«مشهدية معراب» قدّمت جعجع عراباً رئاسياً

رلى موفق

في السياسة، نظر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على أن وصول رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة الأولى سيؤول إلى إقصاء حزبه من الحياة السياسية. فكان لا بد من اتخاذه الخطوات اللازمة لدرء هذا الخطر. باتت الخيارات ضيّقة جداً أمامه، بعدما آلت خطوة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، بطرح ترشيح فرنجية، إلى التسليم بحصر الخيارات بمرشح من قوى الثامن من آذار. الخيار الثاني المتوفر هو خيار العماد عون الذي يسعى إلى كسب تأييد مسيحي أوسع كمرشح، فكان أن اندفعت «القوات» أكثر في اتجاه نقل العلاقة مع «التيار الوطني الحر» من مستوى «فك الاشتباك ورأب الصدع وإرساء أسس لعلاقة مستقبلية» عبر ورقة «إعلان النيّات» إلى مستوى «التفاهمات» حول الملفات الأساسية الداخلية ومن ضمنها رئاسة الجمهورية، مع تنظيم «قاعدة الاشتباك» في ما خص الملفات الخلافية الإقليمية من سوريا إلى إيران إلى المملكة العربية السعودية.
مع إنجاز التفاهمات، باتت الأرضية مهيّأة لـ «مشهدية معراب» التي حملت بُعدين: بُعد تصالحي طُويت معه صفحة الخلاف والصراع المسيحي – المسيحي الذي اتخذ أشكالاً دموية خلال سنوات الحرب بين الفريقين، وبُعد سياسي تجلّى باعتماد ثوابت النقاط العشر من ورقة إعلان النوايا في صلب البرنامج الرئاسي منطلقاً لترشيح القوات لعون. وهي بتلك الخطوة حققت مصالحة تاريخية مسيحية – مسيحية أعطت جعجع وهجاً داخل مجتمعه، وقدّمته عرّاباً رئاسياً، إذ أسهمت في شق الطريق أمام الجنرال إلى قصر بعبدا، وحجزت للقوات موقعاً متقدماً في المعادلة السياسية إذا انتخب رئيساً. وشكّل الالتزام بشروط الطائف الضمانة المرتجاة للاتفاق والتركيبة اللبنانية.

إقرأ أيضاً: من شارل أيوب إلى رائد أبو شقرا: الصحافة اللبنانية على طاولة الخمر والميسر‎
ولكن «القوات» على يقين بأن تعبيد الطريق للمقر الرئاسي أمام عون، لا يعني وصوله إليه. مَن يوصله هو «حزب الله» الذي رمى «سيّد معراب» الكرة في ملعبه. في المقاربة للعبة الشطرنج فإن «حزب الله» يقف اليوم في المربع الأخير من خطوة «كش مَلك»، فإما يخطو في اتجاه إيصال حليفه إلى بعبدا وإما يدفع به أكثر إلى أحضان معراب برمزيتها السياسية. مقاربة من شأن قابل الأسابيع أن تكشف مدى صوابية تلك الحسابات.
فـ «حزب الله» لا يزال على اقتناع بأن أوان نضوج الاستحقاق الرئاسي لم يحن بعد ليس فقط من باب ارتباطه بمآل العلاقات الإيرانية – السعودية، بل بعدم وضوح الرؤية في جملة ملفات الاشتباك في المنطقة، سواء في ما يتعلق بنتائج ميادين الصراع أو الاختلاف الروسي – الأميركي حول تلك الملفات، خصوصاً في ظل الشلل الذي سيحكم إدارة باراك أوباما في سنته الأخيرة، فيما يضيف متابعون من الضفة المقابلة للحزب عاملاً إضافياً لمرحلة الانتظار يتمثل في الاستحقاقات الإيرانية الداخلية على مستوى انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء المقررة في أواخر شباط، والتي من شأنها أن ترسم معالم الاتجاهات السياسية التي ستحكم داخل إيران بفعل التنافس الحاد بين الإصلاحيين والمعتدلين من جهة والواقفين خلف الرئيس الإيراني حسن روحاني وفريقه، وبين المحافظين من جهة أخرى المدعومين من المرشد الأعلى والحرس الثوري.

إقرأ أيضاً: من الهولوكوست الى مضايا(2): حزب الله يتقمّص المعتدي الاسرائيلي
وإذا كان «حزب الله» يرى، في قراءة مقرّبين منه، أن تبني جعجع لعون جاء بمثابة التأكيد على صوابية خياره بدعم ترشيح الجنرال للرئاسة من موقع الزعيم المسيحي الأول والأكثر أهلية لهذا الموقع، وأن هذا الترشيح القواتي قد عزز حظوظ عون وخلق حماسة وحيوية وقوة دفع، فإنه لا يتحرّك في حساباته الدقيقة على توقيت «ساعة معراب» أو توقيت أطراف أو دول أخرى، حتى وإنْ شكّل مجيء «الحليف الأحب لقلب السيّد» رئيساً، قمة الانتصار لخيار نصر الله السياسي، فالتوقيت يتعلق بساعة الحزب والأصح راعيه الإيراني. ولا بد تالياً من مواءمة التوقيت الإقليمي – الدولي والمناخات السياسية الداخلية للحظة الحاسمة في مسار الاستحقاق. والحزب - وفق شخصيات لصيقة به - لا يُعير كبير اهتمام لكل محاولات «حشره في الزاوية» إذا كان جعجع يظن أنه يحقق ذلك برمي الكرة في اتجاهه واللعب على هذا الوتر، ولن ينجح في أن يزرع الشك بينه وبين «جنرال الرابية». بل هو قادر على تجيير «خطوة معراب» لمصلحته تماهياً مع حساباته للحظة المناسبة، لا سيما وأن عون يدرك كل الإدراك أن عبوره إلى قصر بعبدا لا يكفيه ممر «حزب الله» بما يشكله من غطاء شيعي، بل أيضاً يتطلب ممر «تيار المستقبل» لتوفير غطاء سني. وهذا أمر غير متوفر حالياً، فيما رهان الحزب على متغيرات إقليمية يعوّل عليها في الميادين - عينه على الميدان السوري - وما سينتج عنها من تسويات تفضي تحت الضغط الإقليمي – الدولي إلى تحقيق شبه إجماع لعون كمرشح تسوية – توافقي يُؤمّن له لقب «فخامة الرئيس».

إقرأ أيضاً: حزب الله من خلدة لحاصبيا: الشيخ ماهر حمود المرجع.. والسعديات نموذجاً (2/3)
فالمشهد الراهن لا يشي بقرب صعود «الدخان الأبيض» من ساحة النجمة، لا في الثامن من شباط المقبل، موعد جلسة الانتخاب الـ35 ولا قبلها ولا بعدها، بقدر ما يُعبّر عن حال من الفوضى السياسية كما الضبابية المفتوحة على تمديد الفراغ الرئاسي وما يحمله معه من اهتراء إضافي في بنيان المؤسسات والاقتصاد ومن تحديات أمنية قد يزداد منسوبها أو ينقص على إيقاع حركة اللاعبين الإقليميين والدوليين، استعجالاً أو استمهالاً، في كسر حلقة المراوحة القائمة، وإن كان الاعتقاد السائد لدى كثير من المراقبين أن أحداً غير مستعجل ما دامت المنطقة لا تزال في المخاض العسير!

رلى موفق، اللواء

السابق
حزب الله من خلدة لحاصبيا: “سرايا المقاومة” سنيّة منعا للفتنة ! (3/3)
التالي
ما الذي يجعل 14اذار تقاطع جلسة 8 شباط؟