«داعش».. الوظيفة الخارجية!

لن يكون غريباً (بعيد الشر!) أن «تلاقي» القوى المحرّكة لـ»داعش» مواقف رئيس الحكومة الكندية ترودو من اللاجئين السوريين بعملية إرهابية ما! مثلما جرى بالأمس في اسطنبول مع السياح الألمان الذين استقبلت بلادهم حشداً من اللاجئين، غير مسبوق بحجمه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية!

والواقع أن «داعش» هذا كان منذ لحظة انفجاره الأولى والأكبر في حزيران من العام 2014، ولا يزال، وظيفة أكثر من كونه تنظيماً تكفيرياً خرج من بطن «القاعدة» وحطّ على واقع أكثري مدمّى من النصال الفاتكة به من كل جانب.

ووظيفته الداخلية الخاصة بسوريا (أكثر من العراق) كانت ولا تزال الفتك بكل ما تعنيه وترمز إليه ثورة السوريين الشاملة على سلطة بشار الأسد ورعاته الممانعين.. وإنضاج معطى وضع العالم أمام الاختيار بين إرهابه من جهة وتلك السلطة من جهة ثانية.

وغاشٍ من ينكر أن التكتيك الأسدي الممانع هذا نجح في مسعاه إلى حد كبير! علماً في المقابل أنه غاشٍ أكثر، من يفترض، أن ذلك النجاح كان ممكناً لو لم يتلاءم ويتناسق مع سياسات مركزية أساسها عند مستر أوباما. بل إن «داعش» كان ولا يزال، أفضل حجّة هروب لإدارة الرئيس الأميركي من الإحراج المتأتي عن أدائها في سوريا والمنطقة العربية في الإجمال.. وأفضل تبرير لنكوصها عن التحرك لوضع حد لارتكابات الأسد وأعوانه، طالما أن الصورة التي رفعت في البيت الأبيض ودوائر صنع القرار في واشنطن، والتي يُراد لكل العالم أن يراها الآن (ويصدّق!) تشتمل على فرضية أن سقوط الأسد في دمشق سيعني في اليوم التالي تحوّل العاصمة السورية إلى العاصمة الفعلية لـ»دولة الخلافة» الداعشية!

و»داعش» هذا، كان ولا يزال المبرر المركزي لكل السياسة التي يعتمدها فلاديمير بوتين في سوريا، والتي تتقاطع في أحد خطوطها العريضة مع سياسة أوباما عند نقطة مركزية هي إيران برغم التفاصيل الكثيرة المناقضة لذلك: أوباما بنى معظم «استراتيجيته» السورية على الموقف من إيران، وليس على جرائم الأسد وارتكاباته! وبوتين بنى استراتيجيته هناك على التقاطع مع توجهات إيران فيها، وليس على «محاربة الإرهاب»!

الوظيفة الداخلية الناجحة لـ»داعش» لها تتمة خارجية: يرفع الفرنسيون الصوت أكثر من اللازم في الموضوع السوري، ضد بشار الأسد، فيذهب «داعش» إلى باريس ويرتكب مذبحة في حق الفرنسيين! مع أن «المنطق» الممانع يضع «الإرهاب» وإدارة فرنسوا هولاند في صف واحد.. هو الصف المناهض للأسد!

ويبقى الموقف الريادي للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على صلابته إزاء الأسد وجرائمه وجرائم حُماته، فيذهب «داعش»، المفترض، في «منطق» الممانعة، أنه «حليف» القائد التركي، ليضرب «حليفه» في قلب عاصمته المالية والاقتصادية والسياحية والتاريخية!

في مقابل ذلك كله، لم «يلحظ» هذا الـ»داعش»، الذي هو تكفيري في أحد توصيفاته الحادة بالمعنى المذهبي المباشر، التعرّض بأي شيء ضد «الرمز» المذهبي المناهض الذي هو إيران!.. بل المفارقة (وأي مفارقة؟!) هو أنه عاد إلى استهداف مواقع حساسة داخل بغداد، بعد ساعات على موقفها في مجلس الجامعة العربية، المؤيد للإجماع العربي في إدانة ممارسات إيران ضد السعودية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لكثير من دول المنطقة!

جريمة اسطنبول، دليل آخر (إضافي) على وظيفة «داعش»، وعلى الجهات التي تشغّله في هذه الوظيفة! مثلما تدلّ على الجهة أو الجهات التي تقاتل «الإرهاب» فعلياً وتعتبره جزءاً من المحور المضاد الذي يشكّل الرئيس السوري السابق بشار الأسد أحد أبرز رموزه الكثيرة..

(المستقبل)

السابق
الأسد أبلغ فرنجيه رفضه «المبادرة» ثلاث مرّات
التالي
انفجار واطلاق نار بالقرب من قنصلية باكستانية في شرق افغانستان