الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة.. هذا البحر لي

دالية الروشة
ترافق نشاط الحراك المدني والشعبي خلال شهري آب وأيلول 2015، بنشاط متنوع نظمته الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة. وهذه الحملة ائتلاف يضم منظمات غير حكومية وأفراد اجتمعوا طوعاً في آذار 2014 للعمل من أجل الحفاظ على الدالية ودورها كمساحة مشتركة ومتاحة لسكان المدينة وزائريها كافة وحماية التنوع البيئي والثقافي كأساس للعيش في المدينة. شؤون جنوبية التقت بناشطين من الحملة هما: عبير سقسوق وسارة سراج اللتان تحدثتا عن الحراك المدني ونشاط الحملة الأهلية.

سقسوق وسرّاج

تقول سقسوق: “على الرغم من اهتمامنا بدالية الروشة وما يحاك حولها، شاركنا كأفراد في نشاط الحراك المدني، لأنه شكل تحركاً أوسع وفتح آفاقاً للمشاركة في الشأن العام. وذلك لقناعتنا ان التحرك في كل قضية لها علاقة بالناس تجعلنا نراكم تحركات لإظهار أزمة النظام السياسي وعجزه عن تقديم حلول للمشكلات التي يعاني منها الناس”.

اقرأ أيضاً: وضاعت فرصة التغيير

وتضيف سراج: “خلال مشاركتنا في التظاهرات والاعتصامات رفقا يافطات تتعلق بقضايا الأملاك البحرية، وتطورت علاقتنا بحملات الحراك حتى بتنا نشارك في الاجتماعات التنظيمية لقوى الحراك”.

الأسئلة المحيّرة!

تزيد سقسوق: “وتطورت حملتنا والتقينا في الحراك مع ائتلاف الشعب يريد وشباب 22 آب. لكننا لاحظنا مؤخراً أن الضعف قد أصاب الحراك، وبدأ الناس ينفضون من حوله، ما دفعنا لإطلاق مبادرة خلال نشاط عيد الاستقلال أثناء تجمعنا في ساحة الشهداء. إذ فتحنا نقاشاً عاماً أمام الجمهور وطرحنا ثلاثة أسئلة أساسية، وهي:

1 – كيف نضمن استمرارية الحراك؟

2 – لماذا لم يستطع الحراك استقطاب فئات اجتماعية جديدة ومتنوعة؟

3 – كيف يمكن أن نبادر لإيجاد مساحة نقاش حر ومتنوع.

الرأي والمشاركة والخطّة

دالية الروشة

وتوضح سراج الأمر قائلة: “كان لا بد من أفساح المجال للجميع للادلاء برأيهم وقد أعطي لكل مشارك وقتاً عدداً في محاولة للإجابة على الأسئلة وخصوصاً أن اجتماعات التنسيق بين الحملات اقتصرت على أشخاص معينيين وفي غرف مغلقة. وهذه التجربة دفعتنا لتطوير عملنا والدفع بمبادرة جديدة تشكل خطتنا للعام القادم، بعقد حلقات نقاش في ساحات مفتوحة وفي أمكنة عامة وفي مناطق مختلفة لإشراك الناس وسماع آرائهم وقد انطلقنا من فكرة الحديث عن الحراك سيؤدي حتماً إلى كيف نصنع الحراك”.

اقرأ أيضاً: يا أهل الحراك صارحونا

وتزيد سقسوق: “إذا كانت هناك صعوبة في انتقال الناس، فيجب نقل الحراك إلى المناطق والاجتماع إلى الناس في مساحة عامة لنقاش مشكلاتهم وقضاياهم”.

الدالية للناس للعشّاق

وعن الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة، تقول سقسوق: “إنها ائتلاف يضم مواطنين ومواطنات صغاراً وكباراً في السن، ملتزمين بحماية مساحات بيروت المشتركة وتحديداً واجهتها البحرية، ويعتمدون السبل القانونية والمدنية لحماية موقع الدالية كمساحة مشتركة مجانية، ومفتوحة للعامة”.

