من الهولوكوست الى مضايا(1): الضحية هو الجلاد

مضايا
صعق الرأيُ العام المحلي والدولي، بحملة التضامن المشينة التي قام بها مناصرو ومؤيدو "حزب الله"، على حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، مع حصار التجويع المضروب على منطقة مضايا السورية، عبر عرضهم الموائد العامرة بكل ما لذّ وطاب من أنواع الطعام، وسخريتهم وشماتتهم بالكارثة الإنسانية التي حلّت بأهل مضايا، وبجريمة الحرب المروّعة التي يرتكبها حزبُ الله والنظام السوري ضدهم.

فتحت هذه الظاهرة المَرَضية، الباب لطرح سيلٍ من الأسئلة المستنكِرة حول:

كيف يمكن لجماعةٍ رفعت على مدى عقود، شعار “المظلومية” والإضطهاد والحرمان والضعف والهوان، أن تتحول الى جماعةٍ معبّأةٍ بالحقد والكراهية، جماعةٍ متحجّرة ِالمشاعر، إنتُزع من داخل أفرادها كل إحساس بالشفقة والرحمة والتعاطف الإنساني مع آلام الآخرين؟

كيف يمكن لجماعةٍ عانت على مدى سنواتٍ طويلة، إستباحة أرضها من قِبَل الغرباء، وتذوّقت إجرام الإحتلال الإسرائيلي وويلات الموت والإعتقال والأسر، أن تتحول الى جماعةٍ عدوانيةٍ يغلب على أفرادها العنفُ المذهبي والعمى الأخلاقي؟ جماعةٍ تدفع أبناءها الى طلب الموت المجّاني تحت عنوان “الواجب الجهادي”، فتقدمهم قرابين مقدّسة على مذبح مصالح ومنافع دولة أجنبية؟

مضايا سورياوما هي دلالات الأعراض المَرَضية التي طرأت على البنية النفسية لهذه الجماعة التي يهلّل أفرادها علناً، لحفلة سفك دم الأبرياء الدائرة في سوريا، ويشمتون بتجويع المحاصرين والمستضعفين في الأرض؟

وللإجابة عن تلك التساؤلات، سأستعين بالدراسات النفسية التي تناولت ظاهرة المجتمع الإسرائيلي الذي يتعيّش على إستدامة الحرب، والتي طرحت مجموعةً من الأسئلة عن شخصية اليهودي التائه الخانع الذليل الجبان المستكين المنعزل الذي تحوّل الى طاغيةٍ سفّاح متوحّش، وجندي مقاتل يفتك بالمواطنين العرب بفلسطين، ويرتكب المجازر والمذابح في “دير ياسين” و “كفر ياسين” و” قليقلة” وغيرها .

إقرأ أيضاً: «تكتيك» حزب الله في مضايا: الطعام مقابل الأرض

من الثوابت في علم النفس التحليلي، أنّ تفسير أيّ سلوكٍ – سليماً كان او مرضياً – إنما يرجع الى نمط علاقة الفرد بالآخرين، أي نمط بناء الشخصية، وهذا يرجع في نهاية الأمر، الى ما يُطلق عليه إسم “هُويّة الذات” أو “هُويّة الأنا” التي هي نتاجُ عمليات “التوحّد” بالآخرين الذين يتصل بهم الطفلُ إتصالاً وثيقاً إبتداءً من الشهور الأولى في الحياة، وحتى سن النضج.

مضايا

وقد رأى المحللون النفسيون أنّ الأطفال اليهود الذين أُلقيَ القبض عليهم مع ذوويهم في كل أنحاء أوروبا، وأُودعوا لفترةٍ طويلة، في المعتقلات النازية الشهيرة “أوشفتز” و”بوخفنالد”، أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم أُفرج عمَنْ تبقّى منهم على قيد الحياة بعد هزيمة النازية – قد توحّدوا بجلّاديهم النازيين الذين فتكوا بعددٍ كبير من اليهود .

إقرأ أيضاً: حزب الله يهجّر أهلها: مضايا كربلاء سورية!

وقد لاحظ المحلّلون أنّ هؤلاء الأطفال قد عانوا بعد إطلاقهم، تدهوراً نفسياً تمثّل في ظهور إضطراباتٍ وجدانية مَرَضية: تخديرٌ وجداني (إنعدام الإستجابة العاطفية لدى بعض المرضى العقليين)؛ نقصٌ في الحسّ الإجتماعي والأخلاقي يشبه مرض البارانويا (توهّم الإضطهاد لدى المرضى العقليين)؛ إندفاعاتٌ عدوانية متوحشة كانت تظهر لديهم بشكلٍ خاص، عندما يجتمعون وتُمنح لهم الحرية في التعبير عن مشاعرهم … وغيرها من الإضطرابات النفسية والعوارض البارانويّة الفصاميّة.

إقرأ أيضاً: «إعلان مضايا» الشيعي: ليس بإسمنا يا حزب الله

بعد قيام دولة إسرائيل، استطاع هؤلاء الشبان خرّيجو المعتقلات النازية، إستعادة توازنهم، عندما أصبح هذا “التوازن” في المجتمع الإسرائيلي “تنظيماً ” للتوحّد بالمعتدي. وآليةُ “التوحّد بالمعتدي” هي حيلةٌ لاشعورية يصطنعها المعتدى عليه، للتغلّب على “خوفه ” من المعتدي. وقد جعل الإسرائيليون من ذلك “التنظيم” شريعةً مقبولةً، وأمراً مطلوباً ومرغوباً، يمكّن الإسرائيلي الذي إغتصب أرض الغير وهجّر أهلها، من التغلّب على الخوف من أعدائه العرب؛ ويمنحه “المشروعية” في الإنقضاض عليهم والفتك بهم على الطريقة النازية ( بالمعنى النفسي )، دون أي شعورٍ بالصراع النفسي أو بوخز الضمير.

السابق
تساؤلات حول المواقف المريبة لحلفاء عون بعد ترشيحه من قبل جعجع!
التالي
جرح مواطنة وتهدم غرفة من منزل في طير فلسيه باصطدام ملالة ماليزية