عن بيان الأكاديميين والصراع في المناطق الجنوبية لتركيا

ما زالت قضية الحرب والصراع الدائر في المناطق الجنوبية لتركيا تستحوذ على اهتمام الصحف، بالإضافة إلى بيان الأكاديميين الذي كان محطَّ شَدٍّ وجذب وتداخل؛ بين حرية الرأي والنظام الديموقراطى وإجحاف البيان وعرابيه اليساريين المتطرفين بحق الحكومة التركية وتأمينهم غطاءً لتنظيم “بي كا كا” في تصعيد عملياته الإرهابية.

اقرأ أيضاً: 2016 عام التغييرات الكبرى

إذن، كتب “أورال جالشلار” في صحیفة “راديكال” مقالاً بعنوان “لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل”، أشار فيه إلى العريضة التي تنتقد العمليات العسكرية للجيش التركي في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية للبلاد، والتي تم توقيعها من قبل الأساتذة الجامعيين، والبالغ عددهم 1200 أكاديمي، وما تبعها من عمليات اعتقال لبعضهم، لافتاً إلى عملية تفجير العربة المفخخة بجانب مقر للشرطة في منطقة جنار بديار بكر من قبل تنظيم العمال الكردستاني “بي كا كا”، والتي أودت بحياة أكثر من خمسة مدنيين وجرح 39 جريحاً، جُلُّهم من الأطفال.
ونوه جالشلار إلى أن الأوضاع باتت أكثر سوءً، والصراع على أشده، مما وضع أصحاب الفكر الداعين إلى الجلوس على طاولة الحوار من جديد لحل القضية الكردية بالطرق السياسية والسلمية في مأزق وحرج كبير، مشدداً على أن تنظيم “بي كا كا” لم يكن يوماً حاملاً للفكر الثوري، ويعتقد أن معظم الأكراد لم يعودوا يتبنون فكره الأيديولوجي بعد ظهوره على حقيقته؛ باتباعه أساليب القتل ضد المدنيين والأطفال.

جامع السلطان أحمد
جامع السلطان أحمد

وشدد الكاتب على وجود أخطاء كثيرة ارتكبها حزب العدالة والتنمية في سياسته الخارجية والداخلية، التي كانت تتقاطع مع الأزمة الكردية داخلياً، غير أنه أكد على أن هذا الرأي لا يعني أن التنظيم على حق في ما يقوم به تبعاً لذلك، ولا يمكن لأحد، كائناً من كان، أن يبرر حفر الخنادق وزرع العبوات الناسفة وتفخيخ المنازل والسيارات والتمسك بلغة السلاح، في الوقت الذي يتواجد فيه فرسخ من الأمل للعودة إلى طاولة الحوار من جديد، وحتى لو كان من أقصى اليسار.
وذكر جالشلار أنه يتوجب على النخبة المثقفة في تركيا دعوة الحكومة للعمل وفقاً لدولة القانون في المقام الأول، واحترام حقوق الإنسان، والمساواة في المواطنة، دون تمييز، موضحاً أن هذه المبادئ تسري عليها سياسة الانتقاد من النخبة، إن لم تطبق بالشكل الصحيح من قبل الحكومة، ولكن دون تجاهل الخطر الأكبر المتمثل بتنظيم “بي كا كا”، الذي يصف نفسه كمنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد، وهو بعيد كل البعد عن هذا الوصف، مضيفاً بأنه تقع على النخبة المثقفة أيضاً مسؤولية مطالبة حزب الشعوب الديمقراطية باتخاذ موقف حاسم ضد تنظيم “بي كا كا”، وإظهاره على العلن.
وختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن الأمور لا يمكن لها أن تستمر بهذا الشكل لفترة طويلة؛ وعليه يجب دفع القضية إلى مسارها الصحيح في عملية التسوية، وهو أمر لن يكون بالسهل في حال تم تأمين غطاء للتنظيم في السير بطريق الخنادق والمتاريس والمفخخات.
من جھته، كتب “تارهان أردام” في نفس الصحیفة مقالاً بعنوان “إنتاج بيئة سياسية يكتنفها القلق”، انتقد فيها الاعتقالات التي طالت الأكاديميين في عدة ولايات من تركيا، بالإضافة إلى الحجج التي يستند عليها الداعمون لحملة الاعتقالات؛ في أن الدولة حين تتعرض لتهديد في أمنها واستقرارها، عبر تقسيمها، لا يمكن إعارة أي اهتمام لحرية الرأي، ولو كانت للأكاديميين والنخبة المثقفة في الدولة.
ورد أردام على هذا المستند، عبر طرحه سؤالاً على الداعمين لوجهة نظر الحكومة التركية؛ “إن كانت المسألة تتعلق بسيادة الدولة والحفاظ عليها من التقسيم، فلماذا لا تريد الحكومة إيقاف التنظيمات الإرهابية؟”، مستطرداً في مقاله بأن الهدف الرئيسي كان دائماً خلق عدو يتم التخلص منه فيما بعد، وإنتاج بيئة سياسية يكتنفها القلق والرعب من أجل التوجه إلى الانتخابات المبكرة بكل يسر، والفوز بعدو عدوه إلى جانبه.
وأشار الكاتب إلى ضرورة تجاهل التصريحات الغاضبة والرنانة تجاه هذا الموضوع، واستيعاب وفهم الأغراض المنشودة من وراء التصريحات غير الأخلاقية، والتي وضحها الكاتب، بحسب رأيه، على أنها ترسيخ العداء وتعميق الخصومة لكسب أكبر قدر ممكن من المتعاطفين والداعمين لتوجهاته؛ “ويقصد به رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وحكومة العدالة والتنمية”، لاسيما أن نتائج الانتخابات المبكرة لم تُؤتِ أُكُلَها كما يجب؛ في نقل نظام الحكم في البلاد إلى النظام الرئاسي.
وختم أردام مقاله بالتأكيد على عدم الانجرار وراء هذه الحجج؛ لأنها كانت وما زالت سياسة الديكتاتوريات السابقة، التي كانت تستخدمها في سبيل تكميم الأفواه وتقويض الحريات؛ للوصول إلى غاياتها والقضاء على أية حركة معارضة لسياساتها.
وكتب “مراد يتكين” في “راديكال” أيضاً مقالاً تحت عنوان “الجامعات تحت الضغط”، أشار فيه إلى أنه لو تم عرض الوثيقة التي وقعها الأكاديميون عليه شخصياً لما وقع عليها ابداً بعد قراءتها وفهم مضمونها، إلا أنه، من جهة أخرى، رأى من الخطأ أن يتم اعتقال أساتذة جامعيين وإرسالهم للمحكمة لمجرد توقيعهم على عريضة تطالب بإنهاء العنف وقبول مطالب الإرادة السياسية الكردية.
ولفت يتكين إلى أنه يمكن لأي شخص في ظل النظام الديمقراطي أن لا يتفق مع أحدهم وينتقده ويستنكر أقواله ويعارض آراءه ويتظاهر بشكل سلمي، أما القيام بخلاف ذلك سيجعلك مُتَّهَمَاً بالقمع وتقييد حرية الرأي والتعبير بلا شك. منوهاً إلى خطاب رئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، أمام أعضاء وزارة التعليم العالي، والذي أشار فيه إلى أن الديمقراطيات الحديثة لا تتسامح مع المجموعات التي تحمل سلاحاً ضد الدولة. وبحسب الكاتب، فإنه في الديمقراطيات الحديثة لا يتم اعتقال الأكاديميين وأساتذة الجامعات وإرسالهم للمحاكم بتهمة الدعاية لصالح مجموعة إرهابية، لمجرد توقيعهم على عريضة كهذه. مقتبساً من تصريحات السفير الأمريكي، جون باس، الذي علق على الحادثة قائلاً:
“الديمقراطية التركية، رغم كل عيوبها، قوية وسليمة؛ لدرجة أنه لا يمكن أن تؤثر عليها الآراء المطروحة في العريضة”.
وأوضح الكاتب أن احترام جميع الآراء هي من إحدى مبادئ الديمقراطية، طالما أنها لا تدعو إلى العنف، وطرح سؤالاً مفاده: “هل من الصواب محاكمة هؤلاء الأكاديميين بتهمة الإرهاب والعمل على طردهم من الجامعات؟” لافتاً بشكل خاص إلى تبجح الآلة الدعائية لتنظيم “بي كا كا”، بعد تمكنه من جَرِّ الحكومة التركية إلى رد فعل شديد وقاسٍ، نتيجة هذه العريضة، ومضيفاً أنه ما كان على الحكومة أن تنجرَّ لذلك وتتجنب الوقوع في هذا الفخ.
وختم مراد يتكين بالإشارة إلى تهرب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من انتقاد تركيا على عملياتها في جنوب شرق البلاد لعدة أسباب، منها تعرضهم لأعمال إرهابية في عقر دارهم، إضافة لأنهم ينتظرون من تركيا جهوداً كبيرة في مسألة اللاجئين السوريين والحرب ضد تنظيم داعش. لافتاً إلى أنه يتم حالياً تجميع هذه الملفات لاستخدامها لاحقاً في مكان ما، ليس ضد حكومة العدالة والتنمية وحسب، بل ضد تركيا بشكل عام. مشدداً على ضرورة توجه حكومة العدالة والتنمية إلى التهدئة في شأن الأزمة المتعلقة بالعريضة؛ لكي لا يتفاقم الأمر ويؤثر بشكل سلبي على الصورة المنعكسة للديمقراطية التركية في العالم.

(نشرة المشهد التركي)

السابق
أحمد الأيوبي يجيب: ما علاقة نهاد المشنوق وحزب الله بحسام الصبّاغ؟
التالي
ردّاً على جنبلاط: عون يشكر… وجعجع يثمّن!