وتوضح: انطلقت الحملة مع نشر عريضة بمطالبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رفعت شعار “ارفعوا ورشتكم عن روشتنا”. كما وجهت رسائل رسمية إلى الوزارات المعنية، وأكدت إيماناً قانونية وبيئية، ونظمت نشاطات في الدالية.

وعن تاريخ الدالية، تشير سراج إلى أنه، “على مدى عقود من الزمن، شكلت الدالية مساحة “مشتركة ومتاحة” لمجموعة متنوعة من سكان المدينة. لطالما وجدت العائلات والأصدقاء فيا لدالية وجهة طبيعية لنزهات نهاية الأسبوع، كما وجد فيها العشاق جواً هادئاً ومثالياً لتلاقيهم. أما مرتادو البحر فاعتمدوها بقعة استراتيجية للسباحة والصيد، بينما نظرت إليها الجماعات المختلفة كمكان ملائم لإحياء المناسبات الخاصة والحفلات. ولذلك، لطالما اعتُبرت ملتقى يحتضن نمطاً اقتصادياً عفوياً وحيوياً، يجمع ما بين صيد الأسماك ومطاعم السمك غير الرسمية ونزهات القوارب، بالإضافة إلى التصوير الفوتوغرافي.

القانون معنا

وقد تنبه المشرّعون، قبل الاستقلال وبعده، إلى أهمية الواجهة البحرية، ومن ضمنها منطقة الدالية، لذا مُنع البناء في المنطقة العاشرة من بيروت. إلا أن الضغط العقاري لم يهدأ حتى تمكّن في الستينيات، ثم في التسعينيات، ومؤخراً في العام 2014، من فرض معدّلات بناء أفضت إلى تشويه واجهة العاصمة البحرية ومنع وصول العامة إليها.

حتى الآن، لا تزال الدالية تؤدي دورها كمساحة مشتركة، على الرغم من هيمنة الاستثمار الخاص على ساحل المدينة، محوّلاً شواطئ العاصمة الخضراء، الرملية منها والصخرية إلى منتجعات خاصة فخمة ومغلقة. صمدت الدالية كمساحة جماعية، بينما سهّل تاريخ تشكل الأملاك في المدينة معطوفاً على التعديلات التي طرأت على قوانين البناء والتصنيف، عملية التحوّل التي نشهدها الآن. إذ أدّت ضغوط المستثمرين وكبار المالكين، منذ أوساط ستينيات القرن الماضي، إلى رفع كافة القيود المفروضة على البناء في هذه المنطقة. ما سهّل رفع نسب المساحات المتاحة للعمران المكثّف بشكل تصاعديّ، حتى بلغت 60% ما أدى إلى خصخصة مناطق كان استخدامها متاحاً للعموم بشكلٍ أساسي.

الغول العقاري يأكلنا

تالياً، وجد سكان المدينة أنفسهم محصورين أمام بحرها أكثر فأكثر في مساحة لا يتجاوز عرضها الأمتار الأربعة من الكورنيش، وهو الممر الرئيسي الذي يمرّ بمحاذاة واجهة المدينة البحرية، في حين أقفلت المنافذ إلى البحر وحتى منظره حُجب بمنشآت خاصة وضعت في خدمة الأقلية المترفة على حساب أكثرية سكان بيروت.

وتختم سقسوق قائلة: تشير هذه الأدلة مجتمعة إلى تهديد من العملاق العقاري بات تنفيذه وشيكاً. ومن المفارقات أن بلدية بيروت (التي لم تشرف يوماً على النشاطات العامة في المنطقة) أنشأت مؤخراً نقطة مراقبة وظيفتها رصد حركة الأفراد التي تتحدّى السياج في محاولة لاسترداد حقهم/ن بالوصول إلى الشاطئ، والتضييق عليهم/ن. يجدر التذكير هنا بأن الوصول إلى الشاطئ هو حق ينص عليه القانون اللبناني.

الروشة

كذلك باشرت جهات في القطاع الخاص إلى تكليف عدد من الشركات المختصة بتقديم مقترحات قوانين لتنظيم البناء والتطوير المدني، بالإضافة إلى إجراء دراسات الأثر البيئي المطلوبة بحكم القانون، وتطوير مقترحات مشاريع غرضها بناء مشروع استثماري.

القوانين الاستثنائية

بالتزامن مع عملية شراء الأراضي التي نفذتها الشركات العقارية، أجاز القانون 402 الصادر في العام 1995 لأصحاب الأملاك التي تتجاوز مساحتها 20 ألف متر مربع مضاعفة عامل الاستثمار العام لقطعة الأرض مرّتين، ومضاعفة عامل الاستثمار السطحي بأربع مرات، في حال القيام ببناء فندق.

وكان من المفترض أن يتم تطبيق هذا القانون “الاستثنائي” لمدة خمس سنوات فقط، علماً أن إقراره ترافق مع مناقشات برلمانية طويلة. ولكن، تم تمديد مفاعيل القانون لخمس سنوات أخرى في العام 2002.

في 24 نيسان 2014، تم تمديد مفاعيل القانون مجدّداً، ولكن 19 عاماً هذه المرة. ولم يلقَ التعديل أي اعتراض يُذكر في البرلمان.

أين خريطة 1926

تظهر السجلات العقارية، التاريخية منها والمعاصرة (مثلاً مخطط “دانجيه لبيروت” plan Danger de Beyrouth)، عملية تلاعب بالحدود العقارية في الدالية بهدف التعدّي على الأملاك العامة البحرية، بما يخالف نص القانون. أي أن نسبة كبيرة من الأملاك العمومية في الدالية خضعت للخصخصة بشكلٍ مخالف للقانون، وتشمل النسبة ميناء الصيد الذي كان يعيل حوالي 75 أسرة.

لم يتم العثور على الخريطة المساحية الفرنسية الرسمية الصادرة في العام 1926 في سجل بيروت العقاريّ الرسميّ. إن هذه الخريطة (المسماة بخريطة دورافور)، لو ظهرت، ستكون الدليل الدامغ على عملية سرقة الممتلكات والتزوير العقاريّ الحاصلة في المنطقة.

تكليف مصمّمين بوضع مخطّط بناء خاصّ وحصريّ

تشير الأدلة إلى تكليف عدد من مكاتب التصميم بوضع مخططات تطوير للدالية، كان آخرها تكليف مكتب “متروبوليتان للهندسة المعمارية” OMA Office for Metropolitan Architecture وبغض النظر عن أي المخططات بحدّ ذاته، فإن أي مشروع ضمن الإطار القانونيّ الحاليّ، هو يخدم مصلحة حفنة من السياسيين والملاّكين الخاصّين على حساب المدينة وبيئتها الطبيعية وسكّانها.

اقرأ أيضاً: هويتنا: خيار طوعيّ حُرّ

وزير البيئة يقترح مرسوم يقضي تصنيف الدالية موقع طبيعي محمي

على مستوى آخر، وإثر عدد من الاجتماعات مع الوزارة، أعلن وزير البيئة اقتراح مرسوم يقضي تصنيف الدالية موقع طبيعي محمي. في حال صدور المرسوم، يخضع التطوير في المنطقة لتدقيق وزارة البيئة، وذلك بغرض تقييم الأثر البيئي. وستحصل الوزارة على الحق برفض المشروع المقترح، على أساس نتائج التقييم.

السابق
«تالاسا» و «النكتة اللبنانية»… تعليقات إلى «بو صعب»!
التالي
بين خطاب مورو في بيروت وانتفاضة المهمشين: تونس الى اين؟