هنا طهران…دبلوماسية احتلال السفارات

اقتحام السفارة السعودية في طهران
اقتحام السفارة السعودية ليس الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية الإسلامية، فمذ نشأت هذه الجمهورية، نشأ معها مفهوم اقتحام السفارات. فتستغل الجمهورية الإسلامية بذكاء، ما ورد في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، حيث أن الاتفاقية تشترط على دول العالم حماية دبلوماسيي الدول الأخرى، لكنها لا تفرض عقوبات على الدول التي تخالف هذا الشرط.

أول الغيث كان اقتحامًا محدودًا لمبنى السفارة الأميركية بعد ثلاثة أيام من انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، نفذته كما يشاع “مجموعة ماركسية مسلحة”، أعقبه هجوم ثان ممنهج قاده “تلامذة خط الإمام” في 4 نوفمبر من العام ذاته، وأسفر عن احتجاز 66 موظفا أميركيا في السفارة، وأدى إلى ولادة أزمة دبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية، استمرت 36 سنة وانسحبت على كل دول المنطقة وانتهت ببركات الاتفاق النووي، ثم كرت السبحة في الأعوام الثورية اللاحقة، فجرى اقتحام سفارات بريطانيا والدنمارك ثم السعودية، إضافة إلى حصول تجمعات “هادرة” أمام سفارات أخرى، مثل السفارة المصرية (تضامنا مع ثورة حكم مبارك) والفرنسية (اعتراضا على رسوم شارلي إيبدو).

إقرأ أيضاً: إيران تتصرف كما لو أنها وصية دولية على الشيعة

تستغل الجمهورية الإسلامية بذكاء، ما ورد في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، حيث أن الاتفاقية تشترط على دول العالم حماية دبلوماسيي الدول الأخرى ومقارها الدبلوماسية، لكنها لا تفرض عقوبات على الدول التي تخالف هذا الشرط، لذلك تناور في هذه المساحة كلما اقتضت الضرورة الاستراتيجية، وتعتمد اقتحام السفارات كتدبير منهجي، للفت النظر أولاً، ثم افتعال الأزمات وابتداع أساليب صاخبة للتوتر في المنطقة، وصولاً إلى تسويات تنشدها هي قبل غيرها.

اقتحام سفارة في ايران

 

ويندرج اقتحام السفارة السعودية في طهران، ضمن هذا التدبير. فكلما أرادت الجمهورية الإسلامية إيصال رسائل دبلوماسية إلى دولة ما، أو الضغط عليها للوصول إلى مآرب معينة، لجأت إلى الشارع “الثوري”، وانتدبت من ضمنه عناصر غير منضبطة للقيام بهذه المهمة، يكون من السهل التبرؤ من تصرفها لاحقاً، بذريعة حماستها الزائدة وتفاعلها العفوي مع القضايا الإنسانية والسياسية والدينية، فإيران تجهد هذه الأيام، في طي صفحة اقتحام السفارة الأميركية، بأكثر “نظافة” ممكنة، وتروج أن الهجوم على السفارة الأميركية حصل في خضم الفوضى التي كانت تتخبط فيها الجمهورية بعد انتصار الثورة وفي فترة عدم استقرار النظام الجديد وضعف عمل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الذي يحدث عادة عقب الانتقال من مرحلة حكم إلى أخرى، واللافت أنها استدركت باكرا وجوب تلميع صورتها بشأن اقتحام السفارة السعودية، حيث بدأت جملة من الإجراءات مباشرة بعد وقوع الهجوم، فأجرت بلدية طهران سلسلة إقالات، إضافة إلى تحميل “اللجان الأهلية” مسؤولية الهجوم، كل ذلك كان مترافقا مع مواقف رسمية محتجة، منها موقف رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي اعترض على الهجوم واعتبره عملا غير مسؤول.

إقرأ أيضاً: ايران والسعودية غداة اعدام النمر: لا نرغب في التصعيد

عدا ذلك، فالجمهورية الإسلامية بحاجة، هذه الأيام إلى اختراع عدو خارجي جديد، لضمان إطالة عمر خطابها الإيدولوجي، نظرا للفراغ الإيدولوجي الذي أحدثته عملية ترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة، فكان من الضروري إيجاد البديل على وجه السرعة، الذي تمثل بالمملكة العربية السعودية هذه المرة.

اقتحام سفارة في ايران

يوصّف منظرون إيرانيون يفهمون جيدا طبيعة نظامهم وشخصية حكامهم الجدد، التجييش الإيراني ضد السعودية، بأنه رغبة عميقة في الوصول إلى تسوية، لكن هذا النظام يعتمد آلية ملتوية لبلوغ غاياته، لأسباب كثيرة، أبرزها: ضرورة وجود عدو دائم، يهدد الدولة الوطنية وهويتها القومية، من أجل إلهاء الشعب عن تجاوزاته وتبرير أخطائه، وقمع كل محاولات الاعتراض على سياساته الداخلية، أي أنه يحتمي بظل عدو وهمي ليفرض واقعه الأوحد على الأرض.

إقرأ أيضاً: إيران تغلي…وخامنئي يهدّد السعودية بردّ قاسٍ

وعليه فإن هذه النخبة من المنظرين، يعتقدون أن التسوية مع السعودية ستطرق الأبواب عاجلا، وسيتولد من هذه الأزمة اتفاق مشابه للاتفاق مع الولايات المتحدة، تستنفذ إيران للوصول إليه كل وسائل تحشيدها وتهديدها ووعيدها ضد السعودية، لإيهام شعبها أنها قادت حربا ضروسا، ثم خرجت منها منتصرة مظفرة، وأثبت مرة أخرى أنها الدولة التي لا تقهر.

السابق
بيانات «داعشيّة» في كفررمان جنوب لبنان!
التالي
قطع الطرق المؤدية الى منزل سماحة في الاشرفية استباقا للوقفة الاحتجاجية مساء