سمير جعجع في مرحلة الرقص مع الشيطان…

سمير جعجع وعون
قراءات الدكتور جعجع لنوايا السياسيين اللاعبين على الساحة اللبنانية ممتازة، ولعل خطوته الأخيرة تصب في هذا الإتجاه اي لكشف الأوراق المستورة في لعبة البوكر الرئاسية ولوضع النقاط على الحروف في إزدواجية المواقف المعلنة والمضمَرة عند من يتحكّم بقرار إجراء الإنتخابات الرئاسية اللبنانية.

لعلَّ من يستهجن إقدام الدكتور سمير جعجع الى الإعلان عن تبنِّيه ترشيح خصمه السياسي التاريخي العماد ميشال عون لتولّي سدّة الرئاسة في بعبدا، هم لا يعرفون الحكيم جيداً، ولا ما يتمتّع به من حكمة وفطنة وقراءة جيدة لمسار الأحداث السياسية المحيطة به.

وأكثر من ذلك كله جرأته في تغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية؛ الرجل منذ البداية طرح ترشيح نفسه للرئاسة إثباتاً لموقف ثورة الأرز ولأنه المرشح المسيحي الأقوى في فريق ١٤ آذار، وأعلن إستعداده مراراً للإنسحاب لمصلحة أي مرشّح توافقي يصل إليه الفريقان ١٤ و٨ آذار.

إقرأ أيضاً: جعجع رشّح عون و«كش ملك» لميشال سماحة وأديب العلم!
النتائج الإيجابية التي حصدها الدكتور سمير جعجع من مشهدية ١٨ كانون الثاني ٢٠١٦ كثيرة جداً وأكادُ لا أرى سلبية واحدة في هذه الخطوة الجريئة والمباركة التي أقدم عليها. ليس من حق بقية الأفرقاء السياسيين في المجتمع اللبناني الخوف من هكذا خطوة وإعتبارها تشكل خطراً وتهديداً لهم، فلماذا يحقُّ للثنائي الشيعي الذي طوى تاريخ الدم والمواجهة السابقة ودخل في حلف سياسي طويل لا يحق بالمقابل للفريق المسيحي؛ فالوحدة الوطنية تبدأ من الوحدة داخل الطوائف على أن لا يتحوّل ذلك الى قوقعة ومشاريع طائفية ضيقة على حساب المشروع الوطني. بإنتظار حلم كل لبناني حرّ شريف ألا وهو حلم الدولة المدنية العصرية وإلغاء الطائفية في النظام السياسي ، فالوحدة ضرورة.

لقد شكّلت خطوة الدكتور سمير جعجع صدمة إيجابية عند المؤمنين بالسياسة العاقلة والنقية لأنها تطوي صفحة سوداء قاتمة في تاريخ الصراع بين الرجلين، وتُريح القاعدة الشعبية لكلا الفريقين وتفتح أبواب التعاون والتنسيق وربما تمهّد لتحالف إنتخابي قادم يؤسس لسلام وتفاهم بين التيّارين الأقوى على الساحة المسيحية، وينظّم أحقية التنافس الإيجابي والمشروع ضمن قاعدة الوفاق والروح الرياضية إذا لزم أمر المزاحمة.

صفحة الدم طُويت، وفُتحت صفحة جديدة يتمنى كل حريص على الوطن أن تكون مشرقة.

التنازُل كِبْر ونكران الذات من أجل الوطن فضيلة، والأهم من ذلك أنه تمَّ على أسس وشروط واضحة نتمنى على الجنرال الإلتزام بها وتطبيقها اذا حالفه الحظ في الوصول الى بعبدا؛” ترشيح رشّحتك، لكن حظ من وين بجبلك؛ الباقي ع الله”!

سمير جعجع والدكتور كرامة
سمير جعجع والدكتور كرامة

لن أغوص كثيراً في رمزية هذه الخطوة ولا في الملف الرئاسي الشائك الذي من الواضح أنه لو تمّ بسلام وإنتهى بإنتخاب رئيس في بعبدا سيكون بداية مرحلة سياسية جديدة لن يكون بعدها ٨ ولا ١٤آذار في الحياة السياسة.

الحياة تتغيّر ومعها تتغيّر الظروف والتحالفات. ولكن في إعتقادي كما الكثيرين أن ملف الرئاسة اللبنانية سيكون جزءاً من الحل الشامل للأزمة الدائرة في المنطقة من اليمن الى سوريا.

دخلنا مؤخراً يا سادة في مرحلة رفع العقوبات عن بلاد فارس النووية وبدأت مرحلة التطبيع والمصالح بين الدول : شهر العسل بين الغرب وإيران بدأ، والرقص مع الشيطان الأكبر بدأ بحرارة العناق، وحنين الشوق وما على العرب سوى حصاد الفتن ولملمة الجراح من الآن وصاعداً، إبتداءً من حزب الله اللبناني والشيعة العرب وكل السنّة والأقليات الطائفية والعرقية الأخرى التي كانت الضحية الأولى للفتنة الموجَّهة عن بُعد وللصراع الطائفي الدائر في المنطقة.

إقرأ أيضاً: مبادرة معراب.. وبرّي أوّل معارض لترئيس عون!!

سأختم بالحديث عن شخصية سمير جعجع ومدى إرتباطها بمواقفه وقراراته السياسية.

من يعرف سمير جعجع عن قُرب يعلم جيداً أن الحكيم في ممارسته السياسية لا يفصل السياسة عن المبادىء. يتمتَّع الرجل بديناميكية لافتة في شخصيته وقوة عقل ومنطق يغدو من السهل إقناعه بوجهة نظرك إذا كانت عقلانية ومن الصعب جداً بل من المستحيل إقناعه بها إذا كانت لا تتناسب ومبادئه، حتى ولو كانت ذات فائدة كبيرة له.

جالستُ الرجل شخصياً مرتين وهاتفته عدة مرات؛ وفي كل أحاديثنا، رأيتُ فيه إنساناً لطيفاً محبَّباً قريباً إلى القلبِ، مؤسساتيّاً بإمتياز، يؤمنُ بالدولةِ والقانونِ والمؤسسات ولو كانَت تَجْرِبتهُ في الحياةِ السياسية أَتَتْ من بابِ التجربةِ العسكريةِ لميلشيا القوّات اللبنانية خلال فترة الحربِ اللبنانيّة قبل أنْ تَضَعَ هذه الحربُ الموجعةُ أوزارَها وتتحوّل القوات إلى حزبٍ سياسيٍّ لَهُ تواجد مؤثّر وفاعل على الساحةِ الوطنيِة اللبنانيةِ . ليس في شخصيةِ الرجُل أيةُ عنجهية أو ” لؤم ” الذي قد تراه في العديد من الشخصيات السياسية اللبنانية ، فيه تواضع لافت وعفوية محببة تحتّم عليك أن تُحبّه حتى لولم تتفق مع كل تفاصيل حديثة. جريء في مواقفه ، ولعل الشعار الذي إتّخذته القوات اللبنانية “حيث لا يجرؤ الآخرون ” ينطبق على القائد في المقدمة. لديه شجاعة المنطق فلا يتوانى عن كسر أي جليد سياسي مهما كان اذا كان ذلك يَصُبّ في مصلحة المبادىء وأولها حماية الوطن ، ولعل مشهدية مصافحته بحرارة للأمين العام لحزب الله اللبناني خلال جلسات الحوار، وبالأمس مشهدية تَبنِّيه لترشيح خصمه السياسي التاريخي العماد ميشال عون الى منصب رئاسة الجمهورية وحفاوة إستقباله لهُ، خير دليل على صدق الرجل وجرأته.

في أول زيارة لي الى معراب، لفتني جداً درجة التنظيم الذي تتمتع فيه مؤسسة القوات اللبنانية.

إقرأ أيضاً: لقد خذلتنا يا «حكيم»

لدى الحكيم فريق عمل جدّ منظّم ودقيق. حملتُ له في الزيارة الأولى قصيدة إهداء ” زهرة تحمي أرزة ” بمناسبة نجاته من محاولة الإغتيال الآثمة التي تعرّض لها والتي لو كتب لها النجاح لا سمح الله لكانت قلبت المشهد السياسي الداخلي رأساً على عقب لما يتمتع به الدكتور جعجع من مكانة كرأس حربة في الفريق السيادي.

إستقبلني بحفاوة لافتة وتحادثنا في أهمية إندماج المجتمع اللبناني في بوتقة الوطنية وتجاوز المتاريس الطائفية وجدران الإختلافات الضيقة.

في زيارتي الثانية، أهديته قصيدة مغنّاة مهداة للجيش اللبناني عنوانها ” وحدو الجيش الحامي “.

في آخر إتصال تلفوني بيننا منذ عدة أيام، عايدته بالعام الجديد ونوّهتُ بخطوة توزيع بطاقات قواتية على منتسبين من خارج الطوائف المسيحية بعد أن كُنتُ ناقشتُ معه سابقاً أهمية إنتشار الأحزاب على مساحة الوطن ورفضي لمنطق حماية حقوق المسيحيين كما لحماية حقوق المسلمين لأن الدولة وحدها تحمي حقوق كل المواطنين ، أجابني الحكيم بثقة كبيرة: ” عندما نحمي حقوق اللبنانيين نكون بالتالي نحمي حقوق كل الطوائف والمواطنين وبالتالي المسيحيين، وسنعمل على ذلك “.

لقد توقَّعتُ هذه الخطوة الجريئة منذ أكثر من سنة ونصف وكتبتُ عنها على صفحتي الخاصة على موقع الفيسبوك وربطت تبنّي الحكيم لترشيح عون مع خطوة مماثلة لاحقة من قبل التيار البرتقالي اذا وصل زعيمه في هذه الدورة الى قصر بعبدا، متمنياً على الفريقين الإلتزام ببنود الإتفاقية التاريخية الموقعة بينهما.

إقرأ أيضاً: جعجع يعيد عون الى لبنان.. تحت سقف الدولة

أما وقد دخلنا الآن مرحلة الرقص مع الشيطان في الشرق، فإن الحكيم الذي لطالما فاجأ محبيه الساهرين في حفلات الفرح، هو أول وأمهر الراقصين.

السابق
الخامنئي يدعو معارضيه إلى الإنتخاب لا الترشّح
التالي
بالصور: من الكبتاغون إلى الكوكايين.. لبنان تحت رحمة المخدرات!