السيّد الأمين عن «سياسة التحالفات»(2): الصراع السعودي الإيراني يؤجج الطائفيّة

في الحلقة الاولى قال سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين "أن هناك أزمة حقيقية داخل بنية الإسلام تتخذ شكل التعبئة المذهبية بصورة لم نألفها في تاريخنا المعاصر والقريب"، فنستعرض في الحلقة الثانية الخلاف السعودي الايراني وتأثيره في عملية التعبئة هذه.

حول موضوع الصراع الذي انفجر بداية الشهر الحالي بين الدولتين الخليجتين الذي ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما يقول السيد الامين: “بغض النظر عن الأسباب والعوامل التي أدّت إلى هذا النوع من التصادم بين الدولتين كلاهما يتبنى الإسلام عقيدة وشعاراً فإن مثل هذا التصادم واستعمال السياسي والدبلوماسي، هو في نظرنا ليس تعبيراً عن التمايزات العقائدية والروحية داخل الإسلام بين فريقين يجمعهما الإسلام وتفرقهما انتماءاتهما المذهبية، لأن الإسلام بذاته لا يبيح أكثر من الاختلاف في الاجتهاد وفي اتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، أما أن يصل الصراع إلى هذه الحدود القصوى وإن لم تلامس حدود الحرب العسكرية فإنه لا بد من البحث عن أسباب جوهرية بشرية تتصل بطبائع البشر وطبيعة العلاقات بين الدول والتنازع فيما بينها على النفوذ”.

اقرأ أيضاً: السيّد الأمين عن «سياسة التحالفات»(1): ضدّ الارهاب أم لاقتسام النفوذ؟

واذا كان الاسلام يدعو الى الوحدة وكلا الدولتين اسلاميتين وتدعيان انه الدين الرسمي لهما، فكيف نشأ الصراع واضطرم بهذا الشكل؟ يجيب السيد الأمين: “إذا كان هذا النوع من التجاذب والصراع شأناً طبيعياً في علاقة الدول بعضها ببعضها الآخر، فإننا كمسلمين نعتبر أن الإسلام يتضمن من التعاليم والقيم في العلاقات بين الأشخاص وبين الدول ما يؤهل إلى تفادي كل أشكال الصراعات التي تتضمن نزعة النفي والنفي المتبادل بين المسلمين حتى حينما تختلف مذاهبهم. “وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم”.نستنتج من ذلك أنّ المسلمين بصورة عامة ما زالوا مقصرين عن استلهام المقاصد الحيوية لوحدة الدين التي تربط بعضهم ببعض خاصة وأن العقيدة الإسلامية، وبالنص القرآني لم تستبعد الاختلاف أو الاقتتال بين فئة وأخرى بين المسلمين، ولكنها دعت إلى الإصلاح بينهما من قبل مسلمين آخرين لا ينتمون إلى الفريقين المتنازعين. “وإن فئتين من المسلمين اقتتلوا فأصلحوا بينهما…”

ونحن نلاحظ أن ثمة تقصيراً واضحاً من قبل بقية المسلمين في الدور الذي ينبغي القيام به في إصلاح ذات البين”.

ويستنتج السيد الامين انه “انطلاقاً من هذه الظاهرة والتي يشهدناها أخيراً بين قطرين إسلاميين، وبعد حكم الإعدام الذي نفذ بالشيخ نمر النمر، لا بد لنا من الاستنتاج بأن ثمة في الاجتماع الإسلامي بصورة عامة تغليباً للمقاصد السياسية على المقاصد الأسمى وهي مقاصد العقيدة الإسلامية، وإذا كنا نعتبر أن تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ النمر بوصفه معارضاً ولو كان شديد اللهجة في معارضته للنظام في السعودية، هو ظاهرة تستوجب الاستنكار، ولكنها تتطلب درجة عالية من العقلانية والتفاهم بين دول العالم الإسلامي على الأقل لمعالجة النتائج التي تنجح عن الأخطاء والخطايا التي ترتكب من هذا النظام أو ذاك، وفي رأيي فإنه من الأصح في الاحتجاج على إعدام الشيخ النمر أن توضع هذه القضية في إطار العنوان، أو الشعار الذي يتبناه العالم في عصرنا هذا وهو شعار حقوق الإنسان لكانت مواجهة النظام السعودي أكثر فعالية من وضع هذه القضية في إطار طائفي أو مذهبي، على أنني في صورة عامة لا أعتقد أننا نحن كمسلمين في عصرنا الذهبي الذي نطمح إليه بل يمكنني القول أننا نعيش نكسة كبيرة في تطورنا التاريخي، وفي تأثّرنا الذي ما زال قائماً بحقبة الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين وتقسيمها إلى دول وكيانات تحتم على كل كيان منها وفق التخطيط الاستعماري أن يكون نقيضاً للكيان الآخر وأن يقع التزاحم والتنافس فيما بين هذه الكيانات، وبكل أسف فإنه لم تنشأ بعد مرحلة الاستعمار أي بعد الاستقلال، استقلال الدول العربية والإسلامية من الاستعمار، لم تنشأ حركة نهضوية جادة لقيام إطار سياسي متماسك يحكم العلاقات بين الكيانات الإسلامية وينظم علاقاتها ويقيم استراتيجية مدروسة لتوزع ثرواتها وإمكاناتها وهذا أمر ممكن إذا كانت الوحدة الاندماجية أمراً صعباً أو مستحيلاً”.

السعودية ايران

واستطرادا، لماذا تفشل التجارب السياسية في بلداننا العربية والاسلامية وتعيش انقساما فيما بينها؟ يجيب السيد الامين: “يمكن في هذا المجال التشديد على فشل التجارب السياسية فيما يوصف بالعالم الثالث بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة. وفي نظري فإن العقيدة الإسلامية والتراث الإسلامي لم يعد هو المصدر الذي تستند إليه سياسة العلاقات والتفاعل بين دول العالم الإسلام كما أنني أحمّل الحركات والأحزاب الدينية الإسلامية أو أكثرها، مسؤولية الفشل في نزع الأوتار العصبية الضارة بين أتباع المذاهب الإسلامية، بل تبدو لي كل حركة إسلامية وكأنها ذات مشروع مختلف، إن لم تكن متناقضة مع مشروع الحركات الأخرى، ولا أحسب أن هذه الحركات قد استطاعت أن ترتفع إلى مستوى ممارسة الحوار الذي يهدف إلى بناء استراتيجية موحدة وأن تكون الخلافات العقائدية أو السياسية بين هذه الحركات هي ضمن هذه الدائرة الاستراتيجية الموحّدة.

اقرأ أيضاً: السعودية وايران واحتمالات الحرب: من الأقوى عسكريا؟

وعن سبب استشراء الطائفية والمذهبية وتغلبها على المفاهيم الاسلامية الجامعة يقول السيد الامين: “بالنسبة الاستقطاب الطائفي، فإن الغالب على الاجتماع الإسلامي أنه لم يحقق مفهوم المواطنة الحديث الذي جاء نتيجة تطوّر نوعي في تاريخ الاجتماع البشري، وما زالت الانتماءات العصبية والمذهبية والفئوية هي الرابط الأقوى والغالبة على الانتماء الوطني، وسيظل الأمر كذلك إذا لم تحدث النهضة المتوخاة في العالم الإسلامي التي تنقله من مرحلة ما قبل المواطنة، أي من مرحلة القبيلة والعائلة والمذهب إلى مرحلة الانتماء الوطني، فضلاً عن فشل الاجتماع الإسلامي عن إحلال القيم الدينية المنفتحة على الأفق الإنساني والذي يساهم بصورة فاعلة على تجاوز الانتماءات الموروثة والتي لم تكن يوماً ما معبّرة عن جوهر الإسلام ومقاصده في بناء الاجتماع الإنساني، فهناك شعور بالانتماء إلى المذهب أكثر من الانتماء إلى الدين، أي الانتماء إلى الفرع دون الأصل.

 

السابق
المسيحيون المستقلون في «14 آذار» ينسقون موقفهم
التالي
جعجع عرض التطورات مع رئيس اللقاء العلمائي