إطلاق سماحة: رسالة من «حزب الله» إلى «المستقبل» تماهياً مع الاشتباك الإقليمي

رلى موفق

إخلاء سبيل المستشار الإعلامي للرئيس السوري بشار الأسد، الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، الذي كان - وفق اعترافاته - يُخطط ويُعدّ لتنفيذ سلسلة تفجيرات إرهابية في الشمال تطال شخصيات سياسية وروحية وإفطارات رمضانية بغية إشعال فتنة طائفية، سيُفاقم من حال التأزم في البلاد.  توصيف الوقائع التي تحكم مسار الأمور كفيل بأن يُعطي صورة عن المشهد الحالي: الأجهزة الأمنية قاطبة، من مخابرات الجيش إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وإلى الأمن العام، مُجنّدون يومياً لملاحقة أشخاص مشتبه بتخطيطهم أو بتنفيذهم أعمالاً إرهابية، لكن غالبية التوقيفات التي تحصل يومياً تتم بشبهة الانتماء إلى تنظيمات متشددة، ولا سيما أن شبهة الانتماء إلى تنظيم «داعش» ومعه «جبهة النصرة» جاهزة على الدوام ما دام الملاحقون ينتمون إلى الطائفة السنية، لبنانيون كانوا أم سوريون.

إقرأ أيضاً: ماذا لو برّئ أحمد الأسير كما «ميشال سماحة»!
والتوقيفات التي تحصل بغطاء سياسي توفّره حكومة «المصلحة الوطنية»، وبدعم إقليمي ودولي في إطار مكافحة الإرهاب، يُفترض أنها تهدف إلى حماية أمن لبنان من أيدي الإرهابيين وأفعالهم  ومنع وقوعه في الفوضى والفتنة الطائفية المذهبية، لكنها في واقع الأمر تشكل مظلة أمنية لحماية ظهر «حزب الله» الذي يقاتل في سوريا ويحاصر بلداتها الحدودية ويُجوّع أبناءها في سياسة تهجير مدروسة بغية خلق واقع ديموغرافي يخدم مشروع «سوريا المفيدة» التي تشكل امتداداً لمناطق نفوذه بقاعياً وامتداداً إلى الجنوب، والذي يؤسس، عبر خطوته هذه، لصراع وأحقادٍ مذهبية على مدى أجيال مقبلة!
وما دامت المعركة اليوم تجري تحت عنوان «مكافحة الإرهاب»، فإن توصيف فعل سماحة  لا يمكن إدراجه سوى في إطار الأعمال الإرهابية التي كانت تستهدف لبنان وإدخاله في الفتنة الكبرى الطائفية والمذهبية، الأمر الذي يقود إلى السؤال: كيف يُمكن لمن نقل المتفجرات في سيارته من دمشق إلى بيروت، ورسم مخططه وخارطة أهدافه بالصوت والصورة، أن يُخلى سبيله مقابل كفالة مالية من قبل محكمة التمييز العسكرية، فيما يتم يومياً توقيف العشرات من الشبان بشبهة الانتماء إلى تنظيمات متشددة، ويمضي هؤلاء في السجون أشهراً، وقبلهم كُثر مضت سنوات على توقيفهم بلا محاكمات، من دون أن يلجأ القضاء العسكري إلى اتخاذ قرارات مماثلة بإخلاء سبيلهم قبل انتهاء المحاكمات، كما فعل مع سماحة الذي كان بديهياً أن يبقى موقوفاً إلى أن تتم إعادة محاكمته بعد نقض الحكم الأول، الذي صدر في 14 أيار 2015، واعتبر حينها «فضيحة»، وفق حقوقيين، إذ قضى بالحكم عليه بأربع سنوات ونصف السنة انتهت أمس، بفعل احتساب سنة السجن في القانون اللبناني  9 أشهر، رغم أنه أوقف في 9 آب 2012؟

إقرأ أيضاً: صدمة اطلاق سراح سماحة تتفاعل…والقلق الأمني إلى الواجهة
ما كان يمكن  للحكم الأول أن يصدر على الشاكلة التي صدر عليها قبل أشهر، ولا أن يصدر قرار إخلاء سبيله أمس بينما لم تتم إعادة محاكمته، لو لم يكن الفريق السياسي، الذي ينتمي إليه سماحة، يقبض على زمام القرار في لبنان وله اليد الطولى في المؤسسات ويتحكم بمفاصل الدولة. وما كان يمكن لهذا الفريق أن يذهب في غيّه إلى هذه الدرجة لو أنه لا يشعر بأن الفريق المقابل له يصيبه الوهن والتخبّط وحال التردّي.
وفي هذا السياق، يأتي القرار ببعده السياسي ليشكل رسالة جديدة من «حزب الله» إلى «تيار المستقبل» في إطار «حرب باردة» اختارها الحزب داخلياً، و«ساخنة» خارج الحدود، مرشحة للتصاعد تماهياً مع الاشتباك الإقليمي الذي يأخذ مداه بين المملكة العربية السعودية وحلفائها وبين إيران وأذرعها في المنطقة. وهي رسالة  تضاف إلى رسالة وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير الذي أخرج لبنان من الإجماع العربي بالوقوف إلى جانب  المملكة العربية السعودية ضد اعتداء إيران على سفارتها في طهران وقنصليتها في  مشهد، وتدخلها في الدول العربية، في وقت وافق العراق على القرار العربي رغم الهيمنة الإيرانية عليه. فالقول بسياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة لا تستقيم مع انغماس «حزب الله» في الحرب السورية، بل يستقيم أكثر إقرار الطبقة السياسية والرسمية بأن لبنان أضحى ورقة قوية بيد إيران وحلفائها فيه.
القرار، ومهما كانت تعليلاته القانونية التي لا تتواءم مع سياسة درء التحديات والمخاطر المحدقة بالسلم الأهلي، يكشف حال  العجز الذي وصلت إليه قوى الرابع عشر من آذار، والتي رفعت كافة قياداتها الصوت عالياً في مواقف منددة وساخطة، بدءاً من زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وممثليّه في الحكومة  وزيريّ العدل والداخلية ونواب شماليين في كتلته، مروراً برئيسي حزب «القوات» سمير جعجع  و«الكتائب» سامي الجميل وصولاً إلى المستقلين، إضافة إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي شكّل خروجه إلى الموقع الوسطي الضربة الأولى لتلك القوى، والتي أسمهت - من خلال أدائها وأخطائها - في سلوك مسارها الانحداري.

إقرأ أيضاً: إطلاق ميشال سماحة: قادة 14 آذار هم المسؤولون
على أن السؤال التي يُطرح اليوم، يتمثل في ماهية التداعيات التي يمكن أن تشهدها الساحة اللبنانية جرّاء هذا القرار، وما قد يتبعه من ردّات فعل وردّات فعل مضادة. فمناهضو القرار يرون أن ما أقدمت عليه المحكمة التمييزية العسكرية كشف، بشكل جليّ، الانحياز حيال اللبنانيين على أسس سياسية وطائفية ومذهبية، ما سيضاعف من حال الاحتقان ويؤول إلى مزيد من الإحباط والشعور بالغبن وسط شرائح واسعة من اللبنانيين، ولا سيما في البيئة السنية التي كانت مستهدفة أولاً بمخطط سماحة – علي المملوك، وتشعر بالاستهداف الدائم لها من قبل الأجهزة الأمنية على خلفية انتماءاتها الدينية، وهو ما سيدفع بمزيد من الشباب السنّي إلى كنف التنظيمات المتشددة، ما دامت القوى السنية السياسية والدينية المعتدلة تُظهر، يوماً بعد يوم، عجزها عن المواجهة السياسية والشعبية لوقف إمعان «حزب الله» في السيطرة على البلاد، وتطويعها خدمة لمشروعه السياسي – المذهبي ببُعديه الداخلي والإقليمي.
الأكيد أن هذا القرار يرفع من مستوى التحدّيات أمام زعيم «تيار المستقبل»، إذ أن التوغل في الاستهداف الممنهج  له من شأنه أن يؤدي إلى خلخلة البيئة السنّية، وإلى زعزعة  الغطاء السياسي الذي يوفره وفريقه، ليس للحكومة فحسب بل وللمؤسسات الأمنية أيضاً، الأمر الذي قد يؤول في نهاية المطاف إلى انكشاف البلاد سياسياً، ويرفع من منسوب المخاطر الأمنية، في وقت تحتدم الصراعات المذهبية في المنطقة، والتي تظهر مؤشراتها من جديد بحدّة في العراق، ناهيك عن سوريا واليمن.
أما الكلام عن المواجهة السياسية عبر مشروع أو اقتراح قانون معجّل يُؤطر عمل المحاكم الاستثنائية، فهي مواجهة طويلة الأمد، لا تبدو طريقها معبّدة، ما دامت موازين القوى الحالية يشوبها الخلل، وما دام رئيس مجلس النواب، الذي يملك مفتاح ساحة النجمة، يقف خلف «حزب الله» وإلى جانبه في السرّاء والضرّاء!

(اللواء)

السابق
قطع الطرق المؤدية الى منزل سماحة في الاشرفية استباقا للوقفة الاحتجاجية مساء
التالي
انفلونزا الخنازير في الشمال: بين الحقيقة والشائعة!