلّعاتهم؛ إلاّ أنّه قد يؤدّي أيضاً إلى الشعور بالاستياء والاعتقاد بأنّهم يستحقّون أفضل ممّا هم عليه، وهو ما يمكن أن يخلق قوّة مدمرّة. وقد يغدو الأمر أكثر خطراً حين تتجمّع هذه الإحباطات الفرديّة وتلهم حركة دعويّة يمكن أن تكون عنيفة بفعل حركة المقاومة التي قد تجابهها من النظام الاجتماعي السائد.

 

ثالثاَ: الانتماء بالكشف- الانكشاف: وهو نادر الحدوث قياساً بنوعيّتي الانتماء السابقين. إلاّ أنّه قد يحدث لبعض العقول المستعدّة لذلك، أن تدخل دورة الاعتقادات المتطرّفة نتيجة حادث عارض، قد يكون سعيداً أو غير سعيد، فتفسّره كما لو كان قدراً إلهيّاً حوّل مسار حياتهم، ويدعوهم إلى اعتناق فكرة تجد أساسها في تلك الإشارة الربانيّة، ومن هنا الانزلاق إلى منحدر الاعتقاد، والانعزال عن المجتمع، ومن ثمّة البحث عن انتماء لجماعة تقاسمهم ذات الفكرة.

 

أمّا خصوصيّة الفكر المتطرّف، فتتمثّل في أنّه “التزام راديكالي بفكرة راديكاليّة” والنتيجة هي أنّ الأفكار المتطرّفة، إمّا هي ضعيفة الانتقال بين الذوات، أي: أنّها لا تنتشر إلاّ في صفوف عدد محدود من الناس، لأنّهم يرونها غير مقنعة ولا تتماشى مع الواقع، أو لأنّها (معتلّة اجتماعيّاً) إنّها (قيم ومعتقدات ذات شحنة صراعيّة، تؤدّي إذا ما تمّ الالتزام بها في منطقها الكلّي… إلى عدم قدرة بعض الناس على العيش مع الآخرين)؛ أي: أنّها لا تقبل رؤى أخرى للعالم مخالفة لها، أو أنّها تجمع، في أشكالها الأكثر خطورة، بين كلتا الخاصيّتين.

 

فالتطرّف، باختصار هو “الالتزام غير المشروط بمعتقدات ضعيفة الانتقال بين الذوات أو تتضمّن إمكانيّة اعتلال اجتماعي” . ومن هنا يوجد أيضا ثلاثة أنواع من المتطرّفين حسب التدرّج.

 

النوع الأول: متطرفّون ذوو معتقدات منخفضة الانتقال بين الذوات ومنخفضة الاعتلال الاجتماعي (مثل هواة التجميع القهري للعاديّات، المولعون بالأطباق الطائرة، الأصوليّون الدينيّون غير التوسعيّين الذين قد تؤدّي قناعاتهم إلى تعريض حياتهم للخطر ولكن ليس حياة الآخرين).

 

النوع الثاني: متطرّفون ذوو معتقدات قابلة للانتقال بين الذوات ومعتلّة اجتماعيّاً (حركات عنيفة، ولكنّها “مفهومة” من قبل الكثيرين، مثل حركات المقاومة الوطنيّة المتطرّفة، حركة حقوق الحيوان، الخ).

 

النوع الثالث: متطرّفون ذوو معتقدات منخفضة الانتقال بين الذوات وشديدة الاعتلال الاجتماعي (أعضاء النِّحَل الذين ينتحرون جماعيّاً، الإرهابيّون الانتحاريّون؛ أي: العنيفون “غير المفهومين” ).

السابق
تفعيل البلديات… لبناء الدولة المدنية
التالي
هل يلاقي حزب الله القوات اللبنانية ومتى؟