هل حقاً ظلم الإعلام طرابلس؟

هل حقاً ظلم الإعلام طرابلس؟ وإذا كان هذا الظلم وقع فعلاً، فما هي أسبابه؟ وما هي مندرجاته وسياقاته؟ وما كانت ردة فعل الأهالي المظلومين والمخرجين للرأي العام العالمي بصورة إرهابية لا تشبه تربيتهم الدينية وقناعاتهم الشخصية ولا حتى هوية مدينتهم.

لا شك أن المرحلة الماضية أسهمت بشكل واضح بتكوين صورة نمطية عن طرابلس، مفادها ان هذه المدينة مستباح فيها القانون، شوارعها مرتع للإخلال بالأمن بكل أشكاله، وبيئتها الحاضنة أقرب الى التطرف منها الى تقبل الرأي الآخر المخالف لتوجهاتها الفكرية والسياسية والدينية، ولو كان هذا الآخر من أبناء جلدتها.

اقرأ أيضاً: استنطاق العسكريين الأسرى… ومهزلة الاعلام اللبناني!

الأحداث الأمنية والتوترات التي طبعت السنوات المنصرمة جعلت من الفيحاء مادة دسمة في الإعلام، الخبر الأول في نشرات الأخبار المسائية عن الاشتباكات بين الجيش والمجموعات المسلحة، المانشيت الأساسي للصحف البيروتية اعتداء المسلحين على حواجز القوى الأمنية، الموجز الاخباري على ترددات الـ”اف- إم”، بمجمله عن مجريات التصعيد الأمني في المدينة، وبالمحصلة: طرابلس مدينة غير آمنة لا يمكن للغريب الدخول إليها ولا يمكن لأبنائها التجوال فيها، وبالمحصلة أيضاً: طرابلس مدينة “داعشية”! الإمارة فيها باتت أمراً واقعاً، والكل يترقب لحظة إعلان ذلك من الخليفة البغدادي.

هذا التكثيف الإعلامي في نقل الأحداث التي شهدتها المدينة منذ عام 2007، لم يكن بريئاً على الإطلاق، كانت تقف خلفه جهات سياسية لبنانية وغير لبنانية تختلف هويتها السياسية، وتلتقي مساعيها على هدف واحد فقط: تحويل طرابلس من عاصمة ثانية قادرة وصاحبة مبادرة على مستوى الملفات الوطنية، الى مدينة معزولة، مكشوفة أمنياً لشل قدرتها على التحرك تنديداً بمحاولات البعض جعل لبنان محطة انطلاق لمشاريعه التوسعية على مستوى المنطقة.

كما ان غزارة النقل المباشر في أغلب الأحيان لم تكن بريئة أيضاً، كانت استجابة لأجندات سياسية تُرسَم في مطابخ المصالح المشتركة، وما على وسائل الإعلام سوى تظهير المنتج بالشكل الذي يريده “الشيف” المشرف على الطبخة، وإلا أقفلت أبوابها وصرفت مراسليها وصارت ذكرى يرددها الناس، لكن أيضاً لم يكن خفوت صوتنا نحن إلا صدى لهذا المخطط.

لم ندرك خطورة ما يريدونه لطرابلس إلا متأخرين، وربما البعض الى اليوم لم يدرك ذلك. تركنا الغريزة الطائفية تسيّر خطاباتنا وتشرف على كتاباتنا، فشملت الإساءة المدينة وأهلها ولو عن غير قصد.

الإعلام اللبناني

ظلمنا المدينة وشوّهنا سمعتها وجعلناها خبراً أول في الصحافة العالمية كمنطقة تشكل بيئة صالحة للتطرف، ضربنا اقتصادها في الصميم، وفتحنا عزاء في كل منزل من منازلها، باسم الدين والطائفة، وكان الإعلام من خلال بثِّه المباشر لخطاباتنا يزيد من حماستنا ويدفعنا الى التصعيد الذي كنا منفردين ندفع ثمنه، إن في علاقتنا مع المجتمعات الأخرى، أو في علاقتنا مع الدولة التي تأخرت في علاج دائنا، لأن بعض الشباب اجتهد أنها قد تكون دولة غير صالحة للعيش تحت ظل مؤسساتها.

الإعلام بمفهومه المعاصر لم يظلم طرابلس، هو نفذ أجندته المطلوبة منه كي يحفظ وجوده واستمراره، ولو كان ذلك على حساب مستقبل المدينة وصورتها وسمعتها، جعل من أحداثها مصدراً لتمويله، إذا نقلت كاميراته ولسان مراسليه وأقلام كتابه الأجواء بما يتوافق مع توجهات الممول السياسية ازداد رصيد الوسيلة الإعلامية في البنوك، وصرفت مكافأة لمن يجيد من فريقها الإعلامي استخدام عبارات تشفي غليل الممول تجاه الفيحاء. ألا يمارس بعض هذا الإعلام اليوم الدور نفسه في كل الأقطار العربية؟ ألا يحول الضحية الى مجرم والإرهابي الى بطل يدافع عن دينه وعرضه وأرضه؟

لقد انتهى الزمن الذي كان يلعب فيه الإعلام دوره الحقيقي في الدفاع عن حقوق الناس ومصالحهم، بات اليوم أمام عوامل جديدة انقلبت فيها المفاهيم وتبدلت معها القيم، وعليه تبدل هو أيضاً لناحية وظيفته ورسالته ودوره في تأليب الرأي العام.

شكلت طرابلس بأحداثها الكثيرة مادة إعلامية ساخنة، وعندما تعاطى بعض الإعلام معها بالشكل الذي يتناقض مع رسالته، تخلى عن موضوعيته ونزع عنه رداء المناقبية مستجيباً لنداء الممولين قبل استجابته لنداء المظلومين والمعذبين، وبذلك ارتكب مجزرة أخلاقية ومعنوية بحق المدينة التي كانت ترتكب فيها المجازر البشرية كل يوم.

اقرأ أيضاً: بين اعلام «السكوبات» واعلام «الإحتراف».. لبنان وفرنسا خير مثال

لكن يبقى السؤال المحرج: أي إساءة أكثر وجعاً، إساءة وسائل الإعلام المهتمة باستمراريتها أكثر من اهتمامها بكيفية ذلك؟ أم إساءة المتمولين من أبناء طرابلس الذين لم يحركوا ساكناً للاستثمار في الإعلام وتقديم مدينتهم على صورتها العفوية؟

سؤال الإجابة عنه أشد إيلاماً من طرحه.

(جريدة البيان الطرابلسية)

السابق
حزب الله أيضاً يريد فرنجية
التالي
اتّصالان هاتفيان من الحريري لجعجع أمس… ورياشي في «بيت الوسط